تثير حادثة وفاة الشاب أمير اللداوي، من مخيم عقبة جبر جنوب أريحا شرقي الضفة الغربية، متأثراً بجراحه عقب انقلاب سيارته خلال ملاحقة عناصر من جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني له ولأصدقائه، خلال مشاركتهم في استقبال الأسير المحرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي القيادي في "حماس"، شاكر عمارة، الأسبوع الماضي، ردود أفعال غاضبة، وتنديداً فصائلياً وشعبياً وحقوقياً واسعاً، وسط مطالبات بفتح تحقيق جدي وإدانة المتورطين بالتسبب في مقتله.
حادثة وفاة أمير تأتي في ظل ملاحقات تنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمواكب استقبال الأسرى المحررين، خاصة المحسوبين على حركة "حماس"، والاعتداء على المشاركين فيها، ومصادرة الرايات الخضراء.
وسبق أن أطلق الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع داخل القاعة التي جرى فيها استقبال أسير محرر أمضى 19 عاماً في سجون الاحتلال في مدينة طولكرم قبل نحو أسبوعين.
ووفق رواية والد الشاب أمير، عيسى اللداوي، في حديث لـ"العربي الجديد": "فقد لاحقت دورية من جهاز الأمن الوقائي سيارة نجلي أمير، وكان معه ثلاثة شبان آخرين بعد مشاركتهم في استقبال المحرر عمارة، بعد أن كانوا قد أوقفوهم واعتدوا عليهم بالضرب، فهربوا منهم، ولحقت بهم مركبة الأمن، واصطدمت بهم من الخلف، فانقلبت سيارة ابني".
وأشار والد أمير إلى أنه وطيلة الفترة الماضية، لم يتواصل معه أحد ليوضح له ما جرى، أو على الأقل ليطمئن على حالته.
الملاحقة لم تقف عند هذا الحد، وفق العائلة، فقد نقلت عن شهود عيان أن عناصر الأمن الوقائي أعاقوا إسعاف نجلها، وأنزلوه من سيارة الإسعاف، لاعتقادهم أنه ميت.
فيما صرحت والدة أمير، السيدة حنان الكيلاني، لراديو "علم" المحلي، أن الأمن الوقائي قام بإعاقة سيارة الإسعاف، وبعد أن تمكن الناس من وضعه في سيارة الإسعاف، أمرهم الأمن الوقائي بإنزاله من السيارة إلى الأرض، وأن يتم وضع مصابين آخرين لم تكن إصابتهم خطرة بمكانه في سيارة الإسعاف.
وقالت الوالدة: "الأمن الوقائي منع إسعاف أمير، وقال للناس: (هذا ميت نزلوه على الأرض، حالته وفاة)"، مؤكدة أن الأمن الفلسطيني صادر تسجيلات كاميرات المراقبة الموجودة في المكان.
من جانبه، قال الأب: "ابني لا علاقة له بالسياسة، لم يكن يحمل راية أي فصيل، لكنه كغيره من شبان المخيم يشارك في كل الحفلات التي تنظم لاستقبال أي أسير مهما كان تنظيمه السياسي، ابني كان يقود سيارة قانونية ومرخصة، لكنها تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية".
وحول مطلب العائلة، يقول الأب: "نريد تحقيقاً جدياً ومهنياً ومستقلاً، لمعرفة ما الذي جرى؟ ومعاقبة المسؤولين عنه. هل يعقل أن نفقد ابني وهو في ريعان شبابه لمجرد أنه شارك في حفل استقبال أسير من "حماس"! يجب أن يأخذ القانون مجراه".
وتابع الأب: "سنوكل محامياً من طرفنا لمتابعة القضية قضائياً، ولكن من غير الوارد حالياً الحديث عن حلول عشائرية، نريد فقط حقنا وحق الشبان المصابين، ونريد ضمان عدم تكرار ما جرى مع غيرنا".
أما الأسير المحرر عمارة فيوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العادة في مخيم عقبة جبر هي تنظيم استقبال لكل أسير بغض النظر عن انتمائه بالشكل اللائق، وهو ما جرى معي شخصيًا"، مع تأكيده أن "من حق أي جهة رفع الرايات والأعلام الخاصة بها"، مشيرًا إلى أنه لم يتم رفع الرايات، باستثناء بعض الشبان الصغار.
يقول عمارة: "كان على الأمن أن يتخذ خطوة للوراء عندما شاهد المئات يشاركون في موكب الاستقبال، وأن يعطيهم الحرية، لأنهم لم يضروا أحدًا، ولو سارت الأمور بهدوء لانتهى الحدث بعد ربع ساعة فقط، وذهب الكل إلى بيوتهم".
يشدد عمارة على أن ما جرى خطير، ويجب محاسبة المتسببين بوفاة الشاب أمير اللداوي، وإصابة من كانوا معه في السيارة، فيما يؤكد عمارة، على أن "لجنة التحقيق بما جرى مطلب عادل، عليها أن تصل إلى الحقائق كاملة، وتستمع لكل الروايات والشهود، وصولاً لمحاسبة من ارتكب أي خطأ".
بدوره، يؤكد المفوض السياسي العام والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية، طلال دويكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، عدم دقة ما ينشر عن ملاحقة الأمن لسيارة الشاب اللداوي. وقال: "لقد كان هناك نشاطٌ للأمن الفلسطيني مرتبط بمنع الاعتداءات على الأراضي الحكومية، وملاحقة الشبان الذين كانوا يرشقون الحجارة على عناصر الأمن، وبالصدفة مر موكب الأسير المحرر، وكانت بعض السيارات المشاركة في الموكب غير قانونية، ومنها سيارة الشاب أمير، وعندما شاهدوا الأمن فروا من المكان، فاصطدمت سيارتهم بصخرة كانت في طريق فرعي، علماً أنه لم يلاحقهم أحد من الأمن".
ويتابع دويكات: "ما جرى حادث سير ذاتي، ولم يكن ذا صلة بموكب استقبال الأسير، ولدينا فيديوهات توثّق ما حصل، ولن أتردد في قول الحقيقة، ولو كانت في غير صالحنا، فنحن لا نجامل أحداً على حساب دماء أبناء شعبنا".
وفي تصريح صحفي له، نفى محافظ أريحا والأغوار، جهاد أبو العسل، تورط الأجهزة الأمنية بحادثة وفاة الشاب أمير اللداوي، مؤكداً "عدم وجود رابط بين الوجود الأمني المكثف والإفراج عن الأسير، فقد تزامن الإفراج مع نشاط أمني ضد أعمال شغب، مرتبطة بتعدي البعض على أراض حكومية في منطقة قريبة، كما أن السيارة التي يستقلها الشاب لم تكن قانونية".
في حين، طالب مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، عمار الدويك، في تصريح صحافي، وزير الداخلية (المنصب يشغله رئيس الوزراء محمد اشتية) بفتح تحقيق في ظروف وفاة الشاب اللداوي، التي حصلت بسبب مضاعفات حادث السير الذي حدث معه خلال المطاردة.
وأضاف الدويك: "واضح أن الوفاة حدثت بظروف لها علاقة بمطاردة مركبة من الأمن الوقائي، وهذا يستدعي تشكيل لجنة تحقيق رسمية بملابسات هذه الحادثة، وإعلان نتائج التحقيق بشكل واضح وشفاف للمواطنين، لتحقيق المساءلة والمحاسبة".