يعيش سكان المغرب أسبوعاً كاملاً من دون التمكن من توثيق عقود البيع والزواج وغيرها بسبب خوض موظفي الهيئة الوطنية للعدول (التوثيق العدلي) إضراباً في أنحاء البلاد ابتداء من بعد غد الاثنين.
أعلنت "الهيئة الوطنية للعدول" في المغرب، خوض إضراب شامل عن العمل يبدأ الاثنين 29 يناير/ كانون الثاني، ويستمر لمدة أسبوع كامل في جميع أنحاء البلاد، وذلك لمطالبة الحكومة بعدم التراجع عما نص عليه مشروع القانون المتعلق بمهنة "التوثيق العدلي"، والذي يقضي بمنحهم الحق في تلقي أموال عن توثيق عقود العقارات. وبناء على قرار الإضراب الذي اتخذه المكتب التنفيذي لـ"الهيئة الوطنية للعدول"، لن يتم طوال هذا الأسبوع تحرير أية عقود زواج أو طلاق، ولا توثيق التوكيلات وعقود البيع ومختلف التصرفات العقارية والتجارية، فضلاً عن بقية إجراءات الأحوال الشخصية والميراث.
ويأتي إضراب "العدول" كرد مباشر على إعلان وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين ( الغرفة الثانية للبرلمان)، الثلاثاء الماضي، رفض القطاعات التي أحيل عليها مشروع قانون "التوثيق العدلي" منح العدول حق الحصول على أموال مقابل التوثيق.
وأكد وزير العدل في مجلس المستشارين، أنه سعى إلى أن يتم إسناد مسطرة الاحتفاظ بودائع المتعاقدين لدى العدول في مبالغ مالية محددة، غير أن الجهات الحكومية المختصة رفضت ذلك بالنظر إلى أن "عمل العدول يعتمد على تلقي الشهادة، وأدائها لدى قاضي التوثيق، وعليه فإنه ليس من حقهم قبض الثمن من المتعاقدين"، على حد تعبيره.
إلى ذلك، انتقدت "الهيئة الوطنية للعدول" في بيان صدر عن مكتبها التنفيذي، ما أسمته "الالتفاف على توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، والذي أوصى بتحديث مهنة العدول، ومراجعة ما يتعلق بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية في اتجاه حمايتها وتحصينها"، واعتبر بيان الهيئة أن من يقف وراء هذا الرفض هي "جماعات ضغط من خارج وزارة العدل، وأنها تشكل جيوب ممانعة ومقاومة تسعى للحيلولة دون حصولهم على حقوقهم".
ظهرت مهنة "العدول" مع دخول الإسلام إلى المغرب قبل 12 قرناً
وفي نوفمبر/ تشرين الأول 2022، أعلن وزير العدل المغربي أن وزارته وافقت على منح العدول الحق في تسلّم مبالغ مالية ناتجة عن توثيق العقارات، بعد أن كان ذلك غير قانوني في السابق. لكن تصريحات الوزير الأخيرة أكدت أنه لن يمكنهم فعل ذلك.
من جهته، وصف رئيس "الهيئة الوطنية للعدول" ، سليمان ادخول، في حديث لـ"العربي الجديد"، تصريحات وزير العدل بأنها "تراجع خطير عما تم الاتفاق عليه مع الوزارة، والذي تم تضمينه في محاضر رسمية موقعة بين الطرفين"، مضيفاً أن "تسلم وتلقي الودائع كان مطلباً رئيسياً للهيئة خلال حوارها مع وزارة العدل، لكننا فوجئنا بتصريحات الوزير التي تفيد برفض بعض الجهات لما تم الاتفاق عليه، ما يجعلنا نتساءل عن هوية من يشرع، لا سيما أن ما تم الإعلان عنه من رفض جاء بعد أن تم التوافق على مشروع القانون الجديد المتعلق بتنظيم مهنة العدول، وإحالته على الأمانة العامة للحكومة".
وتابع سليمان ادخول أن "الهيئة لن تقبل المساس بما تم الاتفاق عليه، وتطالب الوزارة بالالتزام بما تضمنته المحاضر الموقعة، ونؤكد استعداد منسوبي الهيئة لتنفيذ برنامج نضالية بشكل متصاعد لفرض الشرعية، وتحقيق المطالب المفصلية لعدول المملكة وفق المرجعيات الدستورية والحقوقية وتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة".
ويقابل إسناد مسطرة الاحتفاظ بودائع المتعاقدين إلى العدول بمعارضة من قبل هيئات الموثقين في المغرب، بدعوى أن تلك المسطرة هي اختصاص حصره المشرع القانوني بمهنتهم لما يقارب القرن من الزمان بعلة انعدام المؤهلات لدى العدول من جميع الجوانب لتلقي هذه الأموال والودائع وتدبيرها.
وتعتبر هيئات الموثقين أن إسناد مسطرة الاحتفاظ بالودائع إلى العدول بمثابة "التعدي على الاختصاص"، كما أنه "يتنافى مع مهنة التوثيق"، وكان لافتاً تهديده هؤلاء أيضاً بالنزول إلى الشارع، والدخول في أشكال نضالية تصاعدية إن لم يتم التراجع عن ذلك.
وتعتبر مهنة "العدول" من أقدم المهن في المغرب، إذ يرتبط ظهورها بدخول الإسلام إلى البلاد، وتأسيس أول دولة إسلامية قبل أكثر من 12 قرناً، ويقوم العدول بكتابة جميع أنواع التصرفات العقارية والمدنية والتجارية، فضلاً عن عقود الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث.
ويضطلع بمهمة توثيق العقود في المغرب، صنفان من الموثقين؛ أولهما العدول، وهم الأقدم وجوداً، والأشد ارتباطاً بالشريعة الإسلامية، وثانيهما الموثقون العصريون الذين يرجع ظهورهم إلى الحقبة الاستعمارية بعد أن تم إحداث مهنة التوثيق بمقتضى مرسوم صدر في 4 مايو/ أيار 1925.