رفض دولي لاستمرار الحرب: هل يعيش حفتر آخر فصوله في المشهد الليبي؟

13 فبراير 2020
تشير الظروف إلى رغبة حفتر بالتصعيد (آريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من مرور أكثر من 12 ساعة على اعتماد مجلس الأمن قراراً لوقف إطلاق النار في ليبيا، لم يصدر عن قيادة قوات حفتر أي تعليق، فيما أكدت عملية "بركان الغضب" استمرار "مليشياته في خرق كل مطالب وقف إطلاق النار"، تزامناً مع إعلان إدارة الملاحة الجوية عن وقف "تعليق الرحلات بمطار معيتيقة بعد تعرضه للقصف"، ظهر اليوم الخميس.

وكان مجلس الأمن اعتمد مشروع القرار البريطاني الداعي لدعم مخرجات قمة برلين بشأن ليبيا، ووقف إطلاق النار. وطالب القرار الذي صوتت عليه أربع عشرة دولة، وامتنعت روسيا عن التصويت عليه، بضرورة التزام أطراف النزاع الليبي بوقف إطلاق النار، وتقيّد المجتمع الدولي بتنفيذ الحظر المفروض على السلاح.
وبينما أكدت إدارة الملاحة الجوية بطرابلس تعرض مطار معيتيقة لقصف بصواريخ عشوائية، ظهر اليوم الخميس، و"تعليق الرحلات الجوية"، أوضح المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، أن قوات حفتر أطلقت قذائف هاون بكثافة صباح اليوم الخميس، ما اضطر إلى الردّ عليها لوقفها.

وأوضح المدني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مليشيات حفتر أطلقت قذائف هاون بشكل كثيف، واضطرت وحدات الجيش لشنّ هجوم على مصدر النيران في منطقة المشروع، لوقفها عن قصف الأحياء المدنية"، مشيراً إلى أن قوات الحكومة استولت أثناء هذه العملية على آليتين.
وتناقلت وسائل إعلام محلية، ليل أمس الأربعاء، صوراً تظهر أضراراً بليغة لحقت بأحد المقاهي في طريق الشوك القريب من حي صلاح الدين، بسبب سقوط قذيفة عشوائية عليه، فيما قالت وزارة الصحة إن مواطناً قُتل من رواد المقهى جراء القذيفة.
وبيّنت الوزارة، في بيان لها ليل أمس الأربعاء، أن خمسة مدنيين أصيبوا جراء سقوط قذائف عشوائية أخرى، ظهراً، على حي مجاور لجامعة طرابلس، من دون أن يسفر الأمر عن سقوط قتلى.
وفي أول تعليق للحكومة على قرار مجلس الأمن، أكد وزير الخارجية بحكومة الوفاق محمد سيالة، أن المهم فيه "هو تنفيذه وتطبيقه". وأعرب، في تصريح نشره المكتب الاعلامي للوزارة على صفحته الرسمية، عن ترحيب الحكومة بالقرار، قائلاً: "كنا نأمل أن يكون بالإجماع"، وتابع: "المهم في قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار جنوب العاصمة طرابلس، هو تنفيذ وتطبيق هذا القرار".
وبينما رحبت البعثة الأممية باعتماد "مجلس الأمن للقرار 2510 (2020) الذي يصادق على نتائج المؤتمر الدولي حول ليبيا، والذي عُقد في برلين، ويؤكد الحاجة إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار"، اعتبرت ألمانيا أن القرار "خطوة حقيقية لإنهاء الصراع في ليبيا".
وقال وزير خارجية ألمانيا، وفق بيان نشره موقع وزارته: "بنجاحنا اليوم بتبني نتائج مؤتمر برلين، اتخذنا خطوة حقيقية لإنهاء الصراع في ليبيا، وبهذا أصبحت نتائج مؤتمر برلين حول ليبيا إلزامية للجميع".


ويعلّق المحلّل السياسي الليبي، مروان ذويب لـ"العربي الجديد"، بالقول إن البعثة الأممية في ليبيا هي "أكثر الجهات الدولية دراية بالواقع على الأرض، وبإمكانية التزام الأطراف بأي قرار أممي، ولا أعتقد أنها تعترف بأن حفتر سيلتزم به"، معتبراً أن القرار جاء في وقت متأخر جداً.

وأضاف: "حفتر الذي لا يزال غائباً حتى الآن، يحشد الأسلحة من خلال جسر جوي ربطت به الإمارات بين قاعدتَي الظفرة والخادم شرق ليبيا، جهاراً نهاراً، وبكل تأكيد هو لن يلتزم ما دامت تلك الدول تقدم له الحماية والدعم".
وفي أول مؤشرات التأجيج وتقديم الحجج، نشرت وسائل إعلام موالية لحفتر أنباء عن استعداد قوات حكومة الوفاق لتنفيذ هجوم على مدينة سرت. ونقلت قناة "الحدث" الموالية لحفتر عن مّا وصفتها بمصادر عسكرية، قولها إن "مليشيات الحكومة تستغل الهدنة لشن هجوم وشيك على مدينة سرت"، مشيرة إلى اطلاعها على خطط تجهزها قوات الحكومة لـ"الهجوم على سرت، ومن ثم منطقة الهلال النفطي المجاورة لها"، فيما نفى المدني هذه الأنباء، مؤكداً أن أقصى حدّ للأوامر العسكرية يقف عند حدّ الاستعداد لصدّ أي تقدم ووقف أي اختراق، مؤكداً التزام قوات الحكومة بالقرارات الدولية.
أمّا الباحث الليبي في الشؤون السياسية، بلقاسم كشادة، فيرى من جهته أنه ستترتّب على القرار الأممي آثار جديدة، مشيراً إلى كلمة مندوبة الولايات المتحدة الأميركية بمجلس الأمن، التي تزامنت مع كلمة مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، التي أكد فيها أنّ "الوقت حان لكي يواجه من يخالف قرارات مجلس الأمن عواقب تصرفاته".
وحفلت كلمة شينكر بالإشادة بموقف حكومة الوفاق في مكافحة الإرهاب، مؤكداً اعتراف بلاده بها كطرف شرعي، ورفض الاعتراف بحفتر، وخصوصاً "الحملة العسكرية التي يشنها على طرابلس"، بل اعتبر شينكر أن "التدخل التركي في ليبيا أبطأ من تقدم حفتر وداعميه من المرتزقة، وأثمر عن ظروف أفضل للدخول في مفاوضات"، مشيراً إلى أن أنقرة لا تزال ملتزمة بمخرجات برلين، وأن مساعدتها لحكومة الوفاق ردّ على تصعيد الدول الداعمة لحفتر.
أما نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية كريستوفر روبنسون، فقد اتهم روسيا بالإصرار على استخدام وكلائها، ولاسيما مرتزقة "فاغنر"، لفرض إرادتها، مؤكداً في كلمته في الجلسة نفسها برفقة شينكر، أن دعم موسكو لحفتر شجعه على الاستمرار في عدوانه، وساهم في استمرار النزاع المسلح في ليبيا.


هذه المواقف اعتبرها كشادة، متغيراً جديداً، يؤشر على تحرك أميركي أكثر جدية في الملف الليبي، محذراً من انجراف الساحة الليبية إلى حرب أكثر قسوة، في الوقت الذي صعّدت فيه واشنطن من لهجة اتهاماتها لموسكو، وإمكانية أن تنخرط الأخيرة في دعم أكثر صراحة وعلانية لحفتر. وتابع: "موقف موسكو من القرار الأممي واضح، فهي غير راغبة في صدوره، وعرقلته أكثر من مرة"، لافتاً إلى أن الإصرار الأميركي، والموقف البريطاني من خلال تبني لندن لمشروع القرار، سيضعفان من تحالف حفتر، خصوصاً أن دولاً، مثل الإمارات ومصر، لا يمكنها تجاوز رغبة الدولتين الأقويين بمجلس الأمن.

واعتبر كشادة أن كل الظروف الحالية، على الرغم من قبول حفتر بانخراط ممثليه في محادثات جنيف العسكرية، تشير إلى رغبته في التصعيد، والعودة للقتال تحت أي حجة، مقابل المواقف الدولية الجديدة الرافضة لاستمرار حربه، وضعف يهدّد قوة حلفائه، مشيراً إلى أن "حفتر قد يكون يعيش الفصول الأخيرة من وجوده في المشهد في ليبيا".

المساهمون