وسط العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يعاني أهل القطاع المحاصر بكلّ فئاتهم، وإن كان بعضهم أكثر تأثّراً به نظراً إلى أنّه أكثر هشاشة من الآخرين. ومن الفئات التي تُصنَّف هشّة الأطفال وكبار السنّ على سبيل المثال لا الحصر، من دون أن ننسى خصوصاً الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يُعَدّون الأكثر عرضة لتداعيات الحرب.
ويعيش الأشخاص ذوو الإعاقة ظروفاً صعبة اليوم، ولا سيّما هؤلاء الذين نزحوا إلى مراكز إيواء، من بينها مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). كذلك الأمر بالنسبة إلى الذين يُضطرون إلى الهروب من قصف مفاجئ.
أسامة أبو صفر (38 عاماً) من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، واحد من هؤلاء، وهو مقعد أجبرته ظروف الحرب الأخيرة على مغادرة منزله، كما كثيرون آخرون، والتوجّه إلى إحدى المدارس التي فتحت أبوابها أمام النازحين، مع زوجته وأطفالهما الثلاثة الذين لم يتجاوز أكبرهم الخامسة من عمره.
يقول أبو صفر لـ"العربي الجديد" إنّه "خشية من اتساع بقعة الدمار وتزايد عمليات القتل، ولا سيّما بعد تهديدات إسرائيلية بالقصف وُجّهت إلى مبانٍ مجاورة، تركتُ مع عائلتي منزلنا وقصدنا أحد مراكز الإيواء في المدارس التابعة لوكالة أونروا، في اليوم الثالث من هذه الحرب". يضيف أنّه "بعد التهديد، خرجنا على الفور، من دون أن نحمل معنا أيّ شيء. لم نجد أمامنا خياراً سوى الحفاظ على أرواحنا من الموت أو الإصابة، مع استمرار استهداف الجميع في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن الاحتلال لا يفرّق ما بين كبير وصغير ولا بين شخص ذي إعاقة وغيره".
ويتحدّث أبو صفر عن "أوضاع قاسية يعيشها النازحون في المدارس مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وشحّ في الغذاء، وعدم توفّر فرش وأغطية". وعن ظروفه الخاصة، يقول أبو صفر إنّه يعاني من "وضع استثنائي كوني مقعداً وأتنقل على كرسي متحرّك"، شارحاً أنّ ساقَيه بُترتا على خلفية مشكلة في أثناء ولادته. ويشير إلى أنّ ذلك "جعلني أعيش طفولة قاسية حرمتني من تفاصيل كثيرة، ولا سيّما أن أكون مثل أيّ طفل آخر ألهو وألعب وأقبل على الحياة"، واصفاً إياها بأنّها "صعبة في الأساس في غزة وتختلف عن كلّ بقاع العالم".
يضيف أبو صفر: "عايشت ستّ حروب على غزة" منذ إطباق الحصار على القطاع، ويروي كيف أنّه احتضن أطفاله على كرسيه المتحرّك واندفع بسرعة "للنجاة من صواريخ البطش الصهيونية". لكنّه في الوقت نفسه، لا يخفي أمله بغدٍ أفضل"، على الرغم من أنّ قطاع غزة بالنسبة إليه "يُباد عن بكرة أبيه".
ويلفت أبو صفر إلى أنّه عاجز عن التحرّك بمفرده، لذا فإنّ زوجته ترافقه لحظة بلحظة من أجل تسيير حركته، وسط الغرف المكتظّة بالنازحين وكذلك ممرّات مركز الإيواء. ويتابع أنّ الساحة كذلك اكتظّت بالنازحين، وبالتالي فلا منفس ولا مساحة للحركة، لذا "ألازم مكاني منذ اليوم الأوّل لمجيئنا إلى هنا".
من جهته، نزح عبد الرحيم علي الصوالحة (60 عاماً) من مخيّم جباليا شمالي قطاع غزة مع عائلته إلى مدرسة تابعة لوكالة أونروا في مخيّم النصيرات وسط القطاع، تاركاً بيته وأرضه ومسقط رأسه، ومن دون أن يتمكّن من حمل أيّ شيء إلا بعض المال.
يقول الصوالحة وهو مقعد كذلك لـ"العربي الجديد": "نزحنا إلى هنا بعد قصف المنطقة بالكامل وتدمير منازلنا وتهديدنا بالرحيل أو الاستهداف والقتل. أتينا على أمل أن تنتهي هذه الأيام العصيبة قريباً، ونعود إلى مناطق سكننا ونبني بيوتنا من جديد". يضيف الصوالحة: "لم نجد هنا أياً من مقوّمات الحياة التي صرنا نشتهي توفّرها"، شارحاً أنّها "أمور بسيطة لكنّها اليوم معدومة من قبيل الكهرباء والمياه والفرش التي ننام عليها".
ويخبر الصوالحة: "عشنا أيّاماً أشبه بالكابوس في المخيّم، خصوصاً في اليوم الأوّل من العدوان، إذ لم تتوقّف آلة الحرب الإسرائيلية عن قصف المنطقة التي صارت بالكامل مدينة أشباح وكومة من الركام والرماد".
ويلفت الصوالحة إلى أنّه في حاجة إلى عناية خاصة، إذ إنّه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في أمور كثيرة، بما أنّه على كرسي متحرّك، وهو كذلك في حاجة إلى مكان مريح حتى لا يتعرّض لمضاعفات صحية خطرة قد تؤثّر سلباً على وضعه الخاص. ويتحدّث عن حاجته الماسة إلى "الاستحمام في غياب كلّ مستلزمات النظافة التي انعدمت وسط عدد النازحين الكبير في مراكز الإيواء".
ويشير الصوالحة إلى أنّ "دوائي الخاص نفد، وأنا غير قادر على توفيره". ويتابع الأخبار من خلال جهاز راديو صغير وقديم يحتفظ به، ويحاول شحنه ما بين الحين والآخر في إحدى غرف الصفوف الممتلئة، عند توفّر الكهرباء المولّدة من الطاقة الشمسية لمدّة ساعة فقط في اليوم".
ويحتاج الصوالحة إلى نظام غذائي صحي، غير أنّه يفتقر اليوم إلى أيّ شيء يسدّ به جوعه، مشيراً إلى أنّ الخبز لا يتوفر يومياً في حين أنّ مياه الشرب الآمنة انقطعت منذ الأيام الأولى للحرب، "الأمر الذي دفعنا إلى شرب مياه الخدمة".
وفي حين نزح الصوالحة إلى هذه المدرسة، توجّه أفراد عائلته الآخرون إلى مدرسة أخرى، الأمر الذي لا يسهّل الأمور عليه، خصوصاً "مع عدم قدرتي على الاطمئنان عليهم مع توقّف شبكة الاتصالات التي تضرّرت بفعل القصف".
ويصف الصوالحة المشاعر القاسية التي انتابته عندما ترك منزله وانطلق من دون أن يتوفّر له أيّ مأوى، وذلك في غياب أي وسيلة للنقل. ولا يخفي أنّه "في أكثر من مرّة، وقعت عن الكرسي، وكنت أنادي على من حولي ليلتفتوا إليّ ويعيدوني إلى الكرسي. وفي النهاية، توقّفت مركبة صغيرة وأقلّتني بعد ما قطعنا نصف المسافة تقريباً". بالنسبة إليه "لسنا هنا في مكان آمن، فهذا المحتلّ مجرم وقد يستهدفنا في أيّ لحظة".