"جهاد البناء"... ذراع إيران "الاقتصادية والخيرية" للقبض على سورية

12 يوليو 2019
أحد عمال "جهاد البناء" (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
في إطار خططها للتغلغل وسط المجتمع السوري وترسيخ علاقاتها مع القاعدة الشعبية، تستغل إيران العمل الخيري والاجتماعي لتحقيق أهدافها والتموضع مكان السلطات الاقتصادية والاجتماعية السورية، لا سيما في المناطق التي تعتبرها ذات أهمية دينية واستراتيجية. استراتيجيّة تعتمدها إيران لنسج ارتباط مع البنى الاجتماعية والاقتصادية، وخلق بيئة حاضنة، وإعادة تشكيل هذه البنى وفق مصالحها، ما يضمن استمرارا لنفوذها في البلاد، ويصعّب فكّ الارتباط بها.

فمن بين نحو 12 منظمة اقتصادية واجتماعية و"خيرية" تعمل تحت إمرة إيران في سورية، تعتبر منظمة "جهاد البناء" الأكثر فاعلية، ولها حضور متزايد في العديد من المدن السورية، من حلب شمالاً الى درعا والقنيطرة جنوباً، ومن البوكمال شرقاً إلى ساحل البحر المتوسط غرباً.

وتأسست المنظمة، التي تعتبر الجناح "الخيري والاجتماعي التنموي" لـحزب الله اللبناني في لبنان عام 1988، ومقرها الرئيسي في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولديها روابط مع قوات الدفاع المحلية في سورية، والحرس الثوري الإيراني. وقد أسهمت سابقا في إعادة إعمار جنوب العاصمة اللبنانية بيروت بعد حرب عام 2006، قبل أن تصنفها الولايات المتحدة الأميركية منظمةً إرهابية عالمية.

وتنفذ المنظمة مشروعات كبيرة في سورية، من ضمنها إعادة بناء المدارس والطرق والبنية التحتية في حلب ودير الزور ومدن أخرى، فضلاً عن تقديم مساعدات لعائلات المقاتلين السوريين ضمن المليشيات الموالية لطهران.

ويصف الفرع السوري للمنظمة، الواقع في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، نفسه بأنه "خدمي تنموي ومستقل"، وتشمل أنشطته بناء وإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس في حلب وحمص ودير الزور، وترميم منازل أسر قتلى مسلّحي النظام في حمص، إضافة إلى توفير الغذاء للسكان المحليين، وتنظيف أحياء بأكملها لتسهيل عودة النازحين.

كما ساعدت المنظمة الإيرانية على اكتساب أراض جديدة، خاصةً بالقرب من الأماكن الدينية الشيعية حول دمشق ودير الزور وحلب، كجزء من مهمتها لتحقيق قدر من التغيير الديموغرافي في سورية.

 ففي حلب، افتتحت المنظمة نهاية العام 2017 "مستشفى شهداء حلب" وقدمت لبعض جرحى قوات النظام وعناصر المليشيات كراسي كهربائية وهدايا أخرى. وفي يوليو/ تموز الماضي، أنشأت المنظمة محطة تحويل للطاقة قرب بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، تقدر تكلفتها بأكثر من مليونَي دولار، كما أعادت تأهيل مدارس في بلدة نبّل ذات الأغلبية الشيعية في محافظة حلب، التي خضعت لحصارٍ من قبل المعارضة، وتقوم أيضا ببناء مشفى جديد فيها.

ويتمحور النشاط الأبرز للمنظمة  في شرقي البلاد، وتحديدا في محافظة دير الزور، حيث افتتحت المنظمة مكتباً في مدينة البوكمال لتولي عملية شراء المنازل وإعادة الإعمار. وذكرت مصادر محلية، ومنها وكالة "الشرق السوري" أن المكتب يتولى عملية شراء المنازل وإعادة الإعمار، وتوزيع سلال غذائية على عناصر المليشيات الإيرانية، ووزعت المنظمة إعانات مادية وإغاثية للأهالي ومساعدات غذائية  كتب عليها "مساعدات الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الشعب السوري".

 ورأى المتحدث باسم المجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية مضر حماد الأسعد، أن المنظمة التي تتحرك تحت عناوين إنسانية، تعمل في الحقيقة على شراء العقارات في مدينة دير الزور، مشيرا إلى أن "إيران تنشط في المنطقة عبر هذه المنظمة وسواها للسيطرة على المعابر الحدودية بين سورية والعراق"، وأن وزارة الصناعة في دمشق هي التي تتولى تسهيل أنشطة المنظمة في الأراضي السورية.

وأوضح الأسعد في حديث لـ"العربي  الجديد" أن إيرج رهبر، نائب رئيس جمعية المقاولين في طهران، يشرف على عمل المنظمة في مدينة البوكمال وفق تعليمات الحرس الثوري الإيراني"، مشيرا إلى أن "النشاط الإيراني في استملاك العقارات في دير الزور بدأ بسرعة بعد سيطرة قوات النظام على المدينة، حيث يقوم مندوبون عن المنظمة بدفع مبالغ كبيرة مقابل تملك المنازل والمحلات التجارية بأوراق رسمية".

وسبق أن افتتحت منظمة "جهاد البناء" مشفى ميدانياً في حي القصور بمدينة دير الزور، نهاية العام الفائت، حيث رافقت المنظمة قوات النظام والمليشيات الإيرانية خلال معركة السيطرة على مدينة دير الزور، وتعتبر ذراع تلك المليشيات في تحقيق عملية "التغيير الديموغرافي" وفق ما يقوله ناشطون محليون.

وأوضح ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن المنظمة تقوم بشراء العقارات المدمرة وإعادة إعمارها، في إطار مساعيها للسيطرة على النازحين السوريين من خلال إعادتهم إلى بيوتهم ومنحهم معونات إغاثية ومساعدات للإعمار ضمن خطة خلق بيئة حاضنة للوجود الإيراني هناك، حيث ينشط وسطاء بين المنظمة والنازحين لإعادتهم إلى منازلهم بجهود منفصلة عن النظام السوري، فيما يتم توزيع بعض المنازل لإيواء عناصر المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، مثل حزب الله اللبناني وكتائب الفاطميون الأفغانية وحركة النجباء العراقية.

كما تظهر إيران اهتماما خاصا بمنطقة البوكمال المحاذية لحدود العراق، بعد إعادة السيطرة على المنطقة صيف العام الماضي وطرد تنظيم "داعش" منها،  بغية العمل على فتح معبر البوكمال وخط بري يصل بين طهران ودمشق.
وفي جنوب البلاد، تنشط منظمة "جهاد البناء" في ترميم مسجد المقداد بن الأسود الكندي في ضاحية ببيلا جنوب دمشق. كما سعت إلى تأسيس وجود لها في درعا والقنيطرة. 

وقال الناشط الإعلامي المتحدر من شرقي سورية، جميل العبد، في صفحته على فيسبوك: "نجحت المنظمة في التوغل "الناعم" في عمق المجتمع السوري خاصة في محافظة دير الزور، من خلال كسب السكان عبر تقديم مساعدات عينية ونقدية لهم"؛ مشيرا إلى أنه بعد انحسار سلطة قوات النظام في المدينة لصالح المليشيات المدعومة من إيران بعد صدامات متكررة بينهما في الفترات الأخيرة، زاد كثيرا نفوذ المنظمة في شرق البلاد، وباتت تقريبا البديل الاقتصادي والاجتماعي عن "الدولة"، فيما تمثل المليشيات الإيرانية البديل الأمني والعسكري، لافتا إلى أن المنظمة افتتحت مستشفى مجانيا بحي القصور في وسط مدينة دير الزور، ومركزا صحيا ضخما في مدينة البو كمال. 

وفي مؤشر على أن المنظمة لا تستهدف حقيقة مساعدة الأهالي، بل استمالتهم بهدف السيطرة عليهم، فقد منعت "جهاد البناء" المنظمات الإغاثية والتربوية الأخرى من العمل في المنطقة، واعتنق العديد من سكان القرى والبلدات في ريف دير الزور، مثل حطلة ومراط، التشيع لضمان مواصلة تلقي المساعدات من المنظمة.

المساهمون