مسلسل طويل لإعادة إسرائيل إلى سيناء

06 يناير 2019
الجيش المصري يتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي(خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً التصريح الأوضح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن التدخل الإسرائيلي في سيناء، إذ كل الوقائع على الأرض، ومنذ سنوات، دلّت على استباحة إسرائيلية لأرض سيناء، برضى الجيش المصري، تحت حجة "محاربة تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش". وفي الوقت الذي كان السيسي يصرح فيه لقناة "سي بي إس" الأميركية بأن "الجيش المصري يتعاون مع إسرائيل للقضاء على الإرهاب شمالي سيناء"، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تدك أهدافا مجهولة في مدينة رفح المصرية على الحدود مع قطاع غزة، مدشنة أولى غارات عام 2019، إلا أنها تضاف إلى سجل طويل من الغارات الإسرائيلية التي شنتها الطائرات الحربية وأخرى من دون طيار ضد أهداف مدنية وعسكرية على حد سواء.


وذكرت "سي بي إس" في تقريرها الذي جاء تحت عنوان "المقابلة التي لا تريدها الحكومة المصرية أن تذاع على التلفزيون"، أن "فريق البرنامج الذي أعد المقابلة، تلقى اتصالاً بعد وقت قصير على إنهائها من قبل السفير المصري في واشنطن، ياسر رضا، وأخبرهم بأنه لا يمكن عرضها على شاشة التلفزيون، فيما أكدت القناة أنها ستقوم ببثها ضمن برنامج "60 دقيقة".

وكان السيسي قد قال في معرض ردّه حول حجم التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي: "هذا صحيح، تجمعنا شراكة في مجالات عدة مع الإسرائيليين"، مشيراً إلى أن "الجيش المصري يقاتل عناصر أعلنوا ولاءهم لتنظيم داعش بشبه جزيرة سيناء"، وبأنه "سمح للإسرائيليين بتنفيذ ضربات جوية هناك".

وتعقيباً على ذلك، أفاد الناشط، أحمد السويركي، لـ"العربي الجديد" أنه تم رصد "عشرات الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من شمال سيناء ووسطها على مدار السنوات الست الماضية، ورغم أنها أوقعت خسائر بشرية ومادية، إلا أن النظام المصري اعتاد الصمت على هذه الغارات، وكان يموّه على الغارات الاسرائيلية بنشره فيديوهات لقصف جوي خلال بيانات المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، ما يضعف رواية المواطنين والتنظيم الذين تعرضوا لضربات إسرائيلية مباشرة، وكانت موثقة بالصوت والصورة في بعض الأحيان. واعتاد المواطنون رؤية الطائرات الحربية الإسرائيلية من دون طيار، واختراق الأجواء المصرية والدخول لمناطق عميقة داخل سيناء بهدف تصوير الأهداف، أو شن غارات محددة".

وأضاف السويركي أن "الطيران الإسرائيلي تسبب بمقتل العشرات من المدنيين بقصف سيارات مواطنين أو منازل أو أراضٍ زراعية، فيما استطاعت هذه الغارات بشكل فعلي قتل عدد من أفراد التنظيم بقصف أهداف لهم في مدينتي رفح والشيخ زويد، على الرغم من قدرة الجيش المصري على قصف هذه الأهداف بطائراته في حال حصوله على المعلومة المؤكدة بوجود خلايا للتنظيم". وأشار إلى أن "الطائرات الإسرائيلية كان لها دور بارز في الدفاع عن كمائن للجيش المصري، أثناء تعرّضها لهجمات من مسلحي تنظيم ولاية سيناء، كان أبرزها استهداف مهاجمي الارتكاز الأمني في منطقة البرث جنوب رفح، وكذلك تخفيف حدة الهجوم على مدينة الشيخ زويد في شهر رمضان لعام 2016، والحيلولة دون سيطرة التنظيم على المدينة بأكملها حينما هاجم عشرات الكمائن والارتكازات في آن واحد".



وسبق لـ"ولاية سيناء" أن نشر في وقت سابق صوراً لصواريخ إسرائيلية أُطلقت تجاه منازل ومراكز مدنية في مدينتي رفح والشيخ زويد. وسبق لـ"العربي الجديد" أن الكثير من المواد الصحافية عن تعرض سيناء لقصف إسرائيلي، بغارات من الطائرات الحربية وأخرى من دون طيار، منذ نهاية عام 2012، وهي المرحلة التي كان السيسي فيها قائداً لجهاز المخابرات الحربية والاستطلاع. كما استمرت الهجمات الجوية الإسرائيلية على سيناء حتى بداية العام الحالي، مع تأكيد مسؤولين إسرائيليين في مواقف متعددة مساعدتهم للجيش المصري في سيناء، وهذا ما كشفت عنه تقارير إسرائيلية متكررة، بوجود نشاط عسكري واستخباري إسرائيلي في سيناء منذ سنوات.

من جهته، رأى باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" أن "إسرائيل وجدت ضالتها في وصول السيسي إلى سدة الحكم، إذ باتت قادرة على التحرك بأريحية في سيناء، والأمر من المؤكد أنه تعدى الغارات الجوية، إلى اغتيالات واختطاف مواطنين على مدار السنوات الماضية، في ظل عدم مقدرة الجيش المصري على السيطرة الأمنية في سيناء بفعل ضربات تنظيم ولاية سيناء المستمرة منذ خمس سنوات من دون توقف. وعلى الرغم من أن المساعدة الإسرائيلية الواضحة لمصر في عملية عسكرية ضد تنظيم متواضع مقارنة بقدرات الجيش المصري تمثل فضيحة عسكرية وسياسية، إلا أن السيسي أعلن عنها، فيما تحاول الدائرة المحيطة به الآن سحب تصريحاته للقناة الأميركية، لأنها موقنة بخطورة ما جاء فيها، خصوصا في ملف سيناء".

وأضاف الباحث أنه "يُحسب للسيسي إعادة إسرائيل إلى سيناء بعد تحريرها، من خلال مساعدته في السيطرة الأمنية ومواجهة تنظيم ولاية سيناء، مع أن التنظيم لا يحارب إسرائيل، إلا أن حجم الورطة التي وقع السيسي فيها بسيناء تستدعي تدخلاً إسرائيلياً لإنقاذه، فيما من الملاحظ أن الهجمات الإسرائيلية تأتي في الأوقات الحرجة التي يتعرض فيها الجيش المصري لأي معضلة أمنية. كما جرى باستهداف نقاط محددة في محيط موقع الأحراش العسكري بمدينة رفح الذي تعرض لرصاص القناص بشكل متكرر، في الوقت الذي لم يستطع فيه الجيش فعل شيء سوى رفع سواتر رملية في محيط المكان، وكذلك في أوقات الهجمات الكبيرة التي يشنها التنظيم ضد قوات الأمن المصري كما حصل في هجوم الشيخ زويد عام 2016".

وعلى المدى الاستراتيجي، قال الباحث إن "السماح لإسرائيل بالاطلاع على عمل الجيش المصري وإمكانياته في سيناء، يكشف ظهر الجيش لسنوات مقبلة، وينهي وجود أي تمويه أمني كان يغطي العمل العسكري في سيناء، ويباعد شبح المواجهة العسكرية بين الجيشين الإسرائيلي والمصري لعقود جديدة، خصوصاً في ظل سيطرة السيسي على الحكم، ومن ثم خلافته من شخصيات مشابهة له في الحكم. وهذا يمثل انتصاراً استراتيجياً لإسرائيل، مع السماح بمنحها مساحة للعب في سيناء، لتضاف إلى الجبهات الهادئة في الأردن وسورية ولو بشكل نسبي. بالتالي أصبحت مصر أول دولة عربية تسمح لإسرائيل بقصف أراضٍ فيها، بل تتفاخر بأن إسرائيل تفعل ذلك بشكل علني ومن أعلى المستويات".