أفارقة الجزائر... عمال جدّيون رغم العوائق القانونية

21 ابريل 2022
تشجع الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان على استيعاب المهاجرين في سوق العمل (العربي الجديد)
+ الخط -

يستوعب سوق العمل في ورش وحقول زراعية في الجزائر آلاف المهاجرين الأفارقة الذين يعوضون رفض الشبان الجزائريين العمل في هذه القطاعات، ويتميزون بالجدية في أداء المهمات الصعبة والشاقة الموكلة إليهم، رغم أنهم يخضعون لمجموعة كبيرة من العوائق القانونية التي تجعلهم يعملون بلا تأمين صحي أو عقود تضمن حقوقهم.

في منطقة متيجة بمحافظة تيبازة (شمال)، يستهل الشاب من النيجر محمد كامارا وهو في عقد الثلاثينات قدم قبل سنتين إلى الجزائر بعدما نفذ رحلة شاقة في الصحراء الإفريقية برفقة 15 شاباً من أبناء بلدته نفسها في النيجر، عند الساعة السادسة صباحاً يوم عمله في مزرعة كبيرة متخصصة في إنتاج البطاطا، ويقول لـ"العربي الجديد": "عملت في الفترة الأولى لانتقالي إلى شمال الجزائر في ورشة بناء بمحافظة البليدة القريبة من الجزائر العاصمة، وبقيت في هذا العمل سنة كاملة تقاضيت فيها أجراً أسبوعياً لا يتجاوز 120 دولاراً (أجر جيد مقارنة بمعدل الأجور في الجزائر). وكانت مهمات عملي شاقة جداً، وتعرضت فيها لإصابات عدة، ونجوت مرات من السقوط والموت، وهذه إحدى مشاكل هذا العمل". يضيف: "توجهت بعد ذلك إلى محافظة تيبازة حيث عملت في الزراعة التي تمتهنها عائلتي، فلم أجد أي صعوبة في القيام بمهماتي، وتوفرت لي ظروف إقامة وعمل أفضل من السابق".

أوضاع أفضل
في ورشة بناء كبيرة قرب جامعة العفرون بمحافظة البليدة، يعمل الشابان من مالي، مامادو ساكو وسريدي كابينا، لحساب مقاول منذ أكثر من ستة أشهر، ويريدان تسوية وضعيهما للعمل بطريقة قانونية في الجزائر. ويقول مامادو لـ"العربي الجديد": "نعمل 10 ساعات يومياً، وقد تتضاعف هذه الساعات أحياناً من أجل تسريع إنجاز مشاريع في الأوقات المحددة، لكننا لا نتلقى فعلياً المردود المادي المناسب والذي نستحقه عن هذا العمل لأننا لا نملك تصاريح عمل أو عقوداً تضمن لنا حقوقنا. لكن وضعنا أفضل عموماً حالياً، خصوصاً أن مقاولين كثرّ يريدون أن نعمل في ورشهم، لأننا نطلب أجوراً أقل من العمال الجزائريين".
 ولا يخفي بعض العمال الأفارقة تلقيهم معاملة جيدة من مستخدميهم، مثل عمر بندارا الذي يعمل في محل لبيع مواد استهلاكية بالجملة في منطقة وادي السمار بالعاصمة الجزائرية. ويتحدر عمر من دولة بنين، وقدم إلى الجزائر قبل ثلاث سنوات، وسبق أن عمل في ورشة لغسل السيارات وتعلم العربية بسرعة ما سهّل تواصله مع الزبائن. وهو يتولى حالياً مهمات تحميل بضائع في شاحنات وسيارات الزبائن الذين يقصدون المحل من كل حدب وصوب. وعند انتهاء ساعات عمله، يمكث عمر في المستودع، حيث خصص صاحب المحل مكاناً خاصاً له، ما يجعله يشيد بأسلوب معاملته.

الصورة
يبحثون عن عمل في أي مكان (العربي الجديد)
يبحثون عن عمل في أي مكان (العربي الجديد)

أجور أقل ومردود أكبر
وقد يضطر أرباب العمل ومالكو المزارع في الجزائر الى الاستعانة بعمال أفارقة لتنفيذ أعمال يدوية شاقة في ورش بناء ومزارع ينفر الشبان الجزائريون منها تمهيداً لممارسة مهن مريحة. ويؤكد الحاج بو طاقة، وهو من أكبر منتجي البطاطا والجزر في منطقة المتيجة لـ"العربي الجديد": "اضطررت الى توظيف اللاجئين الأفارقة بعدما رفض شبان في المنطقة العمل في جمع البطاطا وشحنها إلى غرف التبريد. وقد حاولت في البداية استقطاب يد عاملة من الولايات الداخلية، لكنهم طالبوني بمبالغ مادية كبيرة وتوفير مساكن لهم، ولم يعمل بعضهم إلا فترات قصيرة، فقررت الاستعانة بأفارقة لسد العجز، ودفعت لهم مبالغ مالية أقل حصلت عبرها على مردود أكبر".
في السياق، يتحدث لخميسي منصوري الذي يملك مؤسسة متخصصة في أعمال الكهرباء والغاز، وهو عضو في الاتحاد الجزائري لأرباب العمل لـ"العربي الجديد": "بات توظيف أفارقة ضرورة حتمية في بعض القطاعات نظراً إلى النقص الكبير في اليد العاملة، واستعداد هؤلاء للعمل ساعات إضافية، ما يسهّل تسليمنا مشاريع مستعجلة بلا تأخير في الوقت المحدد". وهو اعترف بتوظيف شبان أفارقة من دون عقود عمل وتأمين "فهذا لن يحصل في الجزائر إلا إذا امتلك العامل تصريح عمل خاص. ومعظم المؤسسات الخاصة توظّف الأفارقة بهذه الطريقة، لكنها تبلغ الأجهزة الأمنية بالأمر في سبيل تجنب أي ملاحقات قضائية إذا تبين كون اللاجئ مشبوهاً أو ملاحقاً في قضايا إجرامية".

الصورة
يظهر المهاجرون الأفارقة جدية في العمل (العربي الجديد)
يظهر المهاجرون الأفارقة جدية في العمل (العربي الجديد)

محاولات لسد الثغرات
والعام الماضي، أكدت تقارير أصدرها جهاز الدرك الوطني وجود 10 آلاف مهاجر سرّي في الجزائر، فيما تشجع الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان على استيعاب المهاجرين الأفارقة في سوق العمل باعتباره الخيار الأفضل لدمجهم في البلاد. ويتحدث القيادي في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان سعيد صالحي لـ"العربي الجديد" عن أن "توظيف المهاجرين الأفارقة أمر حيوي في قطاعات عدة. ونحن كرابطة حقوقية نشجع هذا الأمر حالياً لأنه أفضل وسيلة لدمجهم وضمان كرامتهم، لكن الإشكالات تستمر بسبب غياب الإطار القانوني لحماية المهاجرين واللاجئين من الاستغلال والمعاملة السيئة التي تهين كرامتهم. ونحن نناضل منذ سنوات لسد الثغرات الناتجة من افتقاد الإطار القانوني للجوء والهجرة التي تتوافق مع الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، ونطالب بإنشاء هيئة وطنية خاصة بملف المهاجرين، وهو أجراء مطبق في معظم الدول".

وعموماً، يعاقب القانون الجزائري كل من يوظف عاملاً أجنبياً من دون الحصول على تصريح خاص ومنحه تأمينات تحفظ له حقوقه. ويؤكد المحامي المتخصص في قضايا وقانون العمل ينسيم فلوح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "القانون الجزائري يتضمن فرض عقوبات صارمة ضد كل من يوظف أجانب من دون رخص قانونية. وتلزم بنوده كل هيئة عمل تشغّل عمالاً أجانب تقديم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من كل سنة قائمة بأسماء مستخدميها الأجانب، وتعاقب كل من يثبت تورطه في مخالفات بدفع غرامة مالية تصل إلى 150 دولاراً.

المساهمون