إيمي بوب.. أول امرأة تترأس المنظمة الدولية للهجرة

15 مايو 2023
إيمي بوب: مستعدة للعمل مع الجميع من أجل هجرة فعّالة ومنظّمة وإنسانية (فرانس برس)
+ الخط -

للمرّة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية للهجرة، سوف تترأس امرأة هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة، وهي الأميركية إيمي بوب البالغة من العمر 49 عاماً.

وقد انتُخبت بوب في خلال الدورة 108 التي عقدتها المنظمة الدولية للهجرة في مقرّها بمدينة جنيف السويسرية، اليوم الإثنين، هي التي خاضت منافَسة مع المدير العام الحالي البرتغالي أنطونيو فيتورينو (منذ عام 2018) الذي ترشّح لولاية ثانية لقيادة المنظمة.

وفي خطوة غير متوقعة، سحب فيتورينو ترشّحه بعد دورة أولى من التصويت بالاقتراع السري بيّنت تقدّماً كبيراً لمنافسته، إذ منحت الدول الأعضاء بوب التي يدعمها الرئيس الأميركي جو بايدن 98 صوتاً في مقابل 67 صوتاً له. وتشغل بوب منصب نائبة المدير العام الحالي للمنظمة ومن المقرّر أن تبدأ ولايتها التي تمتدّ على خمس سنوات في الأوّل من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وقد أدّت المعركة الطويلة للفوز بمنصب المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة إلى خلق هوّة ما بين الأوروبيّين والولايات المتحدة الأميركية التي شنّت حملة في كلّ الاتجاهات لاستعادة هذا الموقع الأميركي تقليداً، بحسب ما يفيد مراقبون. كذلك فإنّ الترشّح غير المعتاد لشخص كان يتولّى منصب المسؤول الثاني في المنظمة ضدّ مديرها العام أثار كذلك خلافات شديدة لا بدّ من العمل على تهدئتها. يُذكر أنّ هذا المنصب اكتسب أهمية متزايدة في السنوات الماضية بعدما حضرت مسألة المهاجرين في صلب النقاشات السياسية في دول عديدة.

وفي مقابلة سابقة مع وكالة "فرانس برس"، في مارس/ آذار الماضي، قالت إيمي بوب إنّ التحديات كبيرة جداً لدرجة أنّه لا يمكن الإبقاء على الوضع القائم. وأكّدت أنّه "ما زلنا عالقين بصورة ما في الطرق القديمة للنظر إلى الهجرة"، مشدّدة خصوصاً على أثر التغيّر المناخي على الهجرة التي وصفتها بأنّها "أحد أكبر تحديات جيلنا" وهي تتطلب أكبر قدر من الانتباه.

وتُعَدّ إيمي بوب صاحبة مسيرة طويلة في مجال الهجرة وخبرة واسعة في إدارة الكوارث، خصوصاً في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وبدعم على أعلى المستويات. وبوب التي بدأت عملها في الوكالة التابعة للأمم المتحدة قبل سنة ونصف سنة فقط، تدافع كذلك عن سياسة تواصل أكثر تفاعلية. وأشارت إلى أنّ "ثمّة أدلة دامغة على قيمة الهجرة للاقتصادات ولإعادة إعمار المدن وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال".

وبعد إعلان المنظمة فوز إيمي بوب، كتبت الرئيسة المنتخبة في تغريدة على موقع تويتر: "أنا مستعدة للعمل مع كلّ الدول الأعضاء والشركاء الدوليين لإطلاق الفرص التي توفّرها الهجرة الفعّالة والمنظّمة والإنسانية". وهي كانت قد وعدت في نهاية المعركة الانتخابية بتحديث المنظمة الدولية للهجرة من أجل النهوض بصورة أفضل بالتحديات التي يمثّلها التغيّر المناخي.

عندما أعلنت إيمي بوب ترشّحها في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022 "مثّل ذلك نوعاً من صدمة" بحسب ما قال دبلوماسي أوروبي في جنيف لوكالة "فرانس برس"، طالباً عدم الكشف عن هويته. أضاف أنّ الخطوة "لم تُعَدّ قراراً ودياً"، معرباً عن أسفه لمعركة "انطوت على مؤشّر سيّئ" في وقت ينبغي فيه على الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية أن "تظهر كجبهة موحدة" على الساحة العالمية.

من جهته، كان أنطونيو فيتورينو، وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء البرتغالي السابق البالغ 66 عاماً، قد صرح لوكالة "فرانس برس" في مارس/آذار الماضي بأنّ "كلّ الذين سبقوني على مدى 70 عاماً تولوا منصبهم لولايتَين، ولا أرى أيّ سبب حتى لا تتبع ولايةً أولى ناجحةً ولايةٌ ثانيةٌ".

وفي سياق متصل، قالت الأستاذة في جامعة "ماكغيل" في مونتريال والمتخصصة بالمنظمة الدولية للهجرة ميغن برادلي لوكالة "فرانس برس"، إنّ العادة تقوم على إعطاء ولاية ثانية للمدير العام لكنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد كذلك الدفع إلى احترام "تقليد قديم وهو تقديم مرشّح لها إلى منصب المدير العام".

وقد تولى فيتورينو إدارة المنظمة في عام 2018، ليصير ثاني شخص غير أميركي يتولى هذا المنصب. وهو كان قد فاز بالتزكية بعدما رفضت الدول الأعضاء مرشّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المتّهم بمناهضة المسلمين وبإنكار حقيقة التغيّر المناخي.

ويفيد مراقبون أنّ أداء فيتورينو كان جيداً على رأس منظمة تتوسّع لتضمّ راهناً أكثر من 19 ألف موظف، فيما تضاعفت ميزانيتها تقريباً منذ عام 2018 لتصل إلى نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي في عام 2022 الماضي.

لكنّ الولايات المتحدة الأميركية تمكّنت في نهاية المطاف من إيصال مرشّحتها الى منصب المدير العام. يُذكر أنّ بايدن كان قد صرّح قبل أيام بأنّ خبرته في خلال العمل مع بوب تظهر أنّها قادرة على "تعبئة المنظمة العالمية للهجرة وأعضائها بفاعلية للاستجابة لتحديات الهجرة المتنامية". وأكّد بايدن "هي الشخص المناسب للمنصب"، متوّجاً بذلك حملة دعم بارزة للخارجية الأميركية.

والمنظمة الدولية للهجرة التي تأسّست في عام 1951 لكنّها لم تصر واحدة من الوكالات التابعة للأمم المتحدة إلا قبل سبع سنوات، تمثّل اللاعب الرئيسي على الساحة الدولية على صعيد الهجرة وتُخصَّص لها ميزانية تُرفَع سنة بعد سنة إذ هي تضطلع بعمليات رصد الهجرة ومتابعة قضاياها. وقد كثرت مهامها في السنوات الأخيرة مع تزايد حركة الهجرة بصورة فاقت كلّ التوقعات، وسط الأزمات التي نشأت في أكثر من بقعة من العالم، علماً أنّ البيانات الأخيرة للمنظمة تفيد بأنّ عدد المهاجرين بلغ 281 مليوناً في عام 2020 وهو ما يمثّل 3.6 في المائة من إجمالي سكان العالم.

وبحسب التعريف الذي تقدّم المنظمة الدولية للهجرة نفسها به، فهي المنظمة الحكومية الدولية الرائدة التي تعمل على تعزيز الهجرة الإنسانية والمنظمة لمصلحة الجميع، وهي تعمل في أكثر من 100 دولة ولديها أكثر من 590 مكتباً إقليمياً فرعياً حول العالم، علماً أنّها بدأت تنشط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.

وانطلاقاً من هذا التوصيف، تؤدّي المنظمة دوراً رئيسياً في دعم الجهود المبذولة لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من خلال العمل في مجالات متنوّعة تربط ما بين المساعدة الإنسانية وبين التنمية المستدامة. وقد قدّمت المنظمة استراتيجيتها المؤسسية بشأن الهجرة والبيئة وتغيّر المناخ (2021-2030) على أنّها "من أجل نهج شامل قائم على الأدلة والحقوق تجاه الهجرة، في سياق التدهور البيئي وتدهور المناخ والكوارث لمصلحة المهاجرين والمجتمعات".

وبعدما تأسّست المنظمة بمهمّة أساسية تقضي بالمساعدة في إعادة توطين اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية، باتت اليوم تركّز على ضمان التعامل الإنساني مع الهجرة وتعزيز التعاون الدولي من أجل حلول عملية لمشكلات الهجرة وتقديم مساعدة إنسانية للمهاجرين المحتاجين. والمهاجر بحسب المنظمة هو كلّ شخص بقي في خارج وطنه لأكثر من عام مهما كان السبب.

ومنذ أكثر من 10 سنوات، مع اشتداد موجات اللجوء التي يصنّفها الأوروبيون "هجرة غير قانونية"، بدأت المنظمة تولي اهتماماً كذلك بمسارات اللجوء حول العالم، من قبيل مسار البحر الأبيض المتوسط الذي يُعَدّ الأخطر.

وتُعَدّ تقارير المنظمة الدولية للهجرة مرجعاً موثوقاً في تحليل أوضاع المهاجرين في البلدان الأصلية، وقد حذّرت مراراً وتكراراً من أنّ سوء الأوضاع في تلك البلدان، سواء أكانت الحروب أو الأوضاع الاقتصادية، والبحث عن حياة أفضل تُعَدّ دافعاً رئيسياً لسعي الناس إلى الهجرة نحو بلدان أفضل حالاً.

وفي خلال السنوات الأخيرة التي تزايد فيها الاهتمام العالمي بالمناخ، أدرجت المنظمة التغيّر المناخي كواحد من أبرز أسباب الهجرة، مع تأثّر ملايين البشر بالظواهر المناخية، لا سيّما الحادة منها.

ومنذ عام 2014، صارت المنظمة الدولية للهجرة على تماس مباشر مع عمليات الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، مساهِمة في تقديم تصوّرات كثيرة للحلول التي من الممكن أن تتبنّاها دول العالم، سواء دول الاستقبال أو البلدان الأصلية للمهاجرين، من أجل التعاون وتخفيف الأعباء عن المجبرين على ترك دولهم بسبب أزمات تحطّم آمالهم بمستقبل أفضل في أوطانهم.

تجدر الإشارة إلى أنّه اعترافاً بجهود هذه المنظمة، فقد مُنحت صفة مراقب في الأمم المتحدة في عام 1992، قبل أن تصير في سبتمبر/ أيلول من عام 2016 وكالة تابعة لها، وذلك في خلال انعقاد قمّة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين في مدينة نيويورك الأميركية.

ومن بين المهام التي تنفّذها منظمة الهجرة الدولية برامج الإعادة إلى الوطن، أحد أبرز مشاريعها التي تشمل المهاجرين وطالبي اللجوء الذين رُفضت طلبات إقاماتهم في مختلف الدول، خصوصاً هؤلاء الذين يرغبون في العودة إلى أوطانهم الأصلية وإعادة تأسيس حياتهم فيها.

كذلك تعمل المنظمة في حالات الطوارئ المتعلقة بطرق انتقال المهاجرين لمنع استغلالهم، وتساهم في مساعدة الحكومات في التعاطي بفعالية مع الأزمات التي تؤدّي إلى هجرة البشر، مستندة بصورة أساسية إلى المبادئ العامة للأمم المتحدة ودعم تطبيق حقوق الإنسان للجميع من دون تمييز، مع اشتمال احترام حقوق المهاجرين وضمان كرامتهم وعيشهم اللائق والكريم ورفاهيتهم في دول الاستقبال ولدى عودتهم إلى أوطانهم الأصلية.

وتتعاون المنظمة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية وعدد كبير من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية المعنيّة بالهجرة واللجوء حول العالم، سواءً من خلال العمل الميداني أو من خلال تقارير منفردة ومشتركة تُعنى بكفية معالجة القضايا الإنسانية الطارئة.

المساهمون