أطفال غزة في مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي

15 مايو 2021
الفزع مكتوب على صغار القطاع (محمد الحجار)
+ الخط -

 

يبدو صغار غزة من بين أكثر الأطفال بؤساً في العالم. هم يدفعون ضريبة انتمائهم إلى فلسطين ثمّ إلى هذه البقعة المحاصرة، فيختبرون بالتالي الظلم والحرمان فيما تستهدفهم نيران المحتلّ الإسرائيلي.

في خلال أيام قليلة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تحوّلت كل مناطق القطاع إلى مناطق حمراء، فلم يسلم الغزيون من الحديد والنار، لا سيّما الأطفال الذين دخلوا في دائرة الاستهداف. يأتي ذلك في حين يدّعي الاحتلال أنّه لا يستهدف إلا مواقع عسكرية تابعة لحركة حماس، مطالباً سكان غزة بالبقاء بعيدين عن تلك المواقع. ويروّج الاحتلال لروايته بطرق مختلفة، منها نشر وبثّ إعلانات مموّلة عبر صفحات إلكترونية إسرائيلية تستهدف الجمهور العربي في داخل فلسطين وخارجها.

وأولى المجازر الإسرائيلية ارتُكبت في حقّ عائلة المصري، فسقط خمسة من أفرادها، منهم ثلاثة أطفال، قبل أن يحصد القصف مزيداً من أرواح الأطفال ويخلّف جرحى من بينهم ويخلق الذعر بينهم. وعائلة العمور هي الأخرى ودّعت ثلاثة أطفال منها، علماً أنّ طائرات الاحتلال استهدفت، أوّل من أمس الخميس، 13 مايو/ أيار، سائد العمور، البالغ من العمر 13 عاماً، وهو يسير على مقربة من منزله في حيّ العمور، شرقيّ مدينة خان يونس، في جنوب قطاع غزة، فتسبّبت له في إصابة بالغة، وسرعان ما فارق الحياة بعد وقت قصير من نقله إلى المستشفى. أدهم العمور، أحد أقارب سائد، كان بالقرب من الحيّ وشاهد الجريمة عن بعد، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجريمة كانت مقصودة، فقصف الطائرات استهدف كل من كان يتحرك في المنطقة، بهدف إخلاء الشوارع لتتمكّن من اصطياد أهدافها بواسطة صواريخها". يضيف أدهم أنّ "سائد كان عند أقاربه في المنطقة، وكلنا نعرف بعضنا بعضاً. وفي طريق عودته إلى المنزل، أراد شراء حاجيات مختلفة لعائلته، لكنّ الجريمة وقعت. وكانت صدمة بالنسبة إلينا. طائرات الاستطلاع كانت تعلم بأنّ طفلاً كان في المكان، وعلى الرغم من ذلك قصفت المكان".

الصورة
أطفال غزة في العدوان الإسرائيلي الأخير 2 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

واستشهاد سائد فاقم آلام عائلة العمور، إذ كانت طائرات الاحتلال قد استهدفت بشكل مباشر قبل يوم من استشهاده وبطريقة مباشرة أربعة أنسباء من أطفال عائلة العمور كانوا قريبين من منازلهم في منطقة الفخاري، شرقيّ مدينة خان يونس، ما تسبّب في استشهاد اثنَين منهم على الفور، وإصابة الباقين بجروح بالغة الخطورة نُقلوا إلى مستشفى ناصر الحكومي في مدينة خان يونس. ولم يكن الأطفال الأربعة ولا عائلاتهم يتوقعون استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، فقصدوا أحد صالونات الحلاقة بهدف الاستعداد لعيد الفطر قبل يوم من حلوله. هم خرجوا رغماً عن العدوان الإسرائيلي، وقد أملوا وكذلك عائلاتهم بأن ينتهي قبل العيد. 

في هذا الإطار، يشير ابن عمّهم محمد العمور، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الناس اعتادوا استمرار القصف الإسرائيلي ليومَين قبل أن يتوقف"، لكنّ الأمر اختلف في هذه المرة. ويخبر محمد أنّهم "عندما انتهوا جميعاً من حلاقة شعرهم وفي أثناء عودتهم إلى المنازل، وقبل أن يصلوا إلى منازلهم بعشرات الأمتار، دوّى انفجار كبير وتطايرت الشظايا وارتفع الدخان الأسود. حينها سمعوا في المنازل أصوات الأطفال، فخرجوا مسرعين، وصدموا عندما شاهدوا أبناءهم قتلى وجرحى مع إصابات بالغة". يُذكر أنّ الشهيدَين هما عمار تيسير العمور، البالغ من العمر 11 عاماً، وحمادة عطية العمور، البالغ 12 عاماً من العمر. يضيف محمد: "وسط الصدمة، رحنا نصرخ لبعض الوقت، إلى حين وصول سيارات الإسعاف التي نقلت الشهيدَين والجريحَين إلى المستشفى. لكنّ المشهد الأصعب هو عندما حملت والدة عمار أشلاء ابنها لتنقلها إلى سيارة الإسعاف. الجميع صُدم للوهلة الأولى أمام مشهد الأمّ التي غلبتها مشاعر الأمومة وأرادت إنقاذ ابنها على الرغم من أنّه كان قد فارق الحياة".

الصورة
أطفال غزة في العدوان الإسرائيلي الأخير 3 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

ويوضح محمد أنّ الأطفال الأربعة يقيمون مع أهاليهم "في منطقة زراعية قريبة من الحدود الشرقية لمحافظة خان يونس، وقد سُمح لهم بالخروج بعدما سُجّل هدوء في المنطقة وانتشار شائعات حول إمكانية إعلان هدنة في الليلة نفسها. فترك هؤلاء منازلهم على أمل الاحتفال بالعيد، لكنّهم في طريق عودتهم قبيل الإفطار بنصف ساعة، استُهدفوا من قبل طائرة إسرائيلية بشكل مباشر". يتابع محمد أنّ "ما حدث مع أبناء أعمامي خلق ذعراً في نفوس أطفال العائلة في المنطقة، الذين عبّروا عن رغبتهم في عدم البقاء في المنطقة. فالضحايا الصغار كانوا يسيرون في طريق ترابي، ولا بدّ من أن تكون المقاتلة الإسرائيلية قد كشفت أنّهم أطفال مدنيون، بناءً على الادعاء الإسرائيلي بتطوّر وسائله القتالية وتقنياته".

في سياق متصل، قصفت الطائرات الإسرائيلية شقّة تعود إلى عائلة التلباني في مبنى سكني في حيّ تلّ الهوا، غربيّ مدينة غزة، فجر الأربعاء الماضي. وقد أسفر ذلك عن استشهاد خمسة فلسطينيين، من بينهم امرأة وطفلان، هما زيد التلباني البالغ من العمر خمسة أعوام، وحلا الريفي البالغة 13 عاماً من العمر، وهي من سكان منزل مجاور. كذلك أصيبت مريم شقيقة زيد بجروح، علماً أنّها تبلغ من العمر عامَين وسبعة شهور. أمّا المرأة فهي والدة زيد وتُدعى ريم سعد وتبلغ من العمر 31 عاماً، بحسب ما تقول صديقتها نفين عايش لـ"العربي الجديد". 
تضيف نفين أنّها "كانت حاملاً بالشهر الرابع، وقد صدمت هذه المجزرة سكان حيّ تلّ الهوا وأطفاله، خصوصاً أصدقاء الشهيدَين الصغيرَين الذين كانوا يتجمّعون معهما للعب في متنزه برشلونة الواقع شرقيّ الحيّ".

الصورة
أطفال غزة في العدوان الإسرائيلي الأخير 4 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

وتؤكد نفين أنّ "الأطفال اليوم يتعرّضون إلى تعذيب نفسي مستمر. وما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي يصب في إطار تدمير المعنويات وضرب الحالة النفسية في قطاع غزة، فيفقد الجيل الناشئ الأمان والطموح والأمل". يُذكر أنّ نفين أمّ لثلاثة أطفال يشعرون بالصدمة، بحسب ما تقول، "منذ لحظة استشهاد زيد التلباني ووالدته وإصابة أخته الصغيرة". ولا تخفي نفين أنّ أولادها "يبكون في كل ليلة منذ ذلك الحين، وصاروا يشكون من التبوّل اللاإرادي". وتلفت إلى أنّ "الجميع راح ينام بعد ذلك اليوم، في وسط المنزل بعيداً عن النوافذ والأبواب، خشية قصف إسرائيلي مفاجئ وإصابات محتملة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الصحة في غزة أعلنت، أمس الجمعة، عن ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع المحاصر إلى 122 شهيداً، من بينهم 31 طفلاً و20 امرأة ورجل واحد مسنّ. أمّا الجرحى فقد بلغ عددهم 900 غزياً، علماً أنّ إصاباتهم مختلفة.

المساهمون