في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، ارتدى الشاب الثلاثيني عمر عطية بدلة رسمية خلال زفافه، سبق أن لبسها صديقه المقرب يوسف، كما استعار أو استأجر أشقاؤه الأربعة بدلات للمناسبة ذاتها. وهذه العادة منتشرة في قطاع غزة منذ سنوات بسبب الأوضاع الاقتصادية وغلاء الملابس.
يمنح البعض البدلات هبةً لاستخدامها في مناسبات تنحصر في يوم واحد مثل الزفاف وغيرها، إذ لا يملك كثيرون ثمن شرائها رغم عرض بعض المحال التجارية بيع البدلة الواحدة بسعر 80 دولاراً، في حين أن سعرها قد يصل في محلات أخرى إلى 250 دولاراً. أما ما درج أخيراً فاستئجار أشخاص يقبلون على الزواج البدلات أو حصولهم عليها من صديق أو قريب.
يعمل عطية في متجر كبير وسط مدينة غزة، ويتقاضى راتباً محدوداً لأنه لا يملك أي بديل آخر بعدما تخرّج قبل 8 سنوات من كلية التربية في جامعة القدس المفتوحة، وقبل سنتين، خطب زميلته السابقة في الجامعة، ثم اهتم بجمع المال لبناء غرفة على السطح، وتسديد مبلغ المهر المتفق عليه لعروسه، وتكاليف العرس.
يقول لـ"العربي الجديد: "في البداية كنت خجلاً من فكرة أن استأجر بدلة خاصة ليوم الزفاف، لكنني وجدت أن كثيرين يفعلون ذلك، في وقت يجب أن أنفق الأموال التي أملكها على التزامات كثيرة أخرى تعتبر أكثر أهمية. ويمكن أن أجزم أن نصف من يقدمون على الزواج في غزة يستدينون أموالاً لإطلاق حياتهم الزوجية، وأنا أعارض شخصياً الناس الذين ينتقدون استدانة الشبان الأموال لإنجاز مراسم الزواج، لأن الشبان لا يريدون أن يجلسوا وينتظروا عيش مأساة أكبر من تلك التي يعيشونها، لذا لا بدّ من أن يحاولوا إيجاد أي وسيلة لتحقيق الفرحة. وهكذا حين فكرت بفرحة اليوم الواحد، استأجرت بدلة كي أعيش هذا اليوم بسعادة".
إلى ذلك، تفاعل كثير من أصدقاء مهيب العبد (32 عاماً) مع ما كتبه على وسائل التواصل الاجتماعي، وكشف فيه أنه استطاع تأمين تكاليف الفرح بكل الطرق الممكنة كي يُسعد والديه المقعدين، لكنه أراد أن يستعير بدلة الفرح والحذاء الرسمي لتجنب تحمل المزيد من الديون، ونشروا تعليقات تضمنت عرض بعضهم أن يرى مهيب بدلاتهم ويقيسها إذا كانت تناسبه، والاختيار بينها. وأعقبت ذلك مشاركة كثيرين ممن تفاعلوا مع منشوره في زفة العرس وسهرة الشباب التي سبقت يوم الزفاف.
ويقول مهيب لـ"العربي الجديد": "نشرت عباراتي لأنني شعرت بضيق من شدة الالتزامات والتكاليف التي يتحملها العريس في غزة. أعمل في معمل حجارة قرب مخيم النصيرات، وبفضل ما فعلت، ارتديت بدلة جميلة وعشت عرساً جميلاً، وأرى أنه ليس من العيب أن أطلب مساعدة الناس، علماً أن أمي رفضت في البداية أن أبوح للناس بما أريد، لكنني مقتنع في النهاية بأن تصرفي كان جلب نتائج جيدة ومناسبة لي، شملت أيضاً تعرّفي إلى بعض من علّقوا على منشوري في يوم العرس تحديداً".
وفيما يشهد بيع الملابس في غزة غلاءً كبيراً غير مسبوق هذا العام، يعتبر عدد من المقبلين على مناسبة العمر أنها تقتصر على يوم واحد فقط، فيمكن بالتالي أن يستعير شخص بدلة من أحد أصدقائه أو من محال تؤجر منذ سنوات بدلات الزفاف وتلك الرسمية للرجال والأطفال بقيمة 20 في المائة من سعرها الأصلي، كما يوضح إبراهيم السقا الذي يملك محلاً لبيع بدلات للرجال في سوق خان يونس.
ويتحدث السقا لـ"العربي الجديد" عن أن التراجع الملحوظ في مبيعات البدلات مقارنة بالسنوات السابقة، والذي يرتبط بأسباب اقتصادية، دفعه إلى افتتاح قسم لتأجير بدلات للمناسبات والأعراس وغيرها بقيمة حددها بـ30 في المائة من سعرها الأصلي. ويخبر أيضاً أنه يغسل ويكوي البدلات التي يسترجعها، كما يقدم خدمة تضييق أو توسيع السراويل لتتناسب مع الزبائن. ويشير إلى أن سكان غزة مهتمون بالفكرة التي تتناسب مع ظروفهم، وبينهم كثيرون في مخيم خان يونس غربي المدينة.
ويقول: "توفر محال لبيع الملابس بدلات للرجال والأطفال من أقارب العريس والعروس، ويجب أن أواكب احتياجات هؤلاء الناس بعدما انخفضت مبيعات متجري كثيراً بسبب الأوضاع الاقتصادية، كما لا يخفى تأثر الأعمال التجارية الخاصة بالمحال أيضاً بواقع تسديد متزوجين جدد كثيرين التزاماتهم المالية الخاصة بتكاليف الأفراح بعد فترة زمنية من إجراء مراسم الزفاف. وفي السابق، كنت أتلقى طلبات لبيع بدلات بالتقسيط، لكنني لم أستطع تلبيتها، ثم ارتأيت أن افتتح قسماً خاصاً بتأجير هذه البدلات".