في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، استشهد الأشقاء إيلين وسيلين ومحمد الخياط، وهم في حضن والدتهم التي استشهدت أيضاً برفقة زوجها ووالده ووالدته في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة. كان الأطفال قد أجروا اتصالاً أخيراً مع خالهم كريم أبو الروس المقيم في بلجيكا، يسألونه إن كان باستطاعتهم المجيء إليه للعيش بأمان، هم الذين كانوا يخشون العدوان.
خيّمَ الحزن على أبو الروس، هو الذي يرى صور الأطفال الشهداء على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع. يرى الصور ويحاول البحث في ذاكرته عن أخرى جميلة لأولاد شقيقته. نشر فيديو لابنة شقيقته أعده لها والدها، وهي تغني "أنا طبعي كدة". كانت تشير إلى مدى حبها للحياة مع والدها ووالدتها وأشقائها وجديّها، كما يوضح أبو الروس.
ويقول لـ"العربي الجديد" إن "أفراد عائلتي ليسوا أرقاماً ولن يكونوا كذلك. دائماً ما أذكر إيلين المحبة واللطيفة. كانت تحب كل شيء وتغني كثيراً. سيلين أيضاً. كانا أقرب إلى قلبي من نفسي. قتلهما الاحتلال الإسرائيلي وهما في حضن أمهما وقد كانتا خائفتين. كان جميع أفراد العائلة في غرفة واحدة". يضيف: "أخرجوهم أشلاءً. شقيقتي هديل كانت قد حصلت قبل أشهر قليلة على ترقية وظيفية في عملها في محافظة رفح، وعينت معلمة في المرحلة الثانوية. كانت تحلم بمستقبل جميل لأطفالها، وكانت سعيدة بإنجابها صبياً. كانت بالنسبة إليّ أماً حنونة وشقيقة مقربة ومربية ذكية. كانت أول من أهداني كتباً للقراءة. لطالما آمنت بأهمية المطالعة وهو النهج الذي حاولت اتباعه مع أولادها".
ويذكر أبو الروس أن إيلين كانت تحلم فقط بالعيش بأمان خلال الأيام الأخيرة، حالها حال سيلين الضحوكة دائماً. كثيراً ما طلبتا مني ترك بلجيكا والعيش معهما في غزة. كانتا تظنان أن الحياة فيها مثالية فهما غير مدركتين للعواقب الكثيرة. أما محمد، فكان لا يزال رضيعاً لم يتجاوز عمره الـ45 يوماً. ولا يذكر إلا صراخه من شدة القصف. الأشقاء الخياط هم من بين أكثر من 2000 طفل أعلنت وزارة الصحة عن استشهادهم.
إلى ذلك، سجلت الجهات المعنية، من بينها وزارة الصحة والدفاع المدني نحو 1450 بلاغاً عن مفقودين تحت أنقاض المنازل، أكثر من نصفهم أطفال. ولا تزال فرق الإنقاذ تبحث عنهم، وقد خصصت وزارة الصحة في مستشفى الشفاء وغيرها خيمة للشهداء الذين لم يتعرف إليهم أحد بعد.
ويوم الخميس الموافق لـ12 من الشهر الجاري، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة في حق عائلة شهاب، شمال قطاع غزة، والتي راح ضحيتها 44 فرداً، منهم 25 تحت سن 18 عاماً، و10 أطفال تحت سن العاشرة، كان أصغرهم عبد الكريم شهاب الذي لم يتجاوز العامين. ويوضح أحد أقارب الشهداء جهاد شهاب، والذي اتخذ من مستشفى الشفاء ملاذاً له، أنه لا ملاجئ للأطفال كما هو الحال لدى الاحتلال الإسرائيلي، ويقول لـ"العربي جديد": "الطفل لا يعرف أين يذهب أو أين يختبئ. ملجؤه منزل وحضن ذويه فقط وهما ليسا آمنين. يتبع الغزيون خلال الاعتداءات الإسرائيلية بعض الاستراتيجيات التي قد تحميهم من العدوان، من بينها التجمع في ممرات بعيداً عن النوافذ والأبواب التي قد تؤذي أجسادهم نتيجة قوة القصف".
ويلفت شهاب إلى أن لديه ثلاثة أطفال. أصيب هو في الرأس وطفله زين 5 سنوات في ظهره. كانا في المنزل في بلدة جباليا يشكلان مع آخرين مثل حلقة، ويحرصون على وضع الأطفال في المنتصف على أمل ألا يصابوا بأذى. لكن إحدى الغارات الإسرائيلية أحدثت أضراراً كبيرة في منزله ما أدى إلى إصابته وطفله".
كما نزحت عائلة الزعانين من بلدة بيت حانون حتى أبراج حمد، جنوب قطاع غزة، في مدينة خان يونس، وقد شهدت مجزرة إسرائيلية في بداية أيام العدوان الإسرائيلي راح ضحيتها 21 شهيداً، من بينهم 9 أطفال. ونجا الطفل أسامة الزعانين (10 سنوات)، من المجزرة وقد أصيب إصابات متوسطة في الرأس. لكنه يعيش صدمة نفسية كبيرة. فبينما كان يعالج في مستشفى بيت حانون، قصفها الاحتلال الإسرائيلي ورأى صديقه وابن عمه محمد (11 عاماً) فيها.
والدة الزعانين عائشة تقيم مع 9 نساء أخريات و10 أطفال في غرفة واحدة، وابنها المصاب معها، تقول لـ"العربي الجديد": "نجا ابني من إصابة في قدميه الاثنتين. لحسن الحظ، وجدنا الأدوية التي يحتاجها قبل إغلاق الصيدليات وتفاقم الأزمة الصحية. لكنه لا يزال تحت تأثير الصدمة، بل إنها تزداد مع الوقت. دمر منزلنا. وحتى إذا ما انتهى العدوان، لا نعرف ماذا نفعل. منزلنا دمّر. لا أعرف إلى أين أذهب وماذا أفعل. لكن لا أريد خسارة ابني".
من جهتها، تحاول المعالجة النفسية أمل أبو زبدة تنظيم جلسات وأنشطة للأطفال في مدارس النزوح في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، هي التي تعمل موظفة حكومية في عيادة للصحة النفسية، ولا تستطيع التوجه إلى العيادة بسبب حالة الطوارئ التي يعيشها القطاع. ومن خلال جلساتها مع الأطفال، تشير إلى أن العدوان الحالي يمكن أن يسبب اضطرابات نفسية خطيرة للأطفال.
وتقول أبو زبدة لـ"العربي الجديد": "سابقاً، كنا نقدم للأهالي جلسات توعوية عن ضرورة حجب مشاهد القتل والدمار عن الأطفال، وهو ما كان ممكناً في السابق. لكن مع استمرار العدوان، بات الأمر مختلفاً. لا يمكن حجب ما يحصل عن الأطفال الذين يدركون أن بعضاً من زملائهم استشهدوا. الأطفال في غزة يحملون الكثير من الهموم. وقد شاهدوا أموراً لا يتحملها الكبار".
إلى ذلك، يعد المحامي والناشط الحقوقي أشرف عبد الله من المشاركين في صياغة مذكرات قانونية تتعلق باستهداف الأطفال لإحالتها إلى المحاكم الدولية، وخصوصاً استهداف الأطفال في غزة خلال الاعتداءات الإسرائيلية عام 2014 و2021. لكنه يشير إلى أن المحاكم الدولية وخصوصاً محكمة الجنايات الدولية، تضع الكثير من العراقيل، علماً أن إسرائيل لا تحترم حقوق أطفال غزة.
لا يراعي الاحتلال الإسرائيلي أي قوانين دولية ولا يحترم حقوق الأطفال، منها الحاجة إلى المساعدة الطبية والغذاء والمأوى والملبس، وهو ما تكفله اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية. وخلال العدوان الحالي، فإنها ترتكب جرائم حرب كما فعلت سابقاً.
تقر اتفاقيات جنيف لسنة 1949 وبروتوكولاها الإضافية لسنة 1977 بوجوب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضدّ أي صورة من صور خدش الحياء والتأكد من موافاتهم بالعناية الضرورية والإغاثة أو الحماية لأولئك الذين يؤثرون في الأعمال العدائية، المساعدة والحماية خاصة للأطفال الموجودين في مناطق النزاعات المسلحة.
ويقول عبد الله لـ"العربي الجديد": "بعض البنود في الاتفافيات الدولية تتحدث عن حماية الأطفال الذين تيتّموا أو انفصلوا عن عائلاتهم، وتوفير المرافق الخاصة التي تضمن سلامتهم البدنية، وهذا ما يعيشه حاليا أطفال غزة. إلا أن غزة غير مشمولة ضمن القوانين والاتفاقيات الدولية، في ظل الحصار الإسرائيلي. كما يمنع دخول مراقبين دوليين وحقوقيين لتقييم الوضع العام، والاعتماد غالباً على تقارير حقوقية محلية، وهذا مؤسف جداً".
يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية أعلنت أنها بحاجة للوصول بشكل عاجل إلى غزة لإيصال المساعدات والإمدادات الطبية، محذرة من أزمة إنسانية في القطاع. وقال مدير الطوارئ الإقليمية بمكتب شرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور ريتشارد برينان، إن المنظمة عقدت اجتماعات مع "صناع القرار" لإتاحة الوصول إلى غزة في أقرب وقت ممكن. ومنذ بداية الحرب، استشهد 5087 شخصاً منهم 2055 طفلاً و1119 امرأة و217 مسناً، فيما أصيب 15.273 آخرين، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية. يشار إلى أن الاحتلال ارتكب واحدة من أبشع المجازر في القطاع واستهدف بالقصف مستشفى المعمداني، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال الذين اتخذوا من المستشفى ملجأ آمناً من الغارات الإسرائيلية المستمرة.