كورونا يعطل إحياء ذكرى اعتصام الخرطوم

06 ابريل 2020
سقط نحو 100 قتيل في فضّ الاعتصام (الأناضول)
+ الخط -
منعت الإجراءات المتخذة من السلطات السودانية لمواجهة تفشي فيروس كورونا السودانيين من الترتيب للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى على بدء الاعتصام في محيط قيادة الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، وهو الاعتصام الذي أدى بعد 5 أيام إلى إطاحة الرئيس عمر البشير. غير أن تلك الإجراءات لم تمنع المواطنين من مراجعة وتقييم ما حصل خلال العام الماضي. وكان الحراك الثوري ضد نظام البشير قد بدأ في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بمواكب احتجاجية نهارية وليلية، شملت معظم المدن السودانية واستمرت لأكثر من 3 أشهر حتى قررت قوى إعلان الحرية والتغيير تنظيم اعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني، للضغط عليه من أجل التدخل والانحياز للخيار الشعبي بالإطاحة بالنظام، وحُدّد تاريخ 6 إبريل/ نيسان 2019 موعداً لبداية الاعتصام.

لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع نجاح الخطة، نسبة للترتيبات الأمنية الواسعة التي اتخذها النظام بإغلاق كل مداخل ومخارج القيادة العامة للجيش في وسط الخرطوم، لكن في اليوم الموعود نجح السودانيون في تجاوز كل المتاريس العسكرية أمام قيادة الجيش والاعتصام على مرمى حجر من مقر إقامة البشير، الذي بدأ يسمع للمرة الأولى الهتافات المطالبة برحيله، ثم أخذت الأعداد تتزايد لتضطر لجنة أمنية شكّلها البشير نفسه لإدارة الاحتجاجات إلى إعلان انحيازها للشعب في 11 إبريل الماضي واتخاذ قرار بعزل البشير وتعطيل العمل بالدستور وحل الحكومة والبرلمان. غير أن المعتصمين رفضوا ترؤس نائب البشير، الفريق أول عوض بن عوف المجلس العسكري الانتقالي، الذي تشكّل لقيادة المرحلة الانتقالية، ما اضطره للاستقالة ثم إعادة تكوين المجلس مجدداً.

في الأشهر اللاحقة ظلّ الاعتصام في مكانه وتطوّرت أدواته قبل السيطرة على مساحة واسعة في محيط قيادة الجيش، وكان الغرض من الاستمرارية فرض مزيد من الضغط على المجلس العسكري الانتقالي الذي ترأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لتنفيذ شروط ومطالب الثورة، في الحرية والسلام والعدالة وتشكيل حكومة مدنية تدير البلاد على أن يعود الجيش وقوات الدعم السريع الى الثكنات. تحت ذلك الضغط بادر المجلس العسكري إلى فض الاعتصام في الثالث من يونيو/ حزيران الماضي، لكن بكلفة بشرية بلغت أكثر من مائة قتيل وعشرات المفقودين مع ورود تقارير أخرى عن عمليات اغتصاب رافقت عملية الفض.

ويرافق الذكرى الأولى جدل واسع حول ما تحقق من نتائج الثورة السودانية ككل والقصاص لـ"دماء شهداء الثورة، وفي مقدمتهم شهداء ساحة الاعتصام". ويتباين التقييم ما بين الأسى وخيبة الأمل في حكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وسيطرة العسكر على مفاصل القرار والحالة المعيشية المتردية للسودانيين التي تفاقمت خلال الأشهر الماضية عدا التململ من تدخل محاور إقليمية في العملية السياسية، وما بين ما يصفه البعض بفشل حكومة لم يمضِ على تشكيلها سوى 7 أشهر وورثت تراكمات 30 عاماً من حكم البشير.

في السياق، يرى القيادي البارز في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، ساطع الحاج، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن ذكرى 6 إبريل تمثل في تجلياتها المطلقة انتصاراً للإرادة السودانية وميلاداً جديداً للشعب السوداني، وتأكيداً أن الشعب يسعى لتثبيت القيم الإنسانية التي تحترم الإنسان وكرامته، مشيراً إلى أن يوم الاعتصام هو ذروة الثورة وبداية عهد جديد. ويشدّد على أن الثورة السودانية، عكس ما يروّج له البعض، تمضي في الاتجاه الصحيح وتنفذ عبر حكومتها 16 مهمة حددتها الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/ آب الماضي، والتي تعد مقياساً لتقييم الأداء الحكومي. ويضيف الحاج أن "مسار القصاص لشهداء حادثة فض الاعتصام يتمّ بصورة طبيعية وواقعية، بعد تكوين لجنة وطنية مستقلة بدأت تحقيقاتها على أن تقدم نتائجها لاحقاً، ثم يخضع كل من تورط في قتل الشهداء للمحاكمة العادلة، باعتبار أن ذلك من أهم واجبات الحكومة الانتقالية وجزء رئيسي من مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية"، مبدداً الخوف والقلق والشكوك حول وجود تواطؤ في هذا الهدف.

لكن الناشط في الحراك الثوري الميداني معتز يوسف يذهب في حديثه لـ"العربي الجديد" عكس الحاج، معتبراً أن حكومة عبد الله حمدوك "لم تنجز واحداً في المائة من أهداف الثورة المجيدة، رغم التضحيات العظيمة التي قدمها شباب الثورة منذ بدايتها ومواكبها، مروراً بيوم بدء الاعتصام الذي نجحوا فيه بالوصول إلى قيادة الجيش وتنظيم اعتصامهم بأبهى صورة، عكست قيم الشعب السوداني النبيلة، وتحدوا الموت والاعتقال والترهيب"، نافياً بشدة أن يكون للأجهزة الأمنية أي دور في السماح للمعتصمين بالوصول إلى ساحة الاعتصام.

ويبدي يوسف أسفه الشديد لجهة عدم تحقيق مطالب الثورة وأولها تنحي نظام البشير، وهو أمر يراه أنه لم يحدث بعد، إذ لا تزال اللجنة الأمنية التي شكلها النظام تدير البلاد في ظلّ امتلاكها صلاحيات ومهام تتجاوز صلاحيات الحكومة المدنية، وذلك في وقت لم يحدث فيه الإصلاح المطلوب في المؤسسات الأمنية، بينما استمر الموالون لنظام البشير في إدارة الدولة. ويشير إلى أن حكومة حمدوك تواصل إدارة البلاد بذات النسق الذي كان يقوم به نظام البشير بالاهتمام بموضوع العلاقات الخارجية، والتركيز على شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، متجاهلة ما يمكن أن تقوم به على المستوى الداخلي وعدم الاهتمام بمحاكمة رموز النظام السابق. ويلفت إلى أنه "على الرغم من مضي 7 أشهر، إلا أنه لم يتم القصاص لشهداء الثورة، فهناك تسويف في هذا الملف حتى من لجنة التحقيق في جريمة فض الاعتصام"، معتبراً أنه "لم يعد أمام حكومة حمدوك من خيار سوى تصحيح مسارها وترك نهج الهبوط الناعم أو الاستقالة، وإلا ستكون هناك ثورة ثانية تعيد الأمور إلى نصابها".

من جهته يركز الصحافي، بكري المدني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على جدل الخيانة داخل نظام البشير والتي أشار إليها البعض في نجاح الاعتصام، ويقول "لا أعتقد أن في الأمر خيانة، بل إن قيادة القوات النظامية تأخرت كثيراً في الاستجابة لمطلب الشارع المنادي بالتغيير، والذي قدم لأجله العديد من الشهداء والجرحى. فالرئيس السابق أغلق عينيه وصمّ أذنيه عن رغبة الشعب السوداني وتمادى في سياسة فرض نفسه رئيساً، متحدياً الأصوات الداخلية في حزبه، التي تواصلت معه، مع تآكل نظامه نتيجة الأزمات الكبيرة". وبرأي المدني، كانت "خطوة اللجنة الأمنية للنظام السابق برئاسة الفريق أول عوض بن عوف صحيحة، وإن تأخّرت، وأرى فيها شجاعة وبطولة لا خيانة، فالانحياز كان للشعب على حساب الفرد". وحسب معلومات المدني، فإن الفريق صلاح قوش هو من سهّل، وربما وجّه، مسيرة السادس من إبريل، للوصول إلى هذه المنطقة العسكرية الحساسة، ليعطي مبرراً للتغيير العتيد والذي لعبت فيه اللجنة الأمنية الدور المكمل للثورة، من خلال إعلان انحياز القوات النظامية للشعب أو استجابتها لرغبته في التغيير، وذلك بوضع الرئيس السابق أمام الأمر الواقع".

المساهمون