يضم المجتمع الصيني شريحة واسعة من السكان ذوي الدخل المحدود غير القادرين على الإنفاق، في ظل ارتفاع التكاليف المعيشية، وعيشهم في حال من عدم اليقين في ظل تفشي جائحة كورونا الذي فرض العام الماضي تسريح مئات الآلاف من العمال استجابة لخطة حكومية تهدف إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي عبر خفض تكاليف الأعمال وتعزيز الاستهلاك المحلي.
وفعلياً، قد يصعب إقناع هذه الشريحة بإنفاق الأموال التي توفرها، لأن معدلات الرواتب منخفضة جداً. وخلال العام الماضي تباطأ نمو الإنفاق الاستهلاكي السنوي من 12 إلى 7 في المائة، بحسب بيانات نشرها المكتب الوطني للإحصاء، وانخفضت معدلات الأجور بنسبة 4.3 في المائة في المناطق الحضرية، و6.5 في المائة في الأرياف.
واللافت أنّ الحدّ الأدنى للأجور يختلف بين المدن الصناعية والريفية، حيث تقدم المدن الأكثر تقدماً مثل بكين وشانغهاي رواتب لذوي الدخل المنخفض لا تقل عن ألفي يوان (314 دولاراً). بينما تدفع إدارات المناطق الريفية للفئة ذاتها رواتب تبدأ بـ 1500 يوان (235.97 دولاراً).
أزمة معيشة
يقول ساو لينغ تشون (34 عاماً)، وهو عامل مهاجر يعمل في مصنع ينتج إكسسوارات مهرجان عيد الربيع، ويحصل على راتب شهري لا يتجاوز 2230 يواناً (350.81 دولاراً)، لـ"العربي الجديد": "اضطررت منذ منتصف العام الماضي إلى استئجار غرفة صغيرة تقاسمتها مع ثلاثة أشخاص آخرين بعد تقليص رواتب الموظفين وصولاً إلى 20 في المائة بسبب حالة الركود واستمرار عمليات إغلاق بعض المدن في المناطق التي تظهر فيها إصابات بفيروس كورونا.
ويضيف: "يغطي راتبي بالكاد احتياجاتي الأساسية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في العاصمة، إذ أدفع 600 يوان (94.38 دولاراً) شهرياً للمشاركة في إيجار الغرفة، و1000 يوان (157.31دولاراً) تتوزع بين مواصلات يومية ووجبات طعام وبطاقات شحن للهاتف الخلوي، ويتبقى من الراتب حوالي 100 دولار أحوّله إلى زوجتي التي تعيل ابنتنا الوحيدة في مقاطعة خبي (شمال).
أيضاً تقول لي ليانغ، وهي من ذوي الدخل المتوسط في مدينة شانغهاي، وتحصل على راتب شهري يناهز 5600 يوان (880.94 دولاراً): "لا أستطيع أن أنفق على أشياء غير أساسية، مثل الذهاب إلى المطاعم أو صالونات الشعر وجلسات التدليك، لأن هذا الأمر فوق قدرتي على التحمل. تضيف: "أعمل في مصنع لتعبئة مشروبات غازية، وزوجي يعمل في شركة أدوية، ونحصل معاً على ما قيمته 15 ألف يوان (2359 دولاراً شهرياً)، لكنّنا ندفع من هذا المبلغ 6500 يوان (1022 دولاراً) إيجار سكن شقة تتألف من غرفتين، و3500 يوان (550.06 دولاراً لمدبرة المنزل) التي تتكفل برعاية ابني البالغ من العمر سنة وستة أشهر. وما يتبقى من الدخل لا يغطي الحدّ الأدنى من باقي التكاليف، مثل الطعام والمواصلات وشراء الحليب والحفاضات للطفل.
"الرخاء المشترك"
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد صرّح العام الماضي، أن بلاده تهدف إلى تحقيق "الرخاء المشترك" المتمثل في التوزيع العادل للثروة بين أفراد المجتمع، معتبراً ذلك أمراً أساسياً لتعزيز الرفاهية في إطار دولة اشتراكية حديثة. ودعا إلى إنشاء نظام يعتني في شكل أكثر إنصافاً بأولئك الذين لم يصبحوا أثرياء، في إشارة إلى ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، تمهيداً لتضييق فجوة الثروة التي تهدد النمو الاقتصادي وفعّالية حكم الحزب الشيوعي، في ظل اتساع شريحة الفئات المهمّشة في المجتمع التي تمثل نحو 65 في المائة من حجم القوى العاملة.
ويقول المحلل الاقتصادي شيانغ لو جيه لـ"العربي الجديد": "دعوة الحكومة إلى خفض تكاليف الأعمال بسبب جائحة كورونا للحفاظ على معدلات ثابتة من النمو الاقتصادي تسبب في تسريح مئات الآلاف من العمال، خصوصاً في الشركات الصغيرة، وهو ما ينذر برفع معدلات البطالة في البلاد إلى نحو 6.5 في المائة". ويتابع: "ما يثير الاستغراب هو حث الناس على الإنفاق في ظل تدني الأجور التي تغطي بالكاد تكاليف المعيشة المرتفعة".
ويعتبر شيانغ أنه "لمعالجة هذه المشكلة يجب أن تقدم الحكومة الدعم من خلال ضخ مزيد من الأموال في قطاعي الصحة والتعليم، وخفض معدلات إيجار السكن، وتقديم منح مالية للأسر التي لديها أكثر من طفل واحد، وكذلك للشباب الذين يرغبون في الزواج".
ويوضح أن حرمان العمالة المهاجرة الداخلية من استخدام الضمان الاجتماعي في المدن الصناعية يحملهم أعباء إضافية تتمثل في تكبيد الأسر مصاريف باهظة (يقدم الضمان الاجتماعي الصيني امتيازات للمواطن في مسقط رأسه فقط)، وجعلها غير قادرة على تسجيل أبنائها في مدارس حكومية لأن الأولوية لأبناء المدينة. ومن يرغب في ذلك يضطر إلى اللجوء إلى المدارس الخاصة ذات التكاليف المضاعفة".
ويختم شيانغ بأنه "في ظل تدني معدلات الأجور وغياب سياسات فاعلة، لن يتحقق الرخاء المشترك، وستتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء إلى حدّ يصعب السيطرة عليه. وهذا الأمر يتناقض مع القيم الاشتراكية التي يسعى الحزب الشيوعي إلى تعزيزها داخل المجتمع الصيني".