منع أنشطة "العدالة والتنمية" المغربي: الداخلية أقوى من الحكومة؟

02 يناير 2020
مناصرون لـ"العدالة والتنمية" عقب فوزه بانتخابات 2016(فاضل سنّة/فرانس برس)
+ الخط -
عادت إلى واجهة الأحداث السياسية المغربية، في الفترة الأخيرة، ظاهرة منع السلطات المحلية أنشطةً ينظّمها حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة، بهدف التواصل المباشرة مع المواطنين. وفجّر المكتبان المحليان التابعان للحزب في منطقة يعقوب المنصور في العاصمة الرباط، هذا الموضوع، نهاية الأسبوع الماضي، حين أصدرا بيان غضب واحتجاج، بعد منع السلطات المحلية نشاطاً هو عبارة عن أيام مفتوحة للتواصل بين ممثلي الحزب محلياً والمواطنين، وكان هذا النشاط سيستقبل بعضاً من وزراء الحزب لتأطير اللقاءات المباشرة مع السكان.
وجاءت هذه الواقعة لتذكّر من جديد بمفارقة سياسية، تتمثّل في خضوع الحزب الذي يقود الحكومة، ويفترض فيه أن يحوز كل السلطات، بما فيها تلك التابعة لوزارة الداخلية، لقرارات منع يصدرها موظفو هذه الأخيرة. وتُفسّر هذه المفارقة بكون وزارة الداخلية تُعتبر تاريخياً تابعة لـ"الدولة" كواحدة من الوزارات السيادية التي يختار الملك وزراءها من خارج الأحزاب السياسية. وعلى الرغم من أنّ الدستور الحالي للمغرب، والذي صدر عام 2011 بفعل احتجاجات الربيع العربي، يعتبر رئيس الحكومة صاحب سلطة حكومية تشمل كل الوزارات والإدارات، إلا أنّ الممارسة العملية أظهرت أنّ وزارة الداخلية التي تشرف على السلطات الأمنية وتسهر على شؤون الحقل السياسي، لم تخضع بالكامل لسلطة رئيس الحكومة وبقيت فوق الأحزاب.
وكان يفترض أن ينطلق نشاط حزب "العدالة والتنمية" يوم الجمعة، في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويستمر ثلاثة أيام، أي لغاية يوم الأحد الماضي، وذلك وفقاً لنظام اعتاد الحزب الإسلامي على القيام به في السنوات الأربع الماضية. وقام المسؤولون المحليون للحزب، ببناء خيمة كبرى في إحدى ساحات منطقة يعقوب المنصور، وتعاقدوا مع جهات توفر خدمات لوجستية من قبيل الكراسي والمعدات اللازمة لاستقبال المواطنين، ثمّ أبلغوا السلطات المحلية كما هو معتاد. لكنهم فوجئوا هذه المرة بحضور ممثلين للسلطات إلى المكان عشية موعد الافتتاح، لإبلاغهم بقرار شفوي يقضي بمنع هذا النشاط، من دون تقديم مبررات قانونية، وهو ما جعل المنظمين الذين أعدوا لافتات كُتب عليها شعار "الأحزاب السياسية الجادة دعامة أساسية للديمقراطية المحلية"، ينظّمون وقفة احتجاجية في المكان المخصص لهذا النشاط، وإلقاء كلمات استنكارية، ثمّ المغادرة من دون تنظيم النشاط التواصلي.
المكتبان المحليان للحزب في منطقة يعقوب المنصور، قالا في بيانهما المشترك إنهما يدينان بقوة "المنع الشفهي لحزب سياسي من القيام بدوره في توجيه المواطنين والمواطنات، طبقاً للمقتضيات الدستورية والقوانين الجاري العمل بها". وأضافا أنهما يعتبران قرار المنع "تعسفياً وخارج القانون، ويشكّل خرقاً للمقتضيات الدستورية والقانونية والخطب الملكية التي تدعو الأحزاب السياسية إلى القيام بدورها الأساسي في تأطير المواطنين والمواطنات".

ولا تعتبر هذه الواقعة استثناءً، بل أعادت إلى الأذهان سوابق مماثلة لها جرت طيلة السنوات الأخيرة، إذ لم يمنع وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى رئاسة الحكومة منذ انتخابات العام 2011، من استمرار تعرّضه لقرارات السلطات بمنع أنشطته، بما فيها تلك التي ينظمها أو يحضرها وزراؤه. ولعلّ أشهر هذه الوقائع على الإطلاق، هي التي تتعلّق بمنع رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، من إلقاء خطاب أمام الجمهور في ساحة وسط مدينة طنجة، صيف العام 2012. وتكرّر هذا الأمر مرات عدة، منها قرار منع لقاء كان يشارك فيه الوزير والمتحدث الرسمي السابق باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في مدينة اشتوكة، حيث تمّ إلغاء تجمّع خطابي لاعتبارات أمنية.
في السياق، قال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار منع الأيام المفتوحة في منطقة يعقوب المنصور نهاية الأسبوع الماضي لم يكن الوحيد، "بل جرى منع الكثير من الأنشطة في الفترة الأخيرة، خصوصاً تلك التي ترتبط بتشجيع المواطنين على تسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية". وأشار المصدر إلى واحدة من أبرز أسباب التوتر بين السلطات التابعة لوزارة الداخلية وحزب "العدالة والتنمية"، إذ كانت شبيبة هذا الأخير تنظم حملات سنوية كبرى لتشجيع المواطنين على تسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية في الفترات المخصصة قانونياً لذلك، إلا أنّ السلطات كانت تتدخّل بقوة لمنعها، باعتبارها حملات "انتخابية" تسمح لحزب "العدالة والتنمية" باستقطاب كتلة ناخبة مقربة منه إلى لوائح الناخبين. كما ربط المصدر نفسه بين قرارات المنع، وبين انتقادات وجّهها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، القيادي في حزب "العدالة والتنمية" المصطفى الرميد، في وقت سابق، لوزارة الداخلية بشأن حرمانها بعض الجمعيات من الاعتراف القانوني.
من جهتها، تجنّبت قيادة حزب "المصباح" (كما شعاره) التي اجتمعت بداية الأسبوع الحالي، برئاسة الأمين العام، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، التصعيد، كما كان يحدث في الفترة السابقة التي كان بنكيران يقود فيها الحزب. وعبّرت الأمانة العامة لـ"العدالة والتنمية" بعد هذا الاجتماع، عن "قلقها إزاء بعض القرارات التي تبقى محدودة ومعدودة لبعض رجال السلطة، والتي لم تحترم مقتضيات القانون، وكان فيها تضييق على بعض أنشطة الحزب"، حسب ما نقله الموقع الرسمي لـ"العدالة والتنمية".
وفي تصريح مصوّر أدلى به نائب الأمين العام سليمان العمراني، للموقع نفسه، قال إنّ الأمانة العامة تداولت خلال اجتماعها الذي عُقد مساء الإثنين، مسألة التضييق على بعض أنشطة الحزب، "واعتبرت خلال نقاشها أن هذا التضييق والمنع على قلته، يمسّ بجوهر أدوار الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين". وأكد العمراني تنويه الأمانة العامة بالدينامية التواصلية والتأطيرية التي يقوم بها الحزب على المستوى الوطني، موضحاً أنّ هذه الدينامية "هي مصدر افتخار واعتزاز بالنسبة للأمانة العامة".

المساهمون