يبدو أنّ أزمة نقص الأدوية التي تُثقل كاهل السوريين في مناطق النظام انتقلت إلى مناطق شمال غرب سورية، باعتبار أنّ معامل الأدوية في الداخل السوري هي المصدر الرئيسي لكثير من الأصناف والزمر الدوائية، الأمر الذي أربك المرضى المعتادين على أصناف أدوية محدّدة، وزاد عليهم الأعباء المادية جرّاء ارتفاع أسعار الأدوية والبدائل المستوردة.
وقال أبو محمد العوض (67 عاماً)، المقيم في إدلب، لـ"العربي الجديد": "منذ عدّة أسابيع، أصبح إيجاد دواءي الضغط والسكري اللذين أتناولهما منذ نحو 10 سنوات أمرا صعبا للغاية، وإن وجدت فيتم بيعها بأسعار مرتفعة جداً. والمشكلة أنني يجب أن أتناول أدويتي بشكل مستمر ومن دون انقطاع".
وأضاف أبو محمد العوض: "عندما ذهبت للصيدلي أعطاني بدائل، لكنها لم ترحني كما كانت تفعل أدويتي السابقة، كما أنّ أسعار الدواء المستورد مرتفعة أيضاً".
من جانبها، قالت خولة حمود (34 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، لـ"العربي الجديد": "هذه الأيام هي موسم الأمراض، ويعاني الأطفال خاصة من التهابات وزكام. قبل أيام كتب لي الطبيب وصفة طبية بها مضادات حيوية، لم أجدها في أي صيدلية في منطقتنا، واضطر الطبيب لتبديل الوصفة أكثر من مرة، ونهايةً اشتريت البديل الأجنبي بالواسطة، وبسعر مرتفع جدا".
مقيم في إدلب: منذ عدّة أسابيع، أصبح إيجاد دواء الضغط والسكري اللذين أتناولهما منذ نحو 10 سنوات أمرا صعبا للغاية، وإن وجدوا فيتم بيعهم بأسعار مرتفعة جداً
وتابعت: "أن يمرض طفلك ولا تجد له دواء أمر صعب جداً، والأصعب عندما يكون البديل المتاح يُباع بأسعار مرتفعة جداً. فإذا مرض لدي طفلان مثلاً، لن أستطيع شراء الدواء لكليهما".
من جانبه، علّق الدكتور عبد الكريم ياسين، وهو أخصائي أطفال، على أزمة نقص الأدوية قائلاً لـ"العربي الجديد": "نقص الأدوية يسبّب إرباكا وإحراجا مع الأهالي، فمركزنا لا تتوفر به الأدوية حالياً، وعندما نكتب وصفة طبية للطفل قد يجد الأهالي في الصيدليات دواء واحدا من اللائحة، أو حتى قد لا يجدون أيا منها، وهذا محرج لنا، خاصة أنّ المريض طفل ليس لديه قدرة كبيرة على التحمل".
من جهته، قال الصيدلاني مصطفى معدل، وهو صاحب صيدلية في إدلب، لـ"العربي الجديد": "هناك نقص في الكثير من الأصناف التجارية السورية، خاصة أنّ أكثر من 70% من الأدوية في المنطقة مصدرها معامل الأدوية في مناطق النظام. واليوم هناك أزمة في نقل الأدوية من مناطق النظام إلى مناطقنا، بالإضافة إلى أنّ هناك معامل أدوية توقّفت عن العمل".
وأضاف أنّ "البدائل المتاحة لا تقلّ جودة عن الأدوية المعتادة، وهي سورية، ولدينا رقابة دوائية تابعة لمديرية الصحة تتابع الجودة لجميع أنواع الأدوية". ولفت إلى أنه "رغم وجود بديل علمي، إلاّ أنّ هذا ما زال يسبّب إرباكاً للمريض لاعتياده على أصناف محدّدة، وهنا يلعب العامل النفسي دوراً مهماً في مدى شعور المريض بالتحسّن مع الدواء الجديد".
وأضاف معدل "هناك فرق كبير بالأسعار بين الدواء المحلّي والدواء المستورد، إذ يفوق سعر هذا الأخير سعر نظيره المحلي بثلاثة أضعاف على أقل تقدير، كما أنّ أسعار الأدوية التركية ارتفعت بنسبة 60% على الأقل، بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية، بينما الأدوية المرتبطة بسعر الدولار فيرتفع سعرها بشكل يومي بحسب سعر الصرف، وهذه مشكلة أخرى يعاني منها الأهالي جرّاء الوضع الاقتصادي المتردّي".
صيدلاني: هناك فرق بالأسعار بين الدواء المحلّي والمستورد، إذ يفوق سعر الأخير سعر نظيره المحلي بثلاثة أضعاف على أقل تقدير، كما أنّ أسعار الأدوية التركية ارتفعت بنسبة 60% على الأقل
بدوره، قال نائب رئيس دائرة الرعاية الأولية في "مديرية صحة إدلب الحرة" دريد الرحمون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعاناة كانت ولا زالت مستمرة. فهناك أدوية نوعية لا يقدر المورّدون في المناطق على تحمّل خسائرها إذا انتهت صلاحيتها ولم تصرّف. وهناك أدوية لا تسلّم إلاّ للحكومات، مثل الأدوية الهرمونية وأدوية أمراض السرطان، إذ تحوي مواد مشعة، كما أنه ليس لدينا معامل لديها قدرة على تغطية حاجة نحو 4 ملايين نسمة".
وأضاف الرحمون: "المرضى يعانون كثيراً للحصول على الدواء جرّاء الأوضاع الاقتصادية المتردية، وخاصة مرضى السرطان، فمنهم من ينتظر أشهراً لكي يتمكن من الذهاب إلى تركيا وتلقي العلاج، كما أن هناك مرضى لا يجدون الأدوية التي يصفها الطبيب".
ولفت إلى أنّ "دعم المنظّمات للأدوية هو بالحدود الدنيا، وأهم أنواع الأدوية المرتبطة بالأمراض المزمنة لا يتم دعمها".
بدوره، رأى نقيب الصيادلة في ريف حلب الغربي، تيسير أبو عادل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحل يأتي عبر تسهيل عبور الأدوية على المعابر، وتشجيع الصناعة المحلية كونه لدينا معمل واحد فقط للأدوية في المنطقة المحرّرة، كما تشجيع إنشاء معامل أدوية أخرى في مناطقنا".