حوار ليبيا يعود إلى الداخل...هل تعيقه مصالح طرفَي النزاع؟

19 يناير 2015
وساطة من أردوغان لإنجاح حوار ليون (فرانس برس)
+ الخط -
مع موافقة "المؤتمر الوطني العام" في ليبيا، على المشاركة في جولة الحوار المقبلة، شرط عقدها في ليبيا، مقترحاً مدينة غات جنوبي البلاد، ترتفع أسهم "عودة" الحوار الليبي إلى داخل البلاد، بعدما كانت جنيف السويسرية محطته القصيرة، وخصوصاً أن إشارات صدرت عن المعسكر الآخر، المتمثل في مجلس النواب المنعقد في طبرق، ترفض أيضاً الحوار في الخارج، وتصرّ على عقده داخل البلاد. وعلى الفور، صدرت إشارات "حسن نية" عسكرية، ترجمتها قرارات قيادة أركان "الجيشين"، ذلك الذي يأتمر بأوامر "المؤتمر الوطني"، والآخر الخاضع لحكومة عبدالله الثني، قضت بوقف فوري لإطلاق النار على الجبهات.

وتضمن بيان "المؤتمر" (البرلمان المنتهية ولايته والتي تُحسَب قوات فجر ليبيا عليه، والمعارض لحكومة عبدالله الثني ولعملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر) "ثوابت ومنطلقات" المؤتمر في الحوار، والتي أبرزها: اعتبار مبادئ ثورة فبراير والإعلان الدستوري وقرار المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية مجلس نواب طبرق وحكومة الثني. وكلف المؤتمر الوطني العام، فريق الحوار بالتواصل مع بعثة الأمم المتحدة، معرباً عن استعداده لمناقشة أي مقترحات تخرج البلاد من الأزمة الحالية. وطالب البيان المؤتمر الوطني بالتنسيق مع رئاسة الأركان والثوار في ما يتعلق بالوضع الميداني في الجبهات العسكرية. وكانت النائبة في "برلمان طبرق"، حنان شلوف، قالت في تصريحات صحافية أمس الأحد، إنّ "أغلب الليبيين يرفضون إجراء الحوار بين الفرقاء خارج ليبيا سواء في جنيف أو في غيرها"، مضيفة أن "المجتمعين من أعضاء مجلس النواب في طبرق قرروا عدم الذهاب إلى الحوار في جنيف".


وأكدت شلوف أن الحوار سيعقد داخل ليبيا "استجابةً لنبض الشارع والرأي العام من خلال الحراك المتواصل منذ فترة طويلة". وكانت للجنة الحوار في المؤتمر الوطني العام تحفظات على مكان عقد الحوار في جنيف، وعلى المشاركين فيه من طرف مجلس النواب الليبي المنحل، مشيرة إلى أن المبعوث الأممي لم يتشاور معها في هذه القضايا، ولم يطرح جدول أعمال محددا.

وجاءت هذه الموافقة بعد زيارة قام بها رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بو سهمين إلى العاصمة التركية أنقرة، برفقة وفد من المؤتمر الوطني، ووزير خارجية "حكومة الإنقاذ الوطني" (التي لا تحظى بالاعتراف الدولي والتي يترأسها عمر الحاسي)، محمد الغيراني، الخميس الماضي، إذ حث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بو سهمين على المشاركة في حوار جنيف، بحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون. وكان مجلس الأمن الدولي في بيان له، قد حذّر يوم السبت، من عدم المشاركة في حوار جنيف، مشيراً إلى أن "مَن يعرقل محادثات السلام ستطاله عقوبات يفرضها المجلس".

كما أن تحذيرات مماثلة أبلغتها السفيرة الأميركية لدى ليبيا ديبورا جونز، والسفير البريطاني مايكل آرن، والسفير الفرنسي أنطوان سيفان، لأعضاء من المؤتمر الوطني العام، قبيل صدور قرار مجلس الأمن الدولي، باحتمال إصدار مجلس الأمن الدولي عقوبات ضد أشخاص يعتبرهم "غير راغبين في نجاح الحوار الذي ترعاه البعثة الأممية في ليبيا". ويرى متابعون أن استباق مجلس الأمن الدولي إصدار بيان تحذير بشأن عرقلة حوار جنيف، هو رسالة واضحة للمؤتمر الوطني قبيل انعقاد جلسة التصويت بساعات، حتى تكتمل أطراف حوار جنيف.


من جانبه، قال مصدر من المؤتمر الوطني العام إن صيغة الحوار الجديدة، ستكون أربعة ممثلين عن مجلس النواب المنحل في طبرق، وأربعة أعضاء ممثلين للمؤتمر الوطني العام، وباقي الأطراف الأخرى من خارج مجلس النواب المنحل، والمؤتمر الوطني العام، ستعقد جلسات جانبية تركز بالأساس على معالجة الأوضاع الإنسانية وفتح ممرات إنسانية لوصول المساعدات في المناطق الأكثر تضررا في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، وككلة في غربها.
واقترح بيان المؤتمر الوطني العام، أن تكون مدينة غات على الحدود الليبية ــ الجزائرية مقراً لانطلاق جولة المفاوضات الجديدة، على اعتبار أن كلا طرفي الحوار لم يعترض عليها، كما سجلا اعتراضات على مدينة جالو جنوب غربي بنغازي، أو غدامس جنوبي ليبيا، والتي اعترض عليها المؤتمر الوطني العام.

من جانب آخر، يرى مراقبون أن جولة الحوار الجديدة من المحادثات بين طرفي الأزمة في ليبيا، لن تنطلق من نقطة الصفر، بل سيُعتمد فيها على بنود تدابير الثقة التي تم الاتفاق عليها في جولة جنيف الأولى، وخصوصاً أن اعتراضات لجنة حوار المؤتمر الوطني العام، لم تتطرق إلى "تدابير الثقة"، وهو ما يجعل من هذه التدابير جدول أعمال جاهزاً للبناء عليه ومناقشته.


وبحسب تسريبات مقربين من رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون، فإنه في حالة نجاح الحوار المزمع عقده في ليبيا، والخروج بصيغة توافقية حول حكومة ائتلاف وطني، فسيخرج رئيس حكومة الأزمة المنبثقة من مجلس النواب الليبي عبد الله الثني من دائرة السلطة، إلا أن ليون لم يذكر ما إذا كان رئيس حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة عمر الحاسي، قد حصل على تطمينات بالبقاء في الحكومة المقبلة أم لا. أمرٌ يجعل بعض المتابعين يعتقدون أن حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الحاسي، وحكومة الأزمة برئاسة عبد الثني، قد تتفقان بشكل منفرد على مسألة أن مخرجات الحوار في غير صالحهما، وقد يصل بهما هذا الاعتقاد إلى حد محاولة إفشال الحوار الدائر، ما لم يحصلا على ضمانات ببقائهما في الحكومة الجديدة. إلا أن كلا الحكومتين سواء في مدينة البيضاء شرقي ليبيا، أو في العاصمة طرابلس، لا تملكان القوة أو التحالفات أو المال اللازم لأي نوع من أنواع المناورة السياسية لضمان تصدرهما أي مشهد سياسي جديد في ليبيا.

ثمة معضلة أخرى تواجه الحوار المزمع عقده، بين البرلمانَين، وهي أن المؤيدين من أعضاء مجلس النواب المنحل في طبرق لعملية الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر، وكذلك أعضاء حزب تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل، سيدفعون من جانبهم إلى محاولة إفشال المفاوضات الجارية، ما لم يحصلوا على ضمانات بأن يكون رأسي "الكرامة" و"التحالف" ضمن المعادلة الجديدة. في نهاية المطاف، هناك العديد من المصالح المتعارضة مع نجاح الحوار سواء داخل تحالف مجلس النواب الليبي المنحل في طبرق، أو بين المكونات المؤيدة للمؤتمر الوطني العام، وهي صعوبات بعضها يتعلق بضمانات البقاء على رأس المشهد الليبي، أو في موقع القلب منه على أقل تقدير.
المساهمون