يجهل كثيرون أن الشعب الصيني الذي يبلغ عدده 1.4 مليار نسمة يتشارك في 52 اسماً فقط تعود إلى سلالات حاكمة، مثل تشين ومينغ وتشينغ. يتضمن الاسم الصيني مقطعين فقط، يميّز الأول الشخص نفسه، والثاني الأسرة التي ينتمي إليها، لذا ليس غريباً في ظل انحصار التسميات في 52 اسماً أن يحمل أكثر من مئتي مليون شخص الاسم ذاته. كذلك فإن السائد في بلاد التنين عدم وجود أسماء مؤنثة وأخرى مذكرة، ما يعني أن الذكر والأنثى قد يحملان اسماً واحداً. وفي هذه الحالة، يفرّق الصينيون بين فرد وآخر في المجتمع من خلال إضافة صفة قبل الاسم، مثل تشياو سونغ، أي سونغ الصغير.
تاريخياً، انقسمت الصين إلى سبع ممالك اعتبرت كل منها بمثابة دولة مستقلة تضم ملكاً وجيشاً وحاشية وشعباً. وتوزع الصينيون على الممالك المتحاربة، ففي أقصى الشمال قامت مملكة جاو، ومملكة تشو في الجنوب، ومملكة وي في الوسط. ونُسب سكان كل منطقة إلى اسم الملك أو المملكة، وبهذه الطريقة حصل الصينيون على أسمائهم.
في عام 221 قبل الميلاد، وحّد الملك تشين شي هوانغ الممالك، وأنشأ أول إمبراطورية صينية حقيقية. وجاء اسم الصين الحديث نسبة إلى اسم سلالة هذا الملك التي حكمت البلاد 14 عاماً. ورغم توحيد الصينيين، ظلت أسماؤهم تُبرز انتماءاتهم السابقة، وتحدد مكان إقامتهم، لذا استخدمت الأسماء في وقت لاحق في أثناء حروب التحالفات الرأسية والأفقية التي اندلعت بين المدن والمقاطعات، كوسيلة للتعرف إلى هوية الشخص، وقد سجن أشخاص أو قتلوا لأنهم محسوبون جغرافياً على جهة سياسية معادية.
وبعدما أصبح الاسم دليل إدانة، لجأ الصينيون إلى تمييز أنفسهم من خلال مظاهر الملابس التقليدية الخاصة بكل قومية، وطريقة قص الشعر، كما حدث في أثناء حكم سلالة تشينغ بين عامي 1644 و1912، حين كان الذكور يتميّزون بقص شعر رؤوسهم بالكامل باستثناء خصلة خلفية يجري تجديلها وإطلاقها وتقع في موازاة سلسلة الظهر. وشكلت قصة الشعر تلك التي أطلق عليها اسم ذيل الحصان، دليلاً على الولاء والطاعة لحكم تشينغ، قبل أن تصبح تقليداً إلزامياً يعاقب من يخالفها بالإعدام.
أسماء زائد صفات
حول طبيعة وتركيبة الأسماء الصينية، يقول الباحث لين باي تشون لـ"العربي الجديد"، إن "الصين لديها أقل عدد أسماء متداولة بالنسبة إلى الأفراد، رغم أنها الدولة الأكثر احتضاناً للسكان في العالم. ويعود ذلك إلى تقليد نسب السكان إلى اسم السلالة الحاكمة الذي ساد في أثناء حروب الممالك". يضيف أن "سرّ بقاء هذا التقليد واستمراره، رغم مرور قرون، هو شعور الشعب بالفخر بالانتماء إلى سلالة ملكية، خصوصاً إذا كانت قوية ولديها تاريخ حافل بالبطولات، مثل سلالة تشين التي وحّدت البلاد، وكذلك تشينغ آخر السلالات، وهي التي حكمت البلاد لأطول فترة في التاريخ.
وعن طريقة تسمية المولود الجديد في الصين، يوضح لين أن العملية سهلة. فبخلاف الأسماء العربية، يذكر اسم العائلة أولاً ثم اسم الشخص الذي ليس ضرورياً أن يحمل معنى محدداً، ويكون عادة صفة لشيء ما، وقد يتضمن مقطعين أو ثلاثة أحياناً. وإذا كان اسم العائلة مثلاً يوان، يمُنح المولود اسم لي الذي يعني القوة باللغة الصينية، فيطلق عليه اسم يوان لي. وإن كان لهذا المولود أخ أكبر منه يحمل الاسم نفسه، تضاف صفة أخرى للتمييز بينهما، مثل صفة الأصغر التي يرمز إليها بكلمة شياو، أو صفة الثاني التي يرمز إليها بكلمة آر، فيصبح اسمه يوان شياو لي أو يوان آر لي". وكما الحال في معظم الثقافات، يختار الآباء اسم طفلهم بناءً على معناه الذي يتعلق عادة بسمات يرغبون في منحها لأبنائهم، مثل القوة والذكاء والشجاعة والإتقان والفضيلة. ويمكن دمج هذه الصفات بأمثلة إيجابية غير ملموسة مثل السلام والحب والثروة والنصر. وتلعب الطبيعة أيضاً دوراً كبيراً في تسميات الأولاد عبر أسماء قد تشمل حيوانات، وخصوصاً الثيران ورمز التنين إلى جانب الجبال والشلالات والسحب والسماء والنار وغيرها. كذلك شاع استخدام الأسماء الثورية بعد انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية، وهي تعكس سمات القومية عبر أسماء تعني أمة قوية وتقوية الأمة والرياح الشرقية وحب البلد.
سهولة المناداة
من جهتها، تشير الطالبة في جامعة تيانجين، تشير جاو آن، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن اسمها يرمز إلى السلام باللغة الصينية، وأن طلاباً كُثراً في جامعتها يحملونه من دون أن يمثل ذلك مشكلة بالنسبة إليها، لأن الصينيين لا يميزون بين الأفراد، أكانوا من الذكور أم الإناث بالاسم الذي لا يعتبر أيضاً وسيلة أساسية لإثبات هوية الشخص". تضيف: "بخلاف دول أخرى، لا توجد خانات تظهر أسماء الأب أو الجد أو الأم في الهوية الصينية، وكذلك جواز السفر. ويشكل الرقم القومي الذي يحمله كل مواطن الوسيلة الأساسية المعتمدة لتمييز الأسماء. أما في الحياة اليومية، فيحصل ذلك من خلال التصغير أو التفخيم بحسب العمر والمكانة". وتشير إلى أن "مناداة أسماء الصينيين وتداولها أكثر سهولة مقارنة بأسماء غربية أخرى. وفي الأسماء العربية مثلاً، قد تمتد الأسماء إلى الجد الثالث وتكون مركبة بطريقة يصعب فهمها وحفظها، علماً أن الغرب استخدم الطريقة الصينية في اختصار الاسم، مثل الحال في اسمي الرئيسين الأميركيين السابقين جورج بوش الأب، وجورج دبليو بوش الابن".
يشار إلى أن صينيين ينتمون إلى الجيل الجديد بدأوا يستخدمون أسماءً أجنبية في تعريف أنفسهم في إطار ما يعرف بالغزو الثقافي الغربي. فإلى جانب الاسم الصيني الرسمي، يستخدم اسماً مركباً من مقطعين مثل مارك تانغ الذي يلحظ استخدام اسم أول أجنبي والثاني اسم العائلة الصينية. وبالطريقة ذاتها يميّز المسلمون الصينيون الذين ينتمون إلى قوميتي هوي والأويغور أنفسهم باستخدام أسماء عربية مثل، إبراهيم لي أو محمد جانغ، ما يكرّس اعتقادهم بأن هذه الوسيلة هي الأكثر مثالية لمساعدتهم في الاندماج والتواصل بطريقة أفضل مع باقي المجتمعات.