أزمة تبعية الكنيسة الأوكرانية لبطريركية موسكو

28 اغسطس 2024
لم تكن الكنيسة الأوكرانية طرفاً في الصراع (سيرغي سوبينسكي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وقع الرئيس الأوكراني زيلينسكي قانوناً يحظر المنظمات الدينية المرتبطة بروسيا، بما في ذلك الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو، بهدف قطع العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
- منذ التسعينيات، تفاقم الانقسام بين الكنائس الأرثوذكسية في أوكرانيا، وأثار القانون الجديد انتقادات من موسكو والمجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
- القانون يهدف إلى إخضاع المؤسسات الدينية لسلطة الدولة، مما يزيد التوترات في المجتمع الأوكراني ويعزز مواقف الداعمين للحرب ضد أوكرانيا في موسكو.

يمس توقيع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، السبت، على حظر أعمال المنظمات الدينية ذات الصلة بروسيا، بالدرجة الأولى، الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة تاريخياً لبطريركية موسكو، وبدأ العدّ التنازلي لدخول القانون حيز التنفيذ بعد مرور 30 يوماً على نشره، ما يمنح الكنيسة مهلة لـ"قطع العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية"، وسط تحذيرات من أن يفاقم القانون حالة الاستقطاب في المجتمع.
وحظي مشروع القانون الذي صوّت لصالحه 265 نائباً بالبرلمان الأوكراني بدعم زيلينسكي منذ البداية، إذ سبق له أن فسّر ضرورته بأن موسكو "تستخدم الكنيسة لقمع استقلال الدول الأخرى، وتقييد حريات المواطنين".

ورغم أن بضع كنائس أرثوذكسية كانت عاملة في أوكرانيا منذ تسعينيات القرن الماضي، إلّا أنّ الانقسام بينها تفاقم في عهد الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو، والذي قرر في عام 2018 توحيد اثنتين منها، وهما الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية كييف والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المنشقة، وذلك تحت مسمى كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية، والتي تعتبرها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية منشقة.
وأثار القانون الأوكراني الجديد حفيظة موسكو، إذ حث المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية المنظمات الحقوقية الدولية على إبداء رد فعل على التضييق على الأرثوذكس في أوكرانيا، مشبهاً ما يجري باضطهاد المسيحيين في عهد الإمبراطور الروماني نيرون في القرن الأول بعد الميلاد، والقمع في عهد الاتحاد السوفييتي السابق الذي أعلن الإلحاد أيديولوجيا رسمية للدولة.
ولم يسلم بطريرك القسطنطينية برثلماوس من انتقادات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، والتي حمّلته المسؤولية الشخصية عما اعتبرته "استحساناً علنياً للملاحقة الجنائية بحق كهنة الكنيسية الأرثوذكسية الأوكرانية". وأوضحت بطريركية موسكو أن تقريراً لاهوتياً سيكون كافياً لإصدار قرار قضائي يحظر الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، محذرة من قابليته للتزوير في ظروف "مطاردة الساحرات".
ويعتبر كبير الباحثين في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عالم الأديان رومان لونكين، أن القانون الجديد يندرج ضمن حملة ممنهجة من شأنها إحداث الانقسامات بين المسيحيين الأرثوذكس، واستحداث النموذج الأوروبي للعلمانية القاضي بإخضاع المؤسسات الدينية لسلطة الدولة. ويقول لـ"العربي الجديد": "الحظر المحتمل على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بموجب القانون الجديد يندرج ضمن الحملة الكبرى الرامية إلى إحداث انقسامات بين الأرثوذكس، واضطهاد الكهنة بهدف تأسيس كنيسة موالية لمؤسسة الرئاسة".

أقر البرلمان الأوكراني القانون بغالبية كبيرة (أندريه نيستيرينكو/Getty)
أقرّ البرلمان الأوكراني القانون بغالبية كبيرة (أندريه نيستيرينكو/ Getty)

ويرجع لونكين تضييق الخناق على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إلى استنفاد الوسائل الأخرى لتوحيد المجتمع، مضيفاً: "في ظروف الكارثة الاجتماعية والإخفاقات والخسائر الفادحة على الجبهة، يأتي حظر الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بمثابة حلقة جديدة من مواجهة أي تلميحات إلى العلاقات مع روسيا وتقاليدها وثقافتها الروحية. القانون الجديد قد يشكل ذريعة لعمليات تطهير بحق المستائين من أداء زيلينسكي، إذ تقع أغلبية أبرشيات الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في وسط وشرق البلاد، وهي المناطق الأكثر تضرراً من تعبئة الأفراد، وذات أعلى نسبة من القتلى بين أبنائها".
يتابع: "هذا التطور المفصلي سيفاقم التوترات بين نشطاء الأبرشيات في المحليات، لكنني لا أتوقع خروج أي احتجاجات واسعة النطاق، إذ إن رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، المطران أونوفريوس، يتبنى مواقف وطنية ومسالمة. الخلافات حول المسيحية الأرثوذكسية تقلل من مكانة مؤسسة الكنيسة، وحتى من الإيمان بحد ذاته، وتشكل نموذجاً جديداً لأوكرانيا كدولة علمانية بالمفهوم الغربي، ما يعني ذات كنيسة خاضعة". 
ودائماً ما عزز الحظر المرتقب على أنشطة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية مواقف الداعمين للحرب ضد أوكرانيا في موسكو، ورؤيتهم أن كييف تشن حرباً على كلّ ما يمتّ إلى روسيا بصلة. وفي مقال بعنوان "حظر الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يعزز مواقع خصوم وجود أوكرانيا كدولة"، نشر بصحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين، قال رئيس المجلس العلمي لمركز المتغيرات السياسية، أليكسي تشيسناكوف، إن "قرار إزالة العراقيل أمام حظر الكنيسية الأرثوذكسية الأوكرانية يبدو تحدياً مزدوجاً".
وكتب تشيسناكوف: "بالمفهوم الأخلاقي الواسع، فإن هذا تحدّ للجميع، أي لروسيا وللروس وللأرثوذكس ولأنصار القيم التقليدية، وبالمفهوم الضيق، هذا تحدٍّ للديمقراطية وأي عمليات أو مشاريع لتسوية النزاع في أوكرانيا".

واللافت أن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية تواجه خطر الحظر رغم سعيها منذ بدء الحرب للنأي بنفسها عن الكنيسة الروسية، إذ أعلنت في مايو/ أيار 2022، "استقلالها الكامل" عن بطريركية موسكو، مع شطب ذكر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من ميثاقها. وحينها، أرجع المجمع المقدس في اجتماع طارئ ذلك إلى رفضه موقف بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل الداعم لأعمال الجيش الروسي في أوكرانيا.
وتشير تقديرات الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إلى أن عدد أتباعها يبلغ 35 مليوناً، أي أكثر من 80% من سكان البلاد. ورغم أن سلطات كييف قررت الانتقال من التقويم الكنسي اليولياني الرومي إلى التقويم اليولياني المنقح الذي تعتمده الطوائف في أوروبا في تحديد تواريخ الأعياد، إلا أن قسماً كبيراً من مسيحيي أوكرانيا أصروا على إحياء عيد الميلاد في يوم الأحد 7 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدلا من 25 ديسمبر/ كانون الأول.

المساهمون