أطفال غزة من مقاعد الدراسة إلى الأعمال اليومية الشاقة

07 نوفمبر 2024
أعمال يومية يتكبدها الأطفال في غزة (إياد البابا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير العدوان على حياة الأطفال: منذ بدء العدوان الإسرائيلي، تغيرت حياة أطفال غزة جذريًا، حيث أجبروا على التخلي عن التعليم والأنشطة الترفيهية والانخراط في أعباء يومية لتأمين المياه والطعام، مع معاناة من انعدام الأمن الغذائي والمعيشي والصحي.

- التحديات التعليمية والنزوح: يواجه القطاع التعليمي تحديات كبيرة بسبب استهداف المدارس، مما أدى إلى توقف التعليم واستبداله بأنشطة إغاثية لإيواء النازحين، حيث يساهم الأطفال في أعباء الحياة اليومية لأسرهم.

- التأثيرات النفسية والاجتماعية: يعاني الأطفال وأسرهم من ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة، مما يؤثر على التركيز والتحصيل العلمي، حيث يشارك الأطفال في مهام مثل تعبئة المياه وصناعة الخبز لتلبية الاحتياجات الأساسية.

تغيّرت حياة أطفال قطاع غزة رأساً على عقب منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وأجبر كثير من الأطفال على الانخراط في أعباء يومية لتأمين المياه والطعام وسط انعدام مقومات الحياة الأساسية.

تسبّب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة في تغيير روتين الأطفال الفلسطينيين، وبدلاً من التعليم والترفيه عن أنفسهم، يصطفون في طوابير طويلة للحصول على الماء أو الطعام بشكل شبه يومي. 
وأصاب العدوان مختلف النواحي الحياتية بشلل تام، جراء الاستهداف المباشر للمدنيين والمناطق السكنية، إلى جانب استهداف مصادر الرزق من منشآت تجارية وصناعية وزراعية وسياحية وترفيهية، علاوة على استهداف المساجد والمستشفيات ومراكز تقديم الخدمات للمواطنين. 
ويواجه القطاع التعليمي تحديات مزدوجة منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر شهراً، من خلال الاستهداف المباشر للمدارس والجامعات بالقصف والتدمير والتجريف، أو من خلال تهجير المواطنين قسراً وإجبارهم على النزوح داخل مراكز الإيواء والمدارس التي توقفت عن تقديم خدماتها التعليمية بشكل تام، واستبدلتها بأنشطة إغاثية لإيواء مئات آلاف النازحين الفارين من نيران الحرب. 
ويشكل الأطفال والنساء 72% من ضحايا العدوان المتواصل وفق التقديرات الرسمية، وهم الفئة الأكثر تضرراً من الحرب، بدءاً باختفاء الأمن المعيشي والغذائي والصحي، وصولاً إلى التأثيرات السلبية التي أدت إلى تعطل مختلف الأنشطة الخدماتية والتعليمية والتثقيفية، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأوضاع الميدانية سوءاً يوماً تلو الآخر.

يستعين الأهل بأطفالهم المتعطلين عن الدراسة قسراً لمساعدتهم

اجتمعت أسباب أدت بمجملها إلى تغيير صباحات الأطفال؛ فبدلاً من لبس الزي الرسمي للمدارس الحكومية أو رياض الأطفال، وحمل الحقائب المدرسية والقرطاسية، يحمل الأطفال الأواني البلاستيكية المخصصة لتعبئة مياه الاستخدام اليومي أو مياه الشرب، ويقفون في طوابير طويلة للحصول على الطعام من التكايا المجانية. 
يستعين الأهل بأطفالهم المتعطلين عن الدراسة قسراً لمساعدتهم في أعباء حياة النزوح اليومية، إذ يتولى رب الأسرة توزيع أنشطة تعبئة المياه، وإحضار الطعام، وصناعة الخبز، وشحن أجهزة الهواتف النقالة وبطاريات الشحن، إلى جانب مهام التنظيف والعناية اليومية. 
يقول الفلسطيني أحمد أبو الخير، وهو نازح من مدينة غزة يقيم في مدينة دير البلح، وسط القطاع، إنه كان سعيداً لرؤية طفله بكر (ست سنوات)، حين ارتدى زي الصف الأول ابتدائي بعد اجتياز فحوصات القبول وتفوقه في الأسابيع الأولى للفصل الدراسي الأول عام 2023، والتي انتهت سريعاً جراء انطلاق شرارة الحرب، وتسببت في تعطيل نواحي الحياة كافة. 

ويوضح أبو الخير لـ"العربي الجديد"، أن النزوح المتكرر جراء التهديدات الإسرائيلية أجبر الجميع على عدم التفكير سوى في طرق النجاة، والتوقف عن التفكير في تفاصيل الحياة اليومية الآمنة والهانئة، وتعليم الأطفال ومستقبلهم، والاكتفاء بالسعي لتوفير المتطلبات التي من شأنها سد رمق أفراد الأسرة. ويبين أن تزايد الأزمات وتفاقمها دفعه وغيره من أرباب الأسر إلى توزيع الأدوار وفقاً للقدرة البدنية، حيث يقوم هو وإخوته بنقل المياه في أوعية بلاستيكية، فيما يقوم ابنه بشحن الهواتف داخل نقطة شحن في مقابل مادي، أو في نقطة شحن مجانية يتم وصلها بعض الوقت، بينما تحمل ابنته وفاء (تسع سنوات)، صحناً بلاستيكياً للحصول على الطعام المجاني الذي تقوم إحدى التكايا بتوفيره ثلاثة أيام في الأسبوع. 

يتولون تعبئة المياه وحملها (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
يتولون تعبئة المياه وحملها (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

وتوضح الفلسطينية أسمهان شنينو أن العدوان الإسرائيلي لم يكتف بقتل البشر وأحلامهم وطموحاتهم وآمالهم وتدمير البيوت والأسواق وإغلاق المعابر والتسبب بمجاعة تفتك بالكبار والصغار، إنما يسعى على مدار الوقت إلى فرض سياسة التجهيل عبر تدمير المدارس، وتهجير الفلسطينيين قسراً نحو المدارس المتبقية. وتتحدث شنينو، وهي أم لثلاثة أطفال، لـ"العربي الجديد"، عن مدى خطورة توقف العملية التعليمية، وتحديداً بالنسبة للأطفال في المراحل التأسيسية التي تشكل النواة الأساسية لقدرتهم على توسيع مداركهم وتحصيلهم العلمي، وتبين أن ذلك التوقف يخلق شرخاً كبيراً بينهم وبين مسيرة العلم الطبيعية ومراحلها الروتينية التي يتم تقديمها للأطفال تدريجياً وفق مناهج متسلسلة. 
وتشير شنينو إلى أن طفلها مجد (12 سنة)، بات يساعد والده في صناعة الخبز وبيعه أمام الخيمة لتوفير مصدر دخل يعينهم على قضاء حوائجهم، بينما تساعدها شقيقته نغم (عشر سنوات)، في تنظيف زوايا الخيمة، فيما يتم إسناد مهمة تعبئة المياه من عربات التوزيع المجاني والحصول على طعام التكية إلى طفلها الأصغر محمد (تسع سنوات). 
وتشعر الفلسطينية سعاد أهل بغصة كبيرة بفعل تعطل ابنيها شاكر (14 سنة)، وأحمد (عشرة سنوات)، عن الدراسة، على الرغم من تفوقهما الدراسي، وتقول: "لحظة بدء الحرب، كانا يستعدان للذهاب إلى المدرسة برفقة أبناء الجيران، لكننا لم ندعهما يخرجان نظراً لخطورة الأوضاع، ومن يومها لم يعودا إلى المدرسة بفعل طول أمد الحرب واشتداد خطورة الأوضاع الميدانية"، وتتحدث لـ"العربي الجديد" عن محاولتها وزوجها مواصلة تعليم طفليها بطرق بدائية أو من خلال دمجهما في بعض الأنشطة التعليمية التي يتم تنظيمها بمبادرات شبابية، إلا أن تزايد الأعباء اليومية نظراً للنقص الشديد في مختلف المتطلبات الضرورية، وفي مقدمتها الماء والغذاء، دفع الأب إلى توزيع الأعباء اليومية لتوفير متطلبات تجهيز الطعام والماء المخصص للشرب والتنظيف والغسيل وباقي الأنشطة اليومية. 

يقفون في طوابير يومية للحصول على الطعام (حسين جدي/ الأناضول)
يقفون في طوابير يومية للحصول على الطعام (حسين جدي/الأناضول)

وتبين أن الأوضاع النفسية السيئة التي يعاني منها الجميع بمن فيهم الأطفال، جراء تواصل العدوان الإسرائيلي، تسببت في عدم تركيز طفليها في الحصص الاستدراكية، وعدم قدرتهما على التحصيل العلمي الطبيعي، الأمر الذي دفعها وباقي الأهالي إلى انتظار انتهاء الحرب من أجل تمكين الأطفال من العودة إلى ممارسة الحياة الروتينية الطبيعية. وتتحدث عن مدى قساوة الواقع الحالي على الفلسطينيين الذين يجبرون على كل شيء، بدءاً من إجبارهم على ترك بيوتهم بكل ذكرياتها وتفاصيلها، والنزوح قسراً، والعيش في أماكن تفتقر إلى كل مقومات الحياة، بالإضافة إلى الحرمان من كل شيء والخوف من كل شيء، في الوقت الذي تعطلت فيه مختلف أنشطتهم وفي مقدمتها الأنشطة التعليمية. 
وفي السياق نفسه، يوضح الفلسطيني أدهم صيام، من مدينة غزة، والذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، أنه لم يعد يستطيع القيام بمختلف الأعباء اليومية وحده، في ظل تفاقم سوء الأوضاع المعيشية، والانقطاع الدائم في المياه، وصعوبة توفير الخبز ومختلف المتطلبات الأساسية. ويبين صيام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه بات يرافق ابنه البكر لشراء وبيع المعلبات والبقوليات وبعض المواد الغذائية بغرض توفير دخل بسيط للأسرة بعد فقدان مصدر الدخل المادي الوحيد، وإسناد مهمة توفير مياه الشرب والاستخدام اليومي لأولاده الصغار خالد، وخليل، وحمزة، الذين تراوح أعمارهم ما بين ثمانية أعوام و15 سنة، ويوضح أنه على الرغم من تعب أطفاله اليومي، إلا أنهم مجبرون على ذلك بفعل انعدام الخيارات. 

ويلفت صيام إلى أن الأوضاع المأساوية التي تسبب فيها تواصل العدوان الإسرائيلي استبدلت وقوف الأطفال في طابور المدرسة الصباحي الذي يسبق الحصص الدراسية، بالوقوف في الطوابير الطويلة للحصول على المياه والغذاء وأحياناً الدواء والمساعدات الإنسانية، في ظل الأوضاع الميدانية الخطيرة، أو التقلبات المناخية القاسية. ويقف الأطفال أحياناً تحت أشعة الشمس اللاهبة وفي مواجهة الأمطار والبرد الشديد في أحيان أخرى. 
ويجبر آلاف الأطفال على الاصطفاف في الطوابير الطويلة للحصول على الخدمات الأساسية، سواء الخدمات المجانية التي يتم فيها تقديم طعام التكايا أو مياه الشرب والاستخدام اليومي، أو طوابير الخدمات المدفوعة كطوابير الحصول على الخبز أو أصناف بعض السلع المفقودة والشحيحة، بدلاً من الجلوس على مقاعد الدراسة المتعطلة بفعل الحرب، في محاولة لمساعدة ذويهم للتغلب على التأثيرات الكارثية للحرب المتواصلة. 
وتبدلت الملامح العامة لشوارع القطاع بفعل التدمير الذي طاول مرافقها، إلى جانب تغيير الأطفال روتينهم اليومي، فبدلاً من طقوس ارتداء الصبية للقمصان الزرقاء والفتيات للمراييل الخضراء أو المخططة باللونين الأبيض والكحلي، يسير الأطفال في الشوارع بملابس وأحذية بالية جراء إغلاق المعابر ومنع دخولها أو تضاعف أسعارها، للوصول إلى أماكان توزيع المياه أو الطعام المجاني.