ترأس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نيابة عن والده الملك سلمان بن عبد العزيز، اجتماع القمة الخليجية في دورتها الثالثة والأربعين في العاصمة السعودية الرياض، اليوم الجمعة، ثمّ قمة أخرى صينية خليجية بمشاركة قادة وممثلي الخليج، على أن تُعقد قمة ثالثة خليجية عربية بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي ينهي اليوم زيارة يجريها إلى السعودية.
وقال بن سلمان في قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية: "قمتنا تؤسس لانطلاق تاريخ جديد للعلاقة بين السعودية والصين، تهدف لتعميق التعاون في جميع المجالات وتنسيق وجهات النظر حيال القضايا الإقليمية والدولية". ولفت إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر الصين "شريكاً أساسياً مهماً لها، وتولي أهمية قصوى لرفع مستوى الشراكة الاستراتيجية معها".
وأشار ولي العهد السعودي إلى أن دول المجلس "تهتم بالعمل جنباً إلى جنب مع الصين لاستكشاف سبل عملية لمواجهة التحديات العالمية، بما فيها الأمن الغذائي، وتحسين تكامل سلاسل الإمداد العالمية، وأمن الطاقة".
وقال: "تستمرّ دول مجلس التعاون الخليجي في بذل كلّ الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما تدعم الحوار والحلول السياسية لكل التوترات والنزاعات الإقليمية والدولية"، مشدداً على ضرورة "خروج المليشيات والمرتزقة من كلّ الدول العربية، ووقف التدخلات الخارجية في شؤونها".
بدوره، قال الرئيس الصيني، في كلمته، إن الصين ستواصل دعمها الثابت لدول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على أمنها، وتدعم دول المنطقة لحلّ الخلافات عبر الحوار والتشاور. وقال: "نرحب بمجلس التعاون الخليجي للمشاركة في مبادرة الأمن العالمي للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة بجهود مشتركة".
وأكد أن الصين ستواصل استيراد النفط الخام بشكل مستقر وبكمية كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة استيراد الغاز الطبيعي المسال منها.
القمة الخليجية: رفض التدخل في شؤون الدول
وكان بن سلمان هنأ، في وقت سابق، في كلمته خلال افتتاح القمة الخليجية، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمناسبة النجاح المتميز في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم مونديال قطر 2022.
وقال إنّ السعودية تعتزم تقديم "رؤية جديدة" لتعزيز تطوير العمل الخليجي، متعهداً بأنّ دول مجلس الخليج ستظل مصدراً موثوقاً به لتزويد العالم بما يحتاجه من الطاقة.
وقال ولي عهد السعودية: "أقرّ المجلس في الدورة السادسة والثلاثين عام 2015 رؤية خادم الحرمين الشريفين بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك، وقد أسهمت الرؤية في تعزيز الدور الاستراتيجي لمجلس التعاون إقليمياً وعالمياً، وتسريع وتيرة مسيرة المجلس في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية"، لافتاً إلى أن السعودية تعتزم تقديم مرحلة ثانية من هذه الرؤية، بما يأخذ بعين الاعتبار المستجدات الجيو-سياسية في المنطقة.
وأضاف: "نحن على ثقة بأن التعاون الوثيق بين دولنا سيؤدي إلى تحقيق الأهداف المنشودة بسرعة".
أكد البيان الختامي للقمة الخليجية دعمه لقرارات مجموعة أوبك+ الهادفة إلى تحقيق التوازن في أسواق النفط
وشدد بن سلمان في كلمته على ضرورة التزام إيران بالمواثيق والمبادئ الدولية، والوفاء بالتزاماتها النووية، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحفاظ على مبدأ حسن الجوار.
وإذ أكد ضرورة وجود "حلّ دائم وعادل للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية"، جدّد دعم بلاده الكامل للجهود الأممية للوصول إلى حلّ سياسي شامل للأزمة اليمنية، تماشياً مع مبادرة المملكة لإنهاء الأزمة، وفقاً للمرجعيات الثلاث.
وأكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في البيان الختامي لدورته الثالثة والأربعين، "دعمه قرارات مجموعة أوبك+ الهادفة إلى تحقيق التوازن في أسواق النفط، وتعزيز الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة والعالم، ودعم النمو الاقتصادي العالمي".
وجدد المجلس، وفق البيان الختامي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، حرص دول المجلس على "الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، ودعم رخاء شعوبها، وتعزيز علاقات المجلس مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الإقليمية والدولية"، مؤكداً "احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية استناداً إلى المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وأن أمن دول المجلس رافد أساسي للأمن القومي العربي، وفقاً لميثاق جامعة الدول العربية".
كما أكد مواقف مجلس التعاون الرافضة التدخلات الأجنبية في الدول العربية من أي جهة كانت، ورفضه أي تهديد تتعرض له أي دولة عضو، مشدداً على أن "أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وفقاً لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي، والنظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك".
إلى ذلك، دان المجلس "استمرار إيران في دعم الجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية في العراق ولبنان وسورية واليمن وغيرها، التي تهدد الأمن القومي العربي وتزعزع الاستقرار في المنطقة، وتعيق عمل التحالف الدولي لمحاربة (داعش)".
كما أكد المجلس الأعلى ضرورة أن تشمل مفاوضات الملف النووي الإيراني، وأية مفاوضات مستقبلية مع إيران، "معالجة سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة، ورعايتها للإرهاب والمليشيات الطائفية، وبرنامجها الصاروخي، وسلامة الملاحة الدولية والمنشآت النفطية".
وأكد مواقفه الثابتة من مركزية القضية الفلسطينية، ودعمه سيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو/حزيران 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، داعياً المجتمع الدولي إلى "التدخل لوقف استهداف الوجود الفلسطيني في مدينة القدس، وطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية، ومحاولات تغيير طابعها القانوني وتركيبتها السكانية والترتيبات الخاصة بالأماكن المقدسة الإسلامية، ومحاولات فرض السيادة الإسرائيلية عليها في مخالفة صريحة للقانون الدولي والقرارات الدولية والاتفاقات القائمة المبرمة بهذا الشأن"، مؤكداً ضرورة الابتعاد عن الإجراءات الأحادية.
وعن تطورات الوضع في أوكرانيا والحرب الروسية عليها، أكد المجلس دعمه جهود الوساطة لحلّ الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ووقف إطلاق النار، وحل الأزمة سياسياً، وتغليب لغة الحوار، وتسوية النزاع من خلال المفاوضات.
القمة العربية الصينية.. تأكيد متانة العلاقات ودعوات لتعزيزها
قال أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، خلال القمة العربية الصينية في الرياض، إن انعقاد أول قمة صينية عربية يعكس أهمية العلاقة المشتركة، مشيرًا إلى رغبة في مد جسور التعاون مع الصين في كافة المجالات.
وأكد أبو الغيط أن توثيق التعاون العربي الصيني قد يطلق إمكانيات هائلة وواعدة، فيما أشار إلى أن العلاقات العربية الصينية تقف على أرضية صلبة.
وحول القضية الفلسطينية، شدد على ضرورة إطلاق عملية سلمية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
إلى ذلك، أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته، عن استيائه من الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، مؤكدا دعم بلاده إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، على أساس حل الدولتين.
وقال بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول": "لا يمكن استمرار الظلم التاريخي الذي يعاني منه الفلسطينيون ولا المساومة على الحقوق المشروعة"، مشيرا إلى ضرورة منح فلسطين "العضوية الكاملة في الأمم المتحدة".
وأضاف أن بكين "تدعم حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية".
على صعيد آخر، أشاد جين بينغ بمستوى العلاقات بين بلاده والدول العربية، واعتبر القمة الصينية - العربية المنعقدة في الرياض "حدث مفصلي في تاريخ العلاقات الصينية العربية".
وأوضح أن العلاقات بين الطرفين "تقوم على الاهتمام بالسلام والانسجام، والسعي وراء الحق والدعوة إلى الحوار بين الحضارات". ولفت إلى أن الدول العربية حاليا تدعو بشكل متزايد إلى ضرورة "تحقيق السلام والعدالة في العالم".
وفي السياق، حث جين بينغ المجتمع الدولي على احترام شعوب الشرق الأوسط.
وتابع: "يتعين على الجانبين الصيني والعربي تعزيز التضامن والتعاون وبناء مجتمع لمستقبل أوثق"، مضيفا "علينا أيضا التمسك سويا بمبدأ عدم التدخل في شؤون الغير".
بدوره، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن التعاون العربي الصيني تأسس على مواجهة التحديات وأولوية الأمن الدولي، داعيًا إلى ضرورة نقل وتوطين التكنولوجيا لتعزيز التنمية الاقتصادية.
ودعا السيسي إلى خفض الديون على الدول الأكثر تضررًا من أزمتي الطاقة والغذاء، وإنشاء صندوق للخسائر والأضرار لتعويض هذه الدول.
وقال السيسي إن السياسات الصينية المتوازنة محط تقدير واحترام في العالم العربي، مشددًا على ضرورة التنسيق مع الصين لمعالجة الأزمات الدولية.
وحول أزمة سد النهضة، دعا السيسي إثيوبيا إلى الانخراط في حل دائم للقضية، مشيرًا إلى أن الأمن المائي يشكل تهديدًا وجوديًا يجب وضعه على رأس أولويات التعاون.
من جانبه، قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إن الرئيس الصيني يعكس حرصا في تطوير العلاقات مع الدول العربية، فيما أشاد بالتعاون الصيني الموريتاني الذي يشمل عدة مجالات، بينها البنية التحتية.
وأعرب الرئيس الموريتاني عن أمله في أن تسهم القمة في تعميق التعاون العربي الصيني.
ودعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المجتمع الدولي إلى عدم التعامل مع أية حكومة إسرائيلية لا تعترف بمبادئ الشرعية الدولية.
وشدد على وجوب الاعتذار والتعويض من بريطانيا وأميركا للشعب الفلسطيني، بسبب إعلان بلفور، وصك الانتداب، وكذلك الاعتذار والتعويض من إسرائيل عما ارتكبته إبان النكبة من عشرات المذابح، وتدمير مئات القرى الفلسطينية، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم.
كما أكد وقوف فلسطين إلى جانب الصين بدعم سياستها للصين الواحدة، وفي مواجهة الحملات التي تستهدفها في المحافل الدولية كافة.
من جانبه، شدد الرئيس التونسي قيس سعيّد على أهمية التنمية الشاملة، محذرا من مخاطر ازدياد الفقر في عدد من الدول، داعيا إلى معالجة أسباب الفقر داخل الدول وعالميا على السواء.
وعُقدت قبيل القمم سلسلة لقاءات بين قادة الدول الخليجية والعربية، وأخرى بين قادة هذه الدول وشي جين بينغ، الذي يزور السعودية للمرة الأولى منذ 2016، في ثالث رحلة له إلى الخارج منذ دفعت جائحة كوفيد-19 الصين إلى إغلاق حدودها، والشروع في سلسلة من عمليات الإغلاق، ما أضر باقتصادها العملاق.
والتقى شي جين بينغ، الخميس، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ووقعا، بحضور ولي العهد، "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة والصين"، حسب ما أفادت به وكالة الأنباء السعودية.
وتُعقد القمة الخليجية سنوياً، واستضافت الرياض الدورة الـ42، بينما تتولى سلطنة عمان رئاسة دورتها الـ43.