من أبرز الفئات التي تأثرت بسنوات الحرب في سورية ذوو الاحتياجات الخاصة وذوو الإعاقة، خاصة أن العمليات العسكرية التي شنّها النظام السوري وحلفاؤه في مناطق شمال غربي سورية زادت عددها.
وتكشف إحصاءات دولية حديثة أن عدد ذوي الإعاقة في مناطق شمال غربي سورية تجاوز 20 في المائة من إجمالي عدد السكان، ما دفع العديد من منظمات المبادرات التطوعية المحلية إلى صبّ اهتمامها على تقديم خدمات لهذه الفئة التي يصنّفها ناشطون محليون بأنها الأكثر تضرراً في المجتمع.
ويواصل مركز "الأيادي المبصرة" لتعليم المكفوفين عمله في محافظة إدلب شمال غربي سورية، بعد عامين من افتتاحه. وتشرح مديرته شذى بركات، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن المركز يضم 18 شخصاً ممن فقدوا بصرهم، ويهدف إلى إدخالهم في سوق العمل وتعزيز اعتمادهم على أنفسهم في كسب لقمة العيش، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المنطقة.
وتقول: "ما يميّز المركز أن المدربين والمتدربين هم من المكفوفين. وهناك انسجام كامل يساعدهم في التعلم بسرعة أكبر، وتوفير إنتاج جيد على صعيد الجودة، علماً أن مساعدين يتولون اختيار الألوان فقط".
تضيف: "يدرب المركز المكفوفين على صناعة القش، ويمكن تقديم تدريبات أخرى في المستقبل تشمل العمل على الكمبيوتر، والهواتف الخليوية، وتوفير إرشاد نفسي وتربوي للمكفوفات من أجل الاعتناء بأنفسهن والمنزل، والتعامل مع الأطفال. وهذه الأمور جميعها مهمة لهذه الفئة المهمشة في المجتمع، وسط الحرب والفقر المنتشر والبطالة".
وتؤكد بركات أن جميع الخدمات التي يقدمها المركز للمتدربين مجانية. وتشير إلى أنه يضم 18 متدرباً يتلقون التعليم على مهنة صناعة القش. وقد أنتجوا حتى الآن عشرات من الأدوات التي سيفتتح معرض في محافظة إدلب لبيعها، وتخصيص ريعها لدعم المكفوفين".
وتوضح أن المتدربين يشرف عليهم أربعة مدربين مكفوفين أيضاً، وأشخاص من المبصرين يساعدون في اختيار الألوان وشكل القطع التي يراد صنعها، وينبهون المتدربين في حال حصول أخطاء في الصناعة.
وعن الأدوات التي يصنعها المتدربون، تقول شذى إنها "أعمال دقيقة وجميلة وحديثة يمكن استخدامها في المنزل والمكاتب كأثاث، وبعضها يستخدم في تنظيم حفلات شخصية وتزيين الأماكن. وهناك مشكلة واحدة تتمثل في تدوير رأس المال بسبب السوق الضعيف في محافظة إدلب التي يعيش نسبة 90 في المائة من سكانها تحت خط الفقر. وسننظم معارض داخلية ونطلق حملات تسويق إعلامية للوصول إلى السوريين خاصة والمهتمين عموماً المتواجدين خارج المنطقة، أو حتى المقيمين خارج سورية".
تضيف: "يوجد أكثر من 3 آلاف كفيف وكفيفة في مناطق شمال غربي سورية، لكن هناك صعوبات كبيرة في الوصول إليهم جميعا بسبب عقبات النقل وعدم توفر دعم مادي، وما نريد ونتطلع إليه هو أن تكون يد المكفوف هي العليا وليست السفلى".
من جهته، يقول المدرب محمد معتوق، وهو مكفوف، لـ"العربي الجديد": "عندما فقدنا نعمة البصر عوّضنا الله بأمور أخرى تساعدنا في طرح إبداعاتنا وقدراتنا التي تتمتع بخيال واسع وخصب. ويمكن أن نتخيل أي شيء وننفذه على أرض الواقع".
يضيف: "الجانب الثاني الذي منحنا الله إياه هو القدرة على اللمس التي نستطيع من خلالها أن نصنع الأشياء، وطريقة العمل تكون عن طريق لمس القطعة المراد العمل عليها، ورسم هذه المجسمات في مخيلتنا، ثم تنفيذ الرسومات التي في خيالنا، لذا أسمينا المركز الأيادي المبصرة، فالله عوضنا بالأيادي التي تبصر، وكأننا نرى بأعيننا".
وأشار إلى أن "الأدوات التي نصنعها في المركز خلال التدريبات هي صواني قش ومزهريات، وأسرّة للأطفال الصغار".
ويطالب معتوق الجهات المهتمة بدعم المركز في استهداف جميع الحالات المشابهة، علماً أن أبرز الصعوبات تتمثل في التنقل والمواصلات.
ويقول الشاب المتدرب ياسر أمين لـ"العربي الجديد": "قبل أن أتسجل بالمركز كنت عاطلاً عن العمل، وألازم المنزل دائماَ. أما الآن فأصبحت بعدما تلقيت تدريبات قادرا على العمل في مهنة صناعة القش، وبات لدي مدخول مالي أستطيع من خلاله العيش مع عائلتي، وتأمين مصروف شهري لهم".
أما نادر يازجي، المكفوف الذي يتدرب في المركز، فيرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "العمل هو مفتاح الحياة، والمكوث في المنزل مع الإعاقة يعتبر أخطر من الإعاقة بحد ذاتها، لذا قررت الانخراط في هذه التدريبات، والعمل في مجال يتيح لي متنفساً لتعلم مهارات جديدة في الحياة".
ويشيد الناشط في المجال الإنساني محمد نور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بعمل مركز "الأيادي المبصرة"، ويصف الخطوات والمبادرات بأنها الأفضل لإخراج ذوي الاعاقة من الأجواء التي يعيشونها، وإكسابهم الثقة بالنفس، خاصة في مجتمعات تعاني من درجات تنمّر زائدة عليهم".
وفيما تغطي المراكز المتخصصة فعلياً 20 في المائة من الاحتياجات، يقول رامي الأحمد، مدير مركز "سنابل الأمل" لذوي الإعاقة في محافظة إدلب، لـ "العربي الجديد": "لا يوجد إحصاء دقيق لعدد ذوي الإعاقة في مناطق شمال غربي سورية، لكن الأمم المتحدة تقدر نسبتهم بـ20 في المائة من عدد السكان، ما يعادل 280 ألفاً بينهم 50 ألفا ذوي إعاقات شديدة وكبيرة".
ويشير إلى أن "هناك ضعفاً كبيراً في تقديم الخدمات اللازمة لهذه الفئة من المجتمع، فلا مراكز خاصة بهم، وتلك المتاحة حالياً لا تغطي إلا نسبة 25 في المائة منهم". ويؤكد أن أبرز التحديات التي يعاني منها هؤلاء الأشخاص "هو عدم إيمان المجتمع بقدراتهم، ما يتسبب في آثار نفسية ومادية، خاصة لمعيلي الأسر. والنساء من ذوي الإعاقات هن الأكثر معاناة بسبب الإحراج والتنمر".