منذ تسع سنوات، لا تعرف أم الفتى محمد أبو خضير النوم سوى ساعتين فقط في اليوم، تصلي الفجر وتغفو ساعتين حتى الصباح. كان هذا نمط الحياة المؤلم الذي اختاره لها المستوطنون عندما اختطفوا ابنها محمد في الليل وأحرقوه حياً، كما يقول والد الفتى في ذكرى الجريمة البشعة، الثاني من يوليو/تموز من عام 2014.
الألم الذي ذاقه الفتى بينما النيران تأكل جسده حتى الموت، لا يزال يسري في قلوب عائلته، حتى يومنا هذا، ويحرم والدته النوم.
كان الفتى قد أنهى للتو سحورا رمضانيا، وغادر منزل عائلته في بلدة شعفاط شمالي القدس المحتلة، منتظرا فتح أبواب مسجد البلدة ليؤدي صلاة الفجر. في تلك الأثناء، اعترضه مستوطنون إرهابيون واختطفوه إلى غابة في قرية دير ياسين المهجرة غربي القدس المحتلة. وهناك سكبوا عليه البنزين ثم أشعلوا النيران فيه حياً، ليرتقي شهيدا في جريمة أشعلت هبّة شعبية فلسطينية، سميت بهبة الشهيد محمد أبو خضير، واجتاحت عموم فلسطين.
في منزل العائلة، ورغم مرور 9 سنوات، تبدو آثار الفاجعة واضحة، من ملامح والديه والحشرجة في صوتهما. قال الوالد لـ"العربي الجديد": "تسع سنوات مرت وكأنها تسعون عاما، لا ننسى ولدنا أبداً، ولن نسامح ولن نغفر لقتلته الفاشيين الذين لم يتورعوا عن حرقه وقتله بطريقة بشعة، وكرروا جريمة الحرق لاحقا مع عائلة دوابشة".
ويضيف الوالد المكلوم في الذكرى الأليمة: "إنها (الذكرى) تعطينا قوة وعزيمة وصبرا، وما حدث مع محمد يمكن أن يحدث مع أي إنسان آخر. أم محمد ومنذ تسع سنوات لا تنام ليلا. ساعتان فقط تنامهما. تصلي الفجر الساعة الخامسة وتنهض عند الساعة السابعة. ليس هيناً حرق إنسان بالبنزين وهو حي. لم يفعل مثل ذلك سوى النازيين".
ويكشف الوالد أن أشخاصا من طرف القتلة حضروا قبل أيام إلى منزل العائلة، وطلبوا من والدة الشهيد أبو خضير العفو عن القتلة ومسامحتهم. كان جوابها لهم أن "لا مانع لديها ولكن بشرط واحد، أن يعيدوا لها محمد حيا".
بعد 9 سنوات من إحراق الفتى أبو خضير، حاول المستوطنون إحراق قرى فلسطينية بأكملها خلال موجة هجمات إرهابية استهدفت شتى مناطق الضفة الغربية المحتلة، في الأسابيع الأخيرة.
مثل هذه الهجمات، تعيد ذاكرة والدي الشهيد أبو خضير المكلومين إلى ما حدث مع ابنهما، كما يقول والده.
"كلما سقط شهيد، أتذكر ابني محمد. بعد 9 سنوات ما زلت أعيش وجع فراقه"، تقول الأم.
وكانت محكمة إسرائيلية أصدرت بعد عامين من الجريمة، حكما بالسجن المؤبد على المستوطن بن دافيد، العقل المدبر، وهي العقوبة القصوى. كما حكمت عليه بالسجن 20 عاما أخرى لإدانته بجرائم أخرى، مع دفع تعويض مقداره 150 ألف (شيكل) لعائلة الضحية.
في حين حكمت المحكمة في 4 فبراير/شباط عام 2018، على شريكيه اللذين كانا قاصرين عند وقوع الجريمة، بالسجن المؤبد لأحدهما و21 عاما للثاني.
وتقول والدة الفتى الشهيد، إن الأحكام المخففة التي صدرت كانت بمثابة قتل ثان لابنها. "مثلما حكموا على ابني بالقتل مدى الحياة، أريد أن يحكم عليهم بالسجن مدى الحياة"، أضافت.