استمع إلى الملخص
- قصة أماني عيسى تمثل مثالاً على الوضع المأساوي في غزة، حيث اضطرت لبيع مصوغاتها الذهبية بعد تدمير منزلها، مسلطة الضوء على الأثر النفسي والمادي للعدوان على السكان.
- النص يسرد أيضًا قصص عبد الله حمص، علا محمود، وهدى مشارفة الذين باعوا مقتنياتهم الثمينة كالسيارات والأجهزة الإلكترونية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، معبرين عن اليأس والإصرار في مواجهة الظروف القاسية.
يعاني المواطنون في قطاع غزة نقصاً حاداً في الموارد ومقومات الحياة، وشُح في البضائع والسلع، عدا عن ارتفاع أسعارها بشكل خيالي، ما دفع البعض إلى بيع ممتلكاتهم من أجل توفير لقمة العيش، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.
ولم تتمكن بعض العائلات في غزة من تحمّل النفقات المرتفعة للبقاء على قيد الحياة، في ظل عدم توافر أي دخل لهم خلال العدوان، فبدأوا البحث عن مقتنيات ثمينة لبيعها وتوفير مقومات الحياة.
تقول أماني عيسى (42 سنة) لـ "العربي الجديد" إنها لم تتوقع يوماً أن تبيع مصوغاتها التي جمعتها بعد سنوات طويلة من العمل والكد من أجل شراء قليل من الطعام. تركت عيسى بيتها في مخيم البريج بعد تدميره من قبل طيران الاحتلال إلى دير البلح، وتؤكد أنها لم تتردد في بيع الذهب من أجل إطعام أطفالها، وأنها أنفقت المال على توفير الطعام والمأوى لعائلتها.
تضيف: "قررت بيع الذهب حين نزحت إلى دير البلح بعد نفاد كل ما كنت أملكه من مال خلال أقل من شهرين على بدء العدوان. الأسعار جنونية في الأسواق، والتجار يحتكرون البضائع، ويجب أن نستمر في الحياة ومقاومة كابوس الحرب حتى لو بلقمة الطعام. كنت أدخر جزءاً من راتبي الشهري، وقد أنفقت ذلك كله، ثم بعت المجوهرات لتوفير الطعام. الحياة توقفت منذ بدء الحرب، والآمال والطموحات والأحلام ارتطمت بالواقع المختلط بالدم والدمار".
وتوضح عيسى: "كنت أجمع المجوهرات من أجل مستقبل أبنائي وأحلامهم التي أُبيدت في غزة، واليوم صرفنا كل ما نملك على الطعام والشراب. أملنا أن تنتهي الحرب ونعاود النهوض في الحياة. لست الوحيدة التي اضطرت إلى بيع مصوغاتها، فكثيرات في غزة بعن كل ما يملكن من أجل البقاء على قيد الحياة".
مع استمرار انعدام الدخل خلال الحرب على غزة، باع عبد الله حمص (47 سنة) من مخيم النصيرات، سيارته الخاصة التي كانت تُعتبَر مصدر دخل العائلة الوحيد. إذ كان يعمل سائقاً في أحد مكاتب سيارات الأجرة، لكن العمل توقف بسبب إغلاق المعابر وعدم دخول الوقود إلى القطاع، الأمر الذي عاد بالضرر على جميع السائقين.
يقول حمص: "بعد نفاد كل ما أملك من أموال، بدأت التفكير جدياً في بيع السيارة التي جمعت ثمنها خلال عملي لسنوات على سيارات الأجرة. لن أنتظر موت أبنائي جوعاً وقهراً في ظل الأسعار الخرافية للمواد الغذائية. اضطررت إلى بيع السيارة بسعر يقلّ عن ثمنها الحقيقي نتيجة الحرب وحاجتي الماسة إلى المال".
هجرت علا محمود (38 سنة) مع عائلتها من مدينة غزة إلى أحد مخيمات اللجوء في مدينة رفح، وهي تعيش في خيمة من النايلون لا تقي البرد الشديد، ما كان سبباً في مرض أبنائها مرات عدة مدينة رفح جنوباً، وتقول إنها باعت حاسوبها المحمول من أجل تأمين قوت أطفالها في ظل ظروف النزوح القاسية التي يعاني منها عدد كبير من المواطنين.
تضيف محمود التي كانت تعمل في التسويق على مواقع التواصل الاجتماعي: "كان الجهاز مصدر دخلي الوحيد في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي كان ولا يزال يعاني منها قطاع غزة بسبب استمرار الحصار ومعدلات البطالة العالية. ترددت في بيع حاسوبي كثيراً، خصوصاً أن التجار سيشترونه بسعر قليل، لكن الحاجة كانت أكبر. بعته بنحو 1500 شيكل (حوالى 400 دولار)، علماً أن سعره قبل الحرب كان قرابة 3500 شيكل أي ما يعادل ألف دولار. المبلغ الذي تسلّمته نفد بعد أيام بسبب غلاء الأسعار، وهذا حال الجميع مع استمرار الحرب".
بدورها، تقول هدى مشارفة (52 سنة) من مدينة رفح جنوبيّ القطاع، إنها عرضت بعض الأجهزة الكهربائية الخاصة بمنزلها للبيع من أجل الحصول على المال لتوفير الطعام والشراب لعائلتها. وتوضح أن الفكرة جاءت مع انقطاع التيار الكهربائي وعدم استفادتها من الأجهزة الأساسية في المنزل، ما اضطرها إلى عرض أجهزتها الكهربائية للبيع من خلال إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو كان ذلك بثمن زهيد.
تضيف مشارفة: "الأوضع شديدة الصعوبة، وقلة من يملكون تأمين قوت عائلاتهم. هدفي الأساسي والأهم في هذه الأيام العصيبة هو تأمين الطعام والشراب لأبنائي، وبعد الحرب يمكننا تعويض كل شيء. بعض العائلات لديها ألواح طاقة شمسية، فبادر أحدهم إلى شراء غسالتي الأوتوماتيكية التي تحتاج إلى الكهرباء وتستهلك المياه بكميات كبيرة. الكهرباء مقطوعة، والمياه غير متوفرة، والأحوال زادت سوءاً في ظل اشتداد الحرب".