- الهجمات الإسرائيلية المستمرة تهدف لتقسيم قطاع غزة وإحكام السيطرة عليه، مما أدى إلى نزوح السكان وتأكيد البعض على البقاء كرمز للصمود.
- الوضع الإنساني والصحي في المخيم يزداد سوءًا بسبب القصف المستمر، مع تحذيرات من كارثة إنسانية وضرورة الدعم الدولي لتجنب المزيد من الخسائر.
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ هجمات عسكرية على مخيّم النصيرات في قطاع غزّة والمناطق المحاذية له على مدار اليومين الماضيين، ما شكّل مفاجأة لسكّانه، بعد أن كان يشهد هدوءاً حذراً خلال الفترة التي ركز فيها الاحتلال عملياته العسكرية على مدينة خانيونس ومجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزّة.
ويعدّ النصيرات من أكبر مخيّمات وسط قطاع غزّة، وهو ثاني أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين استقبالاً للمهجّرين من المناطق الشمالية في القطاع بعد مخيم رفح جنوباً، ويفصله أقل من كيلومترين عن الطريق 749 والمنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال، بهدف فصل شمالي قطاع غزّة عن جنوبه.
وقد هاجم الاحتلال الإسرائيلي عدة مناطق في مخيّم النصيرات والأحياء المحاذية له، وتعمّد قصف وسط منطقة المخيّم الجديد وأهداف في منطقة مخيم 2 في النصيرات ومنطقة بلوك 1، وهي أكثر المناطق اكتظاظاً بالنازحين. وقال محمد أبو مراحيل، من سكّان المخيم، ل "العربي الجديد" إن الاحتلال باغتهم في الهجوم وتعمّد قصف الشوارع الرئيسية لشل الحركة. وأوضح أن "المخيم متهالك ويضم نازحين من المناطق الشمالية ومدينة خانيونس، والذين لم يجدوا مكاناً في مدينة رفح. ويتعمّد الاحتلال تعطيل الحركة بالكامل في أجزاء المخيّم الحيوية، وقد أغار على مناطق تضمّ نازحين، ما أدّى إلى استشهاد كثيرين ممن اعتقدوا أن المخيّم سيكون آمناً". وأضاف "الناس في المخيّم قلقون جداً، خصوصاً أنهم باتوا مقيّدين ولا مجال للنزوح والهرب. كما أن كثيرين لا يرغبون في النزوح خشية تدمير منازلهم واحتلال المخيّم بهدف تقسيم قطاع غزّة". وأفاد أبو مراحيل بأن المخيّم قبل العدوان الإسرائيلي كان ينعم بالهدوء، على الرغم من كل الظروف الصعبة التي يعيشها أهله. ويعتمد معظم أهله على المساعدات الغذائية التي تقدّمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومؤسّسات أخرى. وكان أول مخيم يستقبل نازحين من المناطق الشمالية للقطاع.
يرى أهالي المخيم أن الاحتلال يعمد إلى احتلال أجزاء كبيرة من المنطقة المحيطة بالمخيّم، خصوصاً أن القصف المتواصل يستهدف النقاط الأقرب من الطريق 749. كما تعمّد استهداف أبراج الصالحي، وهي المنطقة التي يستطيع سكّان الأبراج من خلالها رؤية الشارع الذي احتله الاحتلال الإسرائيلي لتستقر مركباته العسكرية.
ودمّر الاحتلال مباني وعمارات سكنية في منطقة المغراقة ومدينة الزهراء شمالي المحافظة الوسطى في قطاع غزّة على حدود المخيم، كما نفذ عمليات تجريف واسعة على حدوده على مدار يومين، وتحديداً خلف المدرسة الماليزية الحكومية في محيط جسر وادي غزّة شمال مخيّم النصيرات.
نزح أسامة الحفناوي من المنطقة القريبة من المدرسة الماليزية بسبب القصف المتواصل وشلّ الحركة في الشوارع المؤدية غرباً إلى شارع البحر وشمالاً إلى المدرسة. كما نزح من مخيّم النصيرات والمناطق الشمالية إلى مدينة دير البلح ومخيّمها عدد قليل، بالمقارنة مع الذين كانوا قد نزحوا في وقت سابق عندما كان الاحتلال يهاجم مناطق مختلفة من القطاع.
وقال الحفناوي لـ "العربي الجديد" إن أحياء المخيّم الشمالية شهدت قصفاً متواصلاً، ونزحت عائلات إلى مساكن الأقارب أو الأصدقاء في منطقة مخيم 2 في يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم عادت بعدما عمّ الهدوء. وأضاف "كنّا نترقّب ونتأمّل أن ينتهي العدوان، لكن الاحتلال يقصف بشدّة مستخدماً الطائرات المسيّرة". وأضاف "مخيّم النصيرات كبير. وفي حال قرّر الاحتلال الدخول إليه برياً سنعيش كارثة كبيرة. وجدت اليوم مكاناً أنزح إليه في دير البلح". يلفت إلى أنّ "عدداً كبيراً من المقيمين في المخيّم هم من النازحين. الاحتلال يقوم بتصفية المناطق الشمالية، وقد دمّر مباني كثيرة. من يرى حجم الدمار هناك سيقول إن الاحتلال يريد احتلال المنطقة بالكامل، وليس قصف أهداف عسكرية كما يدّعي".
ونزح أهالي عديدون من حي الشجاعية وحي الزيتون إلى المخيّم باعتباره الأقرب جغرافياً، بعدما نفّذ الاحتلال عمليات إبادة في الحيين. ويضم المخيّم نازحين من مخيّم البريج الذي أجبر أهله على النزوح جراء العملية العسكرية التي نفذها في فبراير/ شباط الماضي، ليدمّر منازل عديدة.
وقال الناشط الأهلي في المخيّم، أبو إسلام العبيد، ل "العربي الجديد" إنّ الاحتلال ارتكب مجازر عدة ونفذ إعدامات في شوارع رئيسية، ويخطّط للسيطرة على أطراف المخيّم، فيما الأهالي مصرّون على البقاء في منازلهم، تأكيداً على صمودهم وعدم إنجاح مخطّط توسيع المنطقة المحتلة وصولاً إلى المخيّم، والاحتلال يسعى إلى احتلال شاطئ بحر منطقة النصيرات. وأضاف العبيد إن "مخيّم النصيرات استقبل مهجّرين من مختلف المناطق. لكن الاحتلال عمد إلى إعدام عدة عائلات بمن فيهم عائلة أشقاء زوجتي، بينهم أطفال ونساء في منازلهم، ويرغب في الاستمرار وتوسيع القصف من أجل إخضاع سكان المخيّم وإجبارهم على النزوح. لكن إلى أين ينزح الناس؟ بتنا ننتظر موتنا في أيّ لحظة".
مركز صحّي
تفيد التقديرات بأن مخيّم النصيرات يضمّ حالياً أكثر من 250 ألف غزّي، أكثر من نصفهم من المهجّرين. ويشهد تدهوراً صحياً في ظل عدد النازحين الكبير. وتعمل فيه أربعة مراكز صحية تابعة لوكالة الغوث (أونروا) وأخرى حكومية، لكنها تواجه صعوبةً في تأمين الإمدادات الطبية في معظم الأيام.
وفرضت الظروف الصحية الطارئة تحويل المراكز الصحية القليلة إلى أقسام طوارئ، علماً أنها تعمل بنسبة 300% أكثر من قدرتها الاستيعابية. وقال الطبيب الجرّاح رشاد أبو العينين إن مركز العودة الصحّي في المخيّم تحوّل، في ظلّ الضغوط، إلى ما يشبه المستشفى.
ويضم مخيم النصيرات مستشفى العودة، وهو أقرب إلى مركز صحي، ويتبع جمعية العودة الصحّية والمجتمعية. ويعتبره سكان المخيّم مستشفى بسبب العمل الذي يقوم به. وينشط منذ بداية العدوان في استقبال الجرحى، ويعمل على مدار الساعة بخلاف ما كان عليه الحال قبل بدء العدوان.
وقال أبو العينين لـ "العربي الجديد": "يعيش المخيّم أزمة كبيرة جراء القصف، واستمراره يعني أزمة إنسانية صعبة. الطاقة الاستيعابية لاستقبال الجرحى لا تتجاوز المائة مصاب في اليوم الواحد، وما شاهدناه خلال اليومين الماضيين هو ضعف هذا الرقم. سيكون هناك إسناد من مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح باعتباره أقرب نقطة، لكننا نعيش قلقاً كبيراً خشية توسع الاستهداف الإسرائيلي".
وتبلغ مساحة مخيم النصيرات حوالي 9.8 كيلومترات مربعة. أما نسبة السكّان الأصليين لمنطقة النصيرات قبل 7 أكتوبر فكانت تبلغ حوالي 20%، فيما يشكل اللاجئون الغالبية العظمى من السكان بنسبة 80%. وكان العدد الإجمالي للسكان يبلغ حوالي 90 ألف نسمة. وتعد الكثافة السكانية في المخيّم مرتفعة وقد بلغت 6379 لاجئا في الكيلومتر المربع الواحد، ومتوسّط حجم الأسرة ثمانية أفراد، ومتوسّط عدد الأفراد في الغرفة أربعة، بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وتواصل القوات الإسرائيلية توغلها في أطراف مخيّم النصيرات وسط قطاع غزّة، وقصفت مروحيات جيش الاحتلال بشكل عنيف المناطق الشمالية للمخيّم. كما قصفت مدرسة في المخيّم الجديد، شمال المخيّم. وبدأت القوات الإسرائيلية عملية عسكرية في مناطق وسط القطاع المحاصر بينها محيط مخيّم النصيرات، وسط تكثيف لعمليات القصف الجوي والمدفعي وإطلاق القنابل الدخانية باتجاه منازل المواطنين شمال المخيّم والمخيم الجديد.
وأعلن جيش الاحتلال، الخميس الماضي، أن الفرقة 162 بدأت عملية عسكرية مباغتة وسط قطاع غزّة، في حين ذكرت إذاعة الجيش أن قواته بدأت عملية عسكرية في محيط مخيّم النصيرات، واستهلتها بسلسلة من الغارات الجوية في المنطقة.