اتفاقية فك الاشتباك اليوم: الأسد بين إسرائيل وروسيا وإيران

21 يوليو 2018
قوات إسرائيلية تراقب الأوضاع في الجولان (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

مع دخول الحافلات إلى القنيطرة، مساء الخميس، لنقل رافضي الاتفاق الذي أبرمته فصائل عسكرية من المعارضة السورية ووجهاء محليين في محافظة القنيطرة من جهة، مع المفاوض العسكري الروسي من جهة أخرى، وينص على بدء عودة انتشار قوات النظام في المحافظة الواقعة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، تفقد المعارضة السورية آخر معاقلها في جنوب غربي سورية، وكذلك كافة المناطق الحدودية مع دول الجوار، باستثناء أرياف حلب وإدلب الحدودية مع تركيا (والتنف). بالتوازي مع ذلك، يستمر التواصل بين روسيا وإسرائيل حول سورية، مع تأكيد الثانية أنها ستواصل التحرك ضد الوجود العسكري الإيراني هناك، مقابل سعي موسكو لمنع وقوع صدام إيراني - إسرائيلي.

وبدأت اعتباراً من يوم أمس، الجمعة، رحلة أولى قوافل الحافلات التي وصلت إلى القنيطرة لتقل مئات الأشخاص ممن رفضوا "التسوية" نحو محافظة إدلب، على أن يتزامن مع ذلك ويليه، بدء تسليم فصائل المعارضة سلاحها الثقيل للشرطة العسكرية الروسية، ودخول "اللواء 90" و"اللواء 61" التابعين لقوات النظام، برفقة الشرطة العسكرية الروسية، إلى خطّ وقف إطلاق النار والمنطقة منزوعة السلاح، وفق اتفاقية العام 1974 بين النظام وإسرائيل.

ضبط الحدود مجدداً
منذ بدء الإرهاصات الأولية بوصول التعزيزات العسكرية للنظام وسواه إلى جنوب غرب سورية، ومع بدء المعارك لاحقاً، في الأسبوع الثالث من يونيو/ حزيران الماضي على الجبهات الشرقية لمحافظة درعا، وتحديداً في اللجاة، وبصرى الحرير، ومليحة العطش، كان واضحاً أن ثلاث مسائل أساسية تطغى على معظم الاجتماعات والاتصالات المكثفة بين مختلف القوى الفاعلة والمؤثرة في جنوب سورية، أي الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن، وهي إبعاد إيران والمليشيات الموالية لها من جنوب سورية، وفتح معبر نصيب في الوضع الذي كان عليه قبل 2011، وإعادة ضبط الحدود السورية مع الجولان المحتل كما كانت عليه منذ ما بعد مايو/ أيار 1974.

وفيما اعتُبرتْ مسألة معبر نصيب قضية هامة للمملكة الأردنية، التي كانت لديها مخاوف أيضاً من موجات نزوحٍ جديدة نحو حدودها الشمالية مع اشتعال المعارك في درعا، وهي قضية تعاملت معها عمّان براغماتياً، فإن مسألتي الحدود السورية مع الجولان المحتل وإبعاد المليشيات الإيرانية من جنوب سورية، كانتا عقدتين بارزتين في التفاهمات الدولية والإقليمية حول جنوب غرب سورية، وجرى حلهما بإعادة ضبط الأوضاع في جنوبي سورية كما كانت عليه قبل سنة 2011.

فبعد تلك السنة (2011)، التي شهدت كبرى التظاهرات الشعبية ضد نظام بشار الأسد في الجنوب السوري، وتَطُور المشهد لاحقاً إلى بدء ظهور فصائل الجيش الحر، وتوسعها، تقلصت سلطة النظام تدريجياً في المحافظتين الجنوبيتين: درعا والقنيطرة، حتى فَقَد تدريجياً خلال معارك كثيرة، معظم مساحات المحافظتين، بما في ذلك المعابر الحدودية مع الأردن، وكذلك الغالبية العظمى من البلدات والقرى والأراضي الممتدة شرق الخط الفاصل بين الجولان المحتل والأراضي السورية، لتتوقف المعارك في منتصف سنة 2017، غداة اتفاق أميركي - روسي قضى بوقف المعارك في جنوب سورية.

ومنذ بدء الحملة العسكرية للنظام بدعمٍ روسي، في الجنوب، بداية من الأسبوع الثالث من الشهر الماضي، كان واضحاً أن تفاهمات القوى الدولية (روسيا والولايات المتحدة خصوصاً)، هي التي تُحدد شكل المعركة وأبعادها، وما بعدها. ومنذ البداية ظهر تخلي واشنطن عن دعمها لحلفائها على الأرض هناك، من خلال مؤشرات عديدة. فبعدما كانت واشنطن، وعلى لسان المتحدثة باسم خارجيتها، هيذر نويرت، قد حذرت من أنها "ستتخذ إجراءات حاسمة ومناسبة" في حال أقدم النظام على التصعيد العسكري في درعا، كشفت وكالة "رويترز" بعد أيام، وتحديداً في 25 يونيو الماضي، عن محتوى رسالةٍ أميركية للفصائل التي كانت تدعمها في جنوبي سورية، مفادها أن "الحكومة الأميركية تريد توضيح ضرورة ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقّع قيامنا بتدخّل عسكري"، تاركةً اتخاذ "القرار السليم" لفصائل الجيش الحر "بشأن كيفية مواجهة الحملة العسكرية التي يشنها الجيش السوري"، بناء على ما تراه هذه الفصائل "الأفضل بالنسبة لها ولشعبها".

ومنذ ما قبل قمة هلسنكي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، التي أكدا خلالها "ضمان أمن إسرائيل" كأولوية في جنوب سورية، اتضح أن إسرائيل سجلت قبولاً أقرب للترحيب بعودة قوات النظام إلى المناطق الحدودية مع الجولان المحتل، أبرز مؤشراته تصريحات رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من موسكو غداة لقائه مع بوتين، يوم الثاني عشر من هذا الشهر، عندما قال للصحافيين إنه "ليست لدينا مشكلة مع نظام الأسد، فعلى مدى 40 عاماً لم يتم إطلاق رصاصة واحدة من مرتفعات الجولان".

وبذلك، ومع بدء تنفيذ اتفاق القنيطرة، بإجلاء الرافضين له من قوى الثورة والمعارضة نحو إدلب، تعود تدريجياً مناطق النفوذ والسيطرة على طرفي خط "فك الاشتباك"، كما كانت عليه منذ العام 1974، أي منذ توقيع اتفاق "فك الاشتباك" يوم 31 مايو/ أيار 1974 في مدينة جنيف، بين إسرائيل والنظام، بحضور ممثلين أممين، وعن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.


ونصّ الاتفاق على أن "تراعي إسرائيل وسورية بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة تنفيذاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 338 المؤرخ في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1973"، إذ تم تحديد الفصل بين قوات الطرفين ليكون جيش الاحتلال غرب الخط (أ) المعروف باسم "ألفا"، وقوات النظام السوري شرق الخط (ب) المعروف باسم "برافو"، وهما خطان يمتدان من شمال حضر في الجانب السوري، ومجدل شمس بالقسم المحتل من الجولان عند مرتفعات جبل الشيخ شمالاً، وصولاً إلى الحدود الأردنية جنوباً، ويقسمان هضبة الجولان بين إسرائيل وسورية (خط ما يدعى الهدنة السورية - الإسرائيلية بعد 1967).

وبين الخطين "ألف" و"برافو" على طول الحدود، تنتشر (شرق خط الهدنة 1967) القوات الأممية، أو قوة مراقبة الفصل المعروفة باسم "أندوف" (UNDOF)، في عدة نقاطٍ، على أن تحاذي الخطين منطقتان بعمق 25 كيلومتراً، ومحدودتا السلاح وعدد القوات، ويسمح للجانبين بتحريك القوات الجوية فيهما، لكن لا يسمح للجانب السوري بنشر صواريخ "سام". ويستعيد هذا الأخير، وفق الاتفاق، مدينة القنيطرة وأجزاء في محيطها، وقرية الرفيد (نحو 60 كيلومتراً)، لتبقى بذلك مساحة 1260 كيلومتراً من هضبة الجولان (نحو ثلثي مساحة الهضبة) خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، الذي أصدر عام 1981 قانوناً أعلن فيه ضم الجولان لسلطته، وهو ما رفضه قرار مجلس الأمن رقم 497 (الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 1981).

الوجود الإيراني
وبإعادة ضبط الحدود وفق صيغة اتفاق مايو 1974، تبقى مسألة الوجود العسكري الإيراني في جنوبي سورية، التي تعتبر بالغة الحساسية بالنسبة لإسرائيل. وبدا أن روسيا أدت دوراً في إقناع حليفتها إيران بسحب قواتها الأساسية من جنوب سورية، تطميناً لإسرائيل، فيما انحنت طهران للضغوط، خصوصاً بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي معها، وبدأت تدريجياً منذ بدء حملة النظام المدعومة روسياً على درعا الشهر الماضي، بإخلاء مواقع مليشياتها في محافظتي درعا والقنيطرة، وإرجاعها عشرات الكيلومترات، على الرغم من محاولة أذرعها الإعلامية خلال معارك الجنوب في الأسابيع الماضية، الإيحاء باستمرار الوجود الإيراني، وبعدم الرضوخ للضغوط.
وأكد السفير الروسي في سورية، ألكسندر كينشاك، أول من أمس، أن جنوب سورية أصبح خالياً من المليشيات الإيرانية، قائلاً إن "هذه المسألة تمت تسويتها. لم يعد هناك وجود لتشكيلات تابعة لإيران في جنوب سورية، وقد جرى الحديث عن ذلك سابقاً بشكل علني، وسمعت عن ذلك من مصادر عديدة".

ولطالما أبدت إسرائيل موقفاً حاداً حيال مسألة الوجود الإيراني في جنوب سورية، ونفذت ضربات جوية وصاروخية عديدة في سورية، ضد النفوذ الإيراني، آخرها ضرب القاعدة العسكرية الإيرانية في منطقة الكسوة، جنوبي دمشق، القريب من درعا. وكانت قد قطعت قبل ذلك ما اعتبرته محاولات لـ"حزب الله" اللبناني لتأسيس جناح عسكري وازن قرب الحدود، يقوده سمير القنطار، الذي اغتالته إسرائيل بقصف مكان وجوده في حي الحمصي بمدينة جرمانا، قرب دمشق، في ديسمبر/ كانون الأول 2015.
وجدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الجمعة، التأكيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اتصال بينهما، أن إسرائيل ستواصل التحرك ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، بحسب بيان صدر عن مكتب نتنياهو.

في المقابل، كان السفير الروسي في إيران ليفان جاغاريان، يشدد على سعي بلاده لعدم السماح بوقوع صدام مسلح بين إسرائيل وإيران داخل سورية، مضيفاً أن "إسرائيل تتواجد بشكل أو بآخر داخل سورية، وكذلك إيران". وأعلن جاغاريان في حديث لوكالة "إنترفاكس"، أن "موسكو لا تجري أي مباحثات مع طهران حول انسحاب القوات الإيرانية من الأراضي السورية"، مضيفاً "كيف يمكننا بحث هذا الأمر؟ فقط حكومة بشار الأسد، هي التي تستطيع الحديث في هذه المسألة". ونفى الأنباء حول "ظهور توتر بين موسكو وطهران" إثر محاولة روسيا إقناع إيران بسحب قواتها والقوات الموالية لها من سورية.