السعودية وإيران: تهدئة لفظية تنتظر أفعالاً

02 أكتوبر 2019
أكد روحاني حرص بلاده على الاستقرار في الخليج (Getty)
+ الخط -
بعد فترة من التصعيد الكبير بين إيران من جهة، والسعودية والولايات المتحدة من جهة، مع استهداف منشأتي نفط أرامكو شرقي المملكة في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، والحديث عن إمكان حصول رد عسكري ضد طهران، عادت الأجواء الإيجابية لتخيّم على منطقة الخليج، مع حديث إيران عن أنها لن تبدأ أي حرب، وترحيبها برغبة السعودية في حل الخلافات بالحوار، بعد حديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تفضيله الحل السياسي، فيما كان لافتاً أن هذه التطورات تأتي في موازاة غرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفضائحه الداخلية واقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بما يستبعد أي رغبة أميركية حالياً بتصعيد في المنطقة.

وظهرت أولى مؤشرات التهدئة من اليمن، مع احتمال تحقيق اختراق سياسي بعد ما يقرب خمس سنوات على تصاعد الحرب، إذ أظهرت تصريحات صادرة عن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وعن السعودية، رغبة مشتركة بالتوجه إلى التهدئة، في ظل حراك يقوده المبعوث الدولي مارتن غريفيث، يسعى عبره لتعزيز الفرصة التي بدأت مع إعلان الحوثيين وقف استهداف السعودية. ووصل غريفيث إلى صنعاء، أمس، لإجراء محادثات مع قيادات ومسؤولين موالين للحوثيين، عقب يوم واحد من إعلان الجماعة الإفراج عن 290 معتقلاً في سجونها منذ سنوات، وصفتهم بـ"الأسرى"، وأفادت مصادر قريبة من الجماعة في صنعاء لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة جرت بالتنسيق مع المبعوث الأممي، الذي يعمل على الدفع بخطوات من شأنها تعزيز "بناء الثقة" إلى الإمام.

وسريعاً، برزت أجواء إيجابية خلال زيارة غريفيث، الذي التقى زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي أمس، وبحث معه "أفق التسوية السياسية الشاملة المحتملة في هذه الظروف المؤاتية وسبل المعالجات الإنسانية والاقتصادية"، بحسب بيان نشرته وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين. وخلال اللقاء، أكد الحوثي استمرار الجهود لتحقيق السلام والاستقرار، معتبراً المبادرة التي قدّمها رئيس المجلس السياسي الأعلى، "تأتي في إطار هذا الحرص والدفع بالاتجاه نحو الاستقرار والحوار السياسي الشامل، وهو ما يستدعي أن يستفيد الطرف الآخر منها والكف عن العدوان ورفع الحصار". وأشار إلى الخطوات الإنسانية التي قدمتها اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى في صنعاء أخيراً والمتمثلة في المبادرات المتكررة للإفراج عن مئات الأسرى ومن طرف واحد، مؤكداً أن "ذلك يثبت عمليا سعينا إلى إنهاء معاناة الأسرى من منطلق إنساني". وقال: "من المهم أن تُقابل هذه الخطوة بخطوات مماثلة تؤدي إلى تحريك شامل للملف الإنساني وصولاً إلى التبادل الكامل للأسرى والمعتقلين وبما يؤدي إلى إنهاء هذا الملف الإنساني". وكان غريفيث قد أثنى في بيان عند وصوله إلى صنعاء، على إطلاق الحوثيين سراح محتجزين من جانب واحد، وقال "تساعد مبادرات كهذه على تهيئة بيئة مواتية وبناء الثقة لاستئناف عملية السلام".

وفي السياق نفسه، قال رئيس ما يُعرف بـ"اللجنة الثورية العليا"، عضو "المجلس السياسي الأعلى" للجماعة، محمد علي الحوثي، إن "تفاؤل بن سلمان بوقف الحرب إيجابي، وكان من المفترض أن يكون حاضراً قبل إعلان عدوانهم على اليمن".
كذلك اعتبر نائب وزير الخارجية في الحكومة التابعة للحوثيين في صنعاء، حسين العزي، تصريحات بن سلمان لقناة "سي بي إس" الأميركية، بأنها "بارقة أمل وخطوة شجاعة على طريق السلام المنشود للجميع". وأضاف القيادي في الجماعة، في تغريدة على "تويتر" أمس الثلاثاء أن "من المهم أن تتضافر الجهود لبلورة هذه الرغبة المشتركة إلى خطوات عملية تنمّي هذه الإيجابية وتجنب الشعبين الشقيقين والمنطقة ككل المزيد من المخاطر الإضافية". وجاء التصريح، بعد أن أعلنت الجماعة في وقتٍ سابق، عن وقف كافة أشكال الاستهداف للسعودية.


بالتوازي مع ذلك، كانت طهران توجّه رسائل بأنها لا تريد الحرب. وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس أن "سياسة إيران تتمثل في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، ومن جملة ذلك حفظ الأمن للملاحة الدولية في مضيق هرمز". وقال في كلمة له أثناء اجتماع للاتحاد الاقتصادي الأوراسي في أرمينيا، إن "على المجتمع الدولي التصدي لنهج أميركا العدائي والأحادي باتخاذ قرار حاسم وإجراءات فعالة". وجاء ذلك قبل اجتماع بين روحاني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

في السياق، أكد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، أن بلاده "لا ترغب في وقوع أي مواجهة عسكرية... ولن تبدأ أي حرب" في الخليج. وأضاف باقري في تصريحات لقناة صينية أمس أوردت نصها وكالة "تسنيم" الإيرانية، أن "مصالحنا في الخليج ومضيق هرمز أصبحت مرتبطة بالأمن في هذه المناطق بشكل كبير"، معللاً بذلك ليقول إن إيران "أهم دولة لإيجاد هذا الأمن". كما قلل من أهمية ما وصفها بالدعاية الأميركية لإظهار أن المنطقة على أعتاب حرب، معتبراً أن الولايات المتحدة "لا تتجرأ على شن أي حرب لأنها تعرف أن مخاطرها وأضرارها أكبر من منافعها".
واعترف باقري، أن الحرس الثوري الإيراني يقدّم "دعماً استشارياً" لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وهذا التأكيد الإيراني، هو الأول من نوعه، وجاء على لسان أرفع مسؤول عسكري في البلاد. إلا أن باقري نفى إرسال إيران صواريخ إلى اليمن، متسائلاً: "كيف يمكن إرسال صواريخ كبيرة إلى اليمن بينما لا يمكن إرسال الدواء إليه؟".

في السياق، قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، في تصريحات لقناة "الجزيرة"، إن بلاده ترحب برغبة السعودية في حل الخلافات بالحوار، مشيراً إلى أن أبواب إيران مفتوحة لذلك. وأضاف لاريجاني أن حواراً سعودياً إيرانياً يمكنه حل الكثير من مشاكل المنطقة الأمنية والسياسية، مؤكداً أن طهران توصي الحوثيين بقبول أي وقف لإطلاق النار مع السعودية. كما دعا لتشكيل نظام أمني جماعي خاص بالخليج بمشاركة كل الدول الخليجية.

من جهته، أعلن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، أمس، أن بلاده تعتزم بناء مشروع خط أنابيب لنقل النفط خارج الخليج، بقيمة 1.8 مليار دولار، أي بعيداً عن مضيق هرمز. وأوضح زنغنه على حساب الوزارة في "تويتر" أن المشروع يمتد من منطقة غرة (غرب) إلى ميناء جاسك (جنوب شرق)، الذي يطل على خليج عمان الواقع خارج مضيق هرمز.

على الجهة المقابلة، زار قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط جيم مالوي السعودية هذا الأسبوع لبحث التنسيق في الدفاع البحري. وأكد مالوي بحسب بيان عن القيادة المركزية أمس، أن الزيارة شكلت "فرصة لبحث جهودنا المشتركة في التقدم لتنسيق الدفاع ضد الاستفزاز والهجوم". وتابع البيان أن الزيارة تركزت على دور البحرية السعودية "في الجهود لتعزيز الدفاعات ضد الهجمات الإيرانية". والتقى مالوي قائد القوات البحرية السعودية فهد الغفيلي في الرياض الأحد.