تشهد مناطق شمال شرقي سورية إقبالاً على عمليات التجميل. وإنْ كان يسعى البعض من خلالها إلى إزالة تشوهات، فإنّ هدف آخرين هو التشبه بمشاهير أو الوصول إلى الجمال المبتغى بنظرهم.
تقول سلام (26 عاماً) لـ "العربي الجديد": "أصبت بكسر في أنفي وأعاني من انحراف الحاجز (عندما ينزاح الجدار الرقيق أي الحاجز الأنفي بين ممرات الأنف إلى جانب واحد)، الأمر الذي يتسبب لي بألم وضيق في التنفس. وعلى الرغم من أن وضعي المادي ليس جيداً، قررت إجراء عملية لأنفي بعدما أثر الأمر على صوتي وقدرتي على الكلام". تتابع سلام: "تردّدت قبل إجراء عملية لأنفي، علماً أن هدفي هو الترميم للتخلص مما أعانيه من ألم وليس التجميل. وبسبب كلفة العملية الكبيرة، اضطررت إلى ادخار المال على مدى أشهر بعدما باتت معاناتي كبيرة بسبب ضيق التنفس". وتشير إلى أنّ البعض يلجأ إلى عمليات التجميل من دون أن يكون هناك أي سبب صحي، في وقت تكون الحاجة ملحة لدى آخرين إلّا أنّ المال يقف عائقاً.
من جهتها، تقول نهاد (23 عاماً) إنّها عانت التنمر بسبب أنفها الكبير. وتوضح لـ "العربي الجديد": "أينما ذهبت، لم يكن الناس يترددون في القول إنّ أنفي كبير أو متورم أو ضخم. وفي المنزل، كثيراً ما تقارن عائلتي بيني وبين أخريات، وقد يخبرونني أنّ أنف صديقتي صغير وجميل وليس مثل أنفي الكبير. أثّر المجتمع على وضعي النفسي بشدة، إذ أدى إلى اكتئابي ما دفعني إلى إجراء عملية تجميل. وما شجعني أكثر على هذه الخطوة معاناتي من الربو".
في المقابل، تقول صبا عبيد (32 عاماً) لـ "العربي الجديد" إنّها أجرت أكثر من عملية تجميل "لأنّني أحبّ التجميل. وعلى الرغم من كثرة المراكز التجميلية في الحسكة، لكنّني لجأت إلى اللاذقية لإجراء أول عملية تجميل بسبب وجود أطباء متخصصين. وقبل أربع سنوات، أجريت عملية نفخ الشفاه بكلفة بلغت نحو 44.6 دولاراً. وكرت السبحة". وترى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة الإقبال على عمليات التجميل، مشيرة إلى أن والدتها لم تكن راضية على خياراتها، إلّا أنّني "راضية عن نفسي الآن".
من جهته، يقول الطبيب المتخصص في الجراحة التجميلية عويس أنطوان أسعد لـ "العربي الجديد": "هناك فرق بين التجميل والترميم. ويلجأ الناس إلى الترميم في حال التعرض لحادث أو غير ذلك. أما التجميل، فهو رغبة فردية ليست مرتبطة بحادث معين". ويشير إلى كثرة اللجوء إلى "الفيلر والبوتوكس لتجميل الوجه، بالإضافة إلى الإقبال على عمليات تجميل الأنف"، عازياً السبب إلى مواقع التواصل الاجتماعي وما تشاهده الفتيات عليها. ويحبّذ عمليات التجميل "ضمن حدود"، لكنّه يحذّر من أن يتحول الأمر إلى هوس، إذ يؤدي إلى حدوث تشوهات.
كما يشجع أسعد على تحسين البشرة من خلال حقن الوجه بالبلازما (عبارة عن تقنية يتم فيها استخدام الدم الخاص بالمريض ومعالجته لتنقية البلازما المفيدة منه، ثم إعادة حقنه في الوجه لأغراض تجميلية عدة، مثل تعزيز إنتاج الكولاجين، وتحسين مظهر البشرة) والميزوثيرابي (علاج تجميلي طبي غير جراحي) وترميم الأنف المشوه. "لكني أصدم حين يأتي إليّ مريض لتجميل أنفه رغبة في أن يشبه فناناً معيناً، علماً أن أنفه ضمن المعايير المقبولة. هنا، لا داعي لمتاهات التجميل، إذ إنّ لأيّ عمل جراحي الكثير من الآثار الجانبية".
ويبين أسعد أنّ البوتوكس اليوم أصبح الإجراء التجميلي الأكثر شيوعاً حول العالم، وهو الاسم التجاري لتوكسين البوتولينيوم، وهي مادة يتم حقنها في الجلد لتمنع الإشارات العصبية مؤقتاً وإضعافها أو شلّ العضلات التي تخلق التجاعيد أو الطيات. وبحسب الجرعة المستخدمة، يمكن لهذا أن يقلل من ظهورها. يضيف أن "الإقبال على التجميل كبير، وكلفة المواد مرتفعة بالإضافة إلى أجر الطبيب في ظل الوضع المعيشي الصعب، لكنّها منطقية ومنخفضة إذا ما قورنت مع دول أخرى. كما تختلف من طبيب إلى آخر". ويلفت إلى أنّ "هناك إقبالاً من مواطنين قاطنين في دول أوروبية على التجميل في سورية".
كما يقول إنّ "الإقبال على التجميل لا يرتبط بفئة عمرية دون أخرى. بعض المرضى الذين يقصدونني تتراوح أعمارهم ما بين الستين والسبعين عاماً، بهدف إزالة الترهلات وشد البشرة. في حال كانت هناك تجاعيد وترهلات كثيرة، نقوم بالترميم وليس التجميل".
وفي ما يتعلق بالآثار الجانبية، يقول إنّ آثار البوتوكس الجانبية قد تكون مقبولة في بعض الحالات. وتلعب خبرة الطبيب والمواد التي يستخدمها دوراً أساسياً للحد منها. ومن بين الآثار الجانبية للبوتوكس، هبوط الأجفان، وازرقاق تحت العين الذي قد يستمر من ثلاثة إلى أربعة أيام. وفي ما يتعلق بالفيلر، وهو مادة تُستخدم للتعبئة تحت الجلد لغرضين أساسيين، هما إخفاء التجاعيد والندبات، والنفخ والتكبير، هناك عدة مواد تُستخدم، من بينها ما هو مستخلص من المصادر الطبيعية، ومنها ما هو مصنّع من تركيبات كيميائية. وترتبط الآثار الجانبية بأنواع المواد وخبرة الطبيب في حقن الفيلر. كذلك، يشير إلى انتشار مراكز التجميل بشكل كبير. أما في الدول الأوروبية، فهناك تشدد في استخدام مواد البوتوكس والفيلر والبلازما.