نشر مدير مستشفى في محافظة بن عروس في شمال تونس قبل مدّة فيديو سجّلته كاميرا للمراقبة يوثق اعتداءً بالضرب على أحد الأطباء ويُدعى عيسى الدراجي في داخل المستشفى. وقد نفذ الاعتداء مواطن بعد سماع خبر وفاة والدته على الرغم من محاولة الأطباء إنعاشها. وعند فرار المعتدي بعد إبلاغ الشرطة، حاول دهس طبيب آخر بسيارته في ساحة المستشفى. وقد أثار تسجيل الفيديو استياءً كبيراً لدى الرأي العام وانتقادات إزاء تكرّر الاعتداءات على الكوادر الطبية، خصوصاً في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع نسبة الوفيات واكتظاظ المستشفيات بالمصابين بفيروس كورونا الجديد.
يقول الدراجي لـ"العربي الجديد" إنّها "لم تكن المرّة الأولى التي أتعرّض فيها إلى الضرب أو الاعتداء المادي من قبل أحد المواطنين"، مؤكداً أنّ "تلك الحادثة أثارت جدالاً كبيراً لأنّها وُثّقت بواسطة كاميرا المراقبة في داخل المستشفى ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد بيّنت الحادثة للناس مدى فظاعة الاعتداءات التي تطاول الكوادر الطبية بشكل يومي. لكنّ أقساماً عديدة في معظم المستشفيات لا تتوفّر فيها كاميرات مراقبة، لذا لا توثَّق أكثر حوادث الاعتداءات على الأطباء أو على الكوادر شبه الطبية". ويشير إلى أنّ "تلك الحوادث ازدادت في خلال الفترة الأخيرة بسبب اكتظاظ المستشفيات وارتفاع الوفيات المرتبطة بكوفيد-19".
وقد طالبت اللجنة الجهوية للصحة في محافظة بن عروس السلطات التونسية بسنّ قانون يجرّم الاعتداءات على الكوادر الطبية، خصوصاً في أقسام الطوارئ، فيما تخوض المنظومة الصحية حرباً ضدّ وباء كورونا من دون توفير حماية للأطباء من اعتداءات أهالي المرضى خصوصاً المصابين بكوفيد-19. كذلك أكدت الإدارة الجهوية للصحة أنّ طاقة الاستيعاب في المستشفى فاقت 300 في المائة، الأمر الذي يمثّل ضغطاً كبيراً على الكادر الطبي الذي بات يتعرّض إلى اعتداء يومي متكرر من قبل عائلات المصابين.
وعلى خلفية الاعتداءات التي طاولت في المدّة الأخيرة الكوادر الطبية، دعت المنظمة التونسية للأطباء الشبان في بلاغ إلى وضع شارات حمر في مختلف الجهات احتجاجاً على "تردّي أوضاع العمل في المستشفيات وغياب تأمينها، وتنديداً بغياب التعامل الجدي مع ملفات الاعتداء على مهنيّي الصحة". ودعت إلى تأمين كلّ المستشفيات بحسب ما نصّ عليه محضر اتفاق في الثالث من مارس/ آذار 2021، والعمل على "الحفاظ على الكرامة المادية والمعنوية للأطباء الشبان عبر سداد أجور حصص الاستمرار ورصد منح خطر للأطباء الشبان وتكوين خلايا تأطير نفسي في المستشفيات". تُضاف إلى ذلك "دعوة كل الأطراف المتدخلة في قطاع الصحّة إلى تكوين خليّة أزمة مستقلة بقراراتها، من مهامها دراسة الوضع الصحي وإيجاد حلول مستعجلة لتجاوز الأزمة الراهنة ثمّ ضبط الاستراتيجيات اللازمة لإنقاذ قطاع الصحة العمومي".
يقول عبد الرحمن وينيفي أحد أعضاء المنظمة التونسية للأطباء الشبان لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية سبق أن أصدرت بيانات عدّة تندد بالاعتداءات التي تطاول الأطباء والتجهيزات في مختلف المستشفيات. كذلك نظمت وقفات احتجاجية وتحركات عدّة للمطالبة بإصدار قانون يحمي الأطباء من الاعتداءات وتوفير جهاز أمني وعناصر أمنية تعمل باستمرار في المستشفيات، خصوصاً في أقسام الاستعجالي (الطوارئ) التي يكثر فيها احتكاك الطبيب بالمواطن يومياً، إلى جانب تركيز كاميرات مراقبة في جميع أروقة المستشفيات".
من جهتها، أصدرت نقابة الأطباء التونسية بياناً دعت فيه السلطات إلى "توفير الأمن وحماية الأطباء الذين يعملون في مكافحة الوباء في أصعب مراحله من اعتداءات الأهالي في المستشفيات"، موضحة أنّ "غضب الأطباء هو بسبب دخول مرافقي المرضى قسرياً إلى أماكن إقامة مرضى الكورونا والذي يتعارض مع القرار الوزاري الذي يحظر أيّ زيارات". وأعربت عن أسفها "لانعدام الأمن في جميع الأوقات، خصوصاً في خلال هذه الأزمة الصحية وترك طاقم التمريض في مواجهة مباشرة مع الاعتداءات".
ودانت النقابة في بيانها "عدم استجابة السلطات لتخصيص أماكن آمنة بأبواب مصفّحة وفريق معزّز من ضباط الأمن القادرين على ضمان سلامة المباني والموظفين" داعية إلى "إنشاء مركز شرطة يعمل طيلة الوقت في كلّ المستشفيات العمومية لحماية الإطارات الطبية وتجهيزات المستشفيات، لا سيّما وقد تمّ تهشيم تجهيزات كثيرة باهضة الثمن في مستشفيات عدّة، خصوصاً في السنوات الأخيرة ومع تسجيل مئات الوفيات من جرّاء كورونا".
وكانت النقابة قد احتجت في السابق ونفّذت إضرابات عديدة عن العمل للمطالبة بتوفير الحماية الأمنية لكلّ الكوادر الطبية. كذلك عُقدت اجتماعات عدّة في وزارة الصحة لمناقشة سنّ قانون يجرّم الاعتداءات، لكنّ أيّ قانون لم يوضَع على الرغم من الوعود التي كانت تطلقها الوزارة كلّما نُفّذ احتجاج أو إضراب عن العمل.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاعتداءات على الكوادر الطبية تتجدد سنوياً، كذلك الأمر بالنسبة إلى الوقفات الاحتجاجية التي ينفّذها الأطباء للتنديد بالاعتداءات والمطالبة بتوفير سلك أمني خاص بهدف حماية المستشفيات والكادر الطبي وكذلك شبه الطبي، مع تكثيف كاميرات المراقبة في كلّ الأقسام وأروقة المستشفيات لتوثيق الاعتداءات التي قد تقع.