وأضافت المصادر أن مصر أسقطت تماماً تمسكها السابق بوصول 49 مليار متر مكعب من المياه إلى بحيرة السدّ العالي، بصيغة واضحة غير ملتبسة، ما أعطى المفاوضات دفعة حقيقية، ودفعت وزير الري الإثيوبي سيليشيبي كيلي، الذي كان يُعَدّ من أصحاب المواقف المتشددة في الجولات الماضية، إلى إبداء مرونة غير مسبوقة، تتمثل بإعلان الموعد الفعلي لبدء تخزين المياه في بحيرة السدّ الرئيسية.
ووفقاً للمصادر، فإنه على الرغم من تخلي مصر عن تمسكها القديم باتفاقيات النيل التي لم تكن إثيوبيا طرفاً فيها، فضلاً عن تخليها عن مقترحاتها السابقة بضمان التدفق لكميات قطعية من المياه سنوياً، وبدلاً من ذلك الاعتماد على هيدرولوجيا النيل الأزرق، إلا أن إثيوبيا لم تكن واثقة تماماً في مسألة إسقاط المقترحات السابقة وعدم طرحها من جديد، وهو ما تبدد في اجتماع الخرطوم.
وأشارت المصادر إلى أنه إزاء إبراز الإعلام المصري العبارة التي قالها وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي عن تراجع مصر عن بعض مواقفها السابقة، وحديث الجانب الإثيوبي عن تمرير 35 مليار متر مكعب فقط، أصدر الجانب المصري عدة بيانات إعلامية خلال اليومين الماضيين لإعلان تمسكه بتدفق 40 مليار متر مكعب. وذكرت المصادر أن مصر تؤمن بأن اتباع المقترح الجديد بالقياس على أساس فيضان النيل الأزرق سيفتح الباب لاستفادة مصر ببواقي الفيضان، وذلك بعد استفادة إثيوبيا بالمياه المطلوبة لملء الخزان الرئيسي للسد، مع الابتعاد تماماً عن فكرة "المدة القطعية لزمن الملء الأول للخزان"، واتباع آلية مشتركة لتحديد الكميات المحجوزة وفقاً لسنوات الجفاف والفيضان.
وسبق أن قالت مصادر "العربي الجديد" إن إعادة النظر التي تحدث عنها وزير الري المصري ترتبط بموضوعين أساسيين: الأول، أن يتم الاتفاق على آلية ترشيد الحجز في فترات الجفاف فقط، وليس في فترات الفيضان والرخاء. والأمر الثاني، تحديد سلطة اتخاذ القرار وتطبيقه، حيث تتجه المفاوضات لأن تكون إثيوبيا الدولة المنوط بها تنفيذ هذه الآلية، مع استثناء، هو إعطاء الفرصة لكل من مصر والسودان للتدخل في سنوات الجفاف لإدخال تعديلات على هذه الآلية بناءً على اتفاق مشترك.
وأصدرت وزارة الري المصرية بياناً مقتضباً أمس الأربعاء، قالت فيه إنها تتمسك بتدفق 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق سنوياً، وهو متوسط إيراد النهر في أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد، استدلالاً بما حدث في الفترة بين عامي 1979 و1987.
في المقابل، قالت إثيوبيا إنها تتوقع التوصل إلى اتفاق بالنظر إلى حالة فيضان النيل في السنوات الأخيرة، مع تأكيدها تمسكها بأنّ الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً إلى تدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
وسبق أن قالت مصادر في وزارة الري المصرية، عقب اجتماع واشنطن الأخير بين وزراء الخارجية والمياه هذا الشهر، إن الاجتماعات المقبلة ستخصص لبحث وضع خريطة زمنية معقولة بناءً على حجم فيضان النيل الأزرق المتوقع في السنوات المقبلة، وهو أمر سيستغرق نقاشاً طويلاً بين مصر التي كانت ترغب في ألّا يقلّ عدد سنوات الملء الأول عن سبع، وإثيوبيا التي كانت ترغب في تحديدها بثلاث فقط، والسودان الذي يقترح خمس سنوات. مع الأخذ بالاعتبار أن المقترح المصري الجديد لا يتمسك بعدد معين لسنوات الملء، لكن التطور الطارئ على المقترح، وفقاً لمخرجات المفاوضات، يلزم الجميع بتحديد خطة زمنية، ولو مبدئية، وعلى الأقل موعد لبداية الملء الفعلي، في ضوء بيانات الفيضان. ووفقاً للحسابات المصرية، إذا كان ملء سدّ النهضة قد بدأ في العام الحالي، الذي شهد ارتفاعاً في منسوب الفيضان، لم يكن منسوب المياه في السد العالي سيتضرر على الإطلاق.
ومن المفترض الوصول إلى اتفاق على تحديد قواعد ملء السد وتشغيله بحلول منتصف يناير/ كانون الثاني 2020. وكانت مصر قد نجحت في تمرير اتفاق برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي على تطبيق المادة 10 من إعلان المبادئ، التي تنص على أن تتفق الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير الاتفاقية أو تنفيذها ودياً، من خلال استدعاء طرف رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة على النظر فيها من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.