مجازر روسيا والنظام وإيران في درعا للوصول إلى المعبر

29 يونيو 2018
نزح الآلاف من المعارك في درعا (أحمد المسلم/فرانس برس)
+ الخط -
واصلت قوات النظام السوري والمليشيات الحليفة لها، مدعومة بالطيران الحربي الروسي، محاولاتها للتقدم في محافظة درعا، جنوبي سورية، على أكثر من محور، مستخدمة سياسة "الأرض المحروقة"، وارتكاب المجازر التي حصدت، أمس الخميس، عشرات القتلى من المدنيين، ومحاولة فصل المناطق عن بعضها البعض، وقضمها تدريجياً، وفق السيناريوهات التي اتبعتها سابقا في الغوطة الشرقية وغيرها من المناطق. ويستمر الصمت الأميركي ترجمةً للضوء الأخضر الذي أعطته واشنطن لنظام بشار الأسد، كذلك ينحصر الهم الأردني في إغلاق الحدود أمام الفقراء السوريين الفارين من مناطق القصف، والذين وصل عددهم إلى 175 ألف شخص معظمهم عالقون عند الحدود الأردنية المغلقة في وجههم. ولهذه الغاية، يتوجه وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي إلى موسكو في 4 يوليو/تموز المقبل لإجراء محادثات حول الأحداث، على الأرجح ليقترح على الروس إنشاء مخيمات للمهجرين داخل الحدود السورية المحاذية لأراضي المملكة. وفي ظل التواطؤ الدولي إزاء حملة روسيا وإيران وقوات بشار الأسد في الجنوب، صدر موقف فرنسي باهت، اختصره بيان وزارة الخارجية بالإعراب عن عن قلقها البالغ إزاء الأحداث التي "تخاطر بزعزعة الاستقرار في المنطقة"، مع حث "روسيا على تنفيذ التزاماتها بجنوب غرب سورية".

ولكي تكتمل المأساة، اعلنت الأمم المتحدة أمس الخميس أنها أوقفت قوافلها الانسانية التي تعبر الحدود من الأردن الى محافظة درعا. وقال رئيس مجموعة الأمم المتحدة للعمل الإنساني في سورية يان إيغلاند للصحافة من جنيف: "لا نستطيع أن نترك الحرب تدخل منطقة يسكنها 750 ألف شخص". وأضاف "حتى طريق الامدادات من الحدود الاردنية، شديد الفعالية حتى الآن، قد توقف بسبب المعارك في الأيام الاخيرة"، وكشف أنه "لم يتم إرسال قوافل عبر الحدود منذ 26 يونيو/حزيران الحالي".وأشار إيغلاند إلى أن "شدة المعارك أدت إلى عدم وجود اتفاق لضمان مرور آمن للقوافل" الانسانية.

بدوره، أكد مدير المكتب الإعلامي بالدفاع المدني في محافظة درعا عامر أبازيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحملة الشرسة التي تشنها قوات النظام بغطاء جوي من الطائرات الروسية، وبالاشتراك مع المليشيا الإيرانية على محافظة درعا، ركزت على ريف درعا الشرقي الشمالي بشكل عام، وبشكل خاص على منطقة اللجاة ومدينة بصر الحرير وبلدة ناحتة، ولا يغادر الطيران الحربي والمروحي سماء حوران ككل، ولكن التركيز الآن على كل من أحياء مدينة درعا والحراك وكحيل والمسيفرة والغارية الشرقية والجيزة وصيدا وابطع ونوى وطفس وداعل والصورة والغارية الغربية والكرك الشرقي والطيبة ورخم وبصرى الشام وعلما".

وعن أعداد الضحايا الذين سقطوا، قال أبازيد إن "عدد القتلى بلغ نحو 90 مدنياً، بالإضافة إلى إصابة نحو 150 مدنياً حتى يوم الأربعاء الماضي، فيما بلغ عدد النازحين بين 175 ألفاً إلى 200 الف مواطن هربوا نحو ريف درعا الشرقي الجنوبي بالقرب من الحدود السورية الأردنية، كما توجه قسم منهم إلى الحدود مع الجولان المحتل، لاعتقادهم أن هذه المناطق قد لا يستهدفها الطيران الحربي الروسي وتعد مناطق أقلّ خطراً بشكل نسبي من المناطق الأخرى".

وعن استهداف المراكز الصحية، قال أبازيد إن "هناك استهدافاً متعمداً للمراكز الصحية والمستشفيات أدى إلى خروج أربعة مراكز من الخدمة حتى الآن"، موضحاً أنه "في حال خروج مركز من الخدمة يتم توجيه الحالات إلى المستشفيات القريبة في المنطقة، وهذا الأمر يسبب إرباكاً بسبب خطورة الطريق وتأخر الحالات في الوصول لتلقي العلاج". في غضون ذلك، نفت مصادر من فصائل الجيش الحر في درعا وجود أي تواصل حالياً بينها وبين روسيا لبحث تسوية في الجنوب السوري، مشددة على أن أي تفاوض يجب أن يبدأ بوقف القصف على درعا وقتل المدنيين. وقد ارتكبت الطائرات الروسية، صباح أمس الخميس، مجزرة في بلدة المسيفرة، بريف درعا الشرقي، أسفرت عن سقوط أكثر من 20 قتيلاً، جميعهم من المدنيين، فيما سقط عدد من القتلى الآخرين جراء قصف الطيران الحربي والمدفعية على بلدات أخرى في درعا.


وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن "22 شخصاً، جلّهم من الأطفال والنساء، قُتلوا في المسيفرة نتيجة استهداف الطيران الروسي لأحد المنازل الذي تجمعت فيه بعض العائلات هرباً من القصف". كما قُتل سبعة مدنيين وأُصيب العشرات، صباح أمس، إثر غارات جوية للطيران الروسي، استهدفت مدينتي نوى وداعل في ريف درعا. وشنّ الطيران الحربي الروسي 3 غارات جوية مستهدفاً مدنيين يحاولون النزوح لمناطق أكثر أمناً وسط مدينة نوى، ما أدى لمقتل ثلاثة منهم وإصابة آخرين، بينهم نساء وأطفال. وأدت الغارات لدمار واسع في المحلات التجارية والمنازل السكنية في الشارع.

كما قُتل أربعة مدنيين، بينهم امرأتان، نتيجة غارات للطيران الروسي ضربت أحياء سكنية في مدينة داعل بريف درعا الشمالي، فضلاً عن حصول دمار كبير في الممتلكات. وقال ناشطون محليون إن "مدنياً قُتل بقصف جوي لقوات النظام السوري استهدف قرية ذات غالبية مسيحية شرق درعا". كما شنّ الطيران الروسي أكثر من 20 غارة جوية على مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، بينما استهدف مدينة الحراك بـ14 غارة جوية، مخلفاً أضراراً مادية كبيرة. كما قصفت مقاتلات النظام السوري الحربية تل محص، غربي مدينة جاسم، بمنطقة الجيدور بريف درعا الشمالي الغربي بخمس غارات.

من جهتها، أعلنت غرفة العمليات المركزية في الجنوب أن "كتيبة الصواريخ التابعة لها، قصفت مواقع لقوات النظام في حي سجنة بمدينة درعا، بصاروخ أرض - أرض محلي الصنع، ذي قدرة تدميرية كبيرة جداً". وذكرت غرفة العمليات في بيان، أن "الصاروخ أُطلق عليه أبو بكر، وحقق إصابات مباشرة في صفوف قوات النظام، ما أدى لتدمير جزء كبير من تحصيناتها".

وقال المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أبو محمود الحوراني لـ"العربي الجديد"، إن "القوة التدميرية للصاروخ تعادل قدرات ثلاثة صواريخ سكود مما هو موجود عند النظام. وقد أحدث انفجاره زلزالاً مروعاً في المنطقة ومسح المباني السكنية على امتداد مئات الأمتار". وتوعّد الحوراني بإطلاق مزيد من الصواريخ المشابهة على مواقع قوات النظام الأخرى، خصوصاً المربع الأمني في درعا المحطة، حيث تدار العمليات الرئيسية للنظام في درعا، وحيث مقر أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام. وقال شهود عيان لـ"العربي الجديد"، إن "الصاروخ أحدث بالفعل دماراً واسعاً في المنازل التي تحشد فيها قوات النظام".



وتواصل قوات النظام محاولاتها توسيع نطاق سيطرتها في ريف درعا الشرقي بعد سيطرتها على عدد من البلدات في المنطقة، وتمكنها من فصل منطقة اللجاة عن ريف درعا الشرقي، فيما تعمل على تمشيط قرى اللجاة الوعرة والتي انسحب منها مقاتلو الفصائل باتجاه الريف الشرقي خشية تعرضهم للحصار، وسط اشتباكات عنيفة في محاولة من الفصائل لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها، خصوصاً شمال وشرق بلدة الحراك، التي تحاول قوات النظام السيطرة عليها، فيما تجري معارك مماثلة على أطراف اللواء 52، وهو قاعدة عسكرية للنظام شرقي بلدة الحراك.

وتقول مصادر النظام إن السيناريو المتبع في درعا يشبه ذاك الذي اتبع في الغوطة الشرقية لجهة محاصرة مناطق المعارضة وعزلها عن بعضها البعض ومحاولة الحصول على استسلام كل منطقة على حدة. وحسب هذه المصادر، فإن العملية العسكرية ستنطلق بعد عزل اللجاة نحو الحراك وصولاً إلى المسيفرة والسهوة، وبصرى الشام، مدعية أن قوات النظام تمكنت من إعادة فتح طريق إزرع - السويداء، بينما ستكون الأولوية في الفترة المقبلة هي معبر نصيب مع الأردن، والهجوم سيكون من 3 محاور: الأول من مركز درعا، والثاني من إزرع، والثالث من بصرى الشام. لكن من أجل البدء بالعملية، سوف تسعى قوات النظام، وفق المصادر، إلى محاولة السيطرة على 3 أحياء داخل مدينة درعا، هي: درعا البلد، وطريق السد، والمخيم، حيث ستكون المدينة نقطة تجمع وغرفة عمليات تشرف على الأعمال القتالية.



وكانت قوات النظام قد سيطرت أخيراً على ثلاث بلدات في ريف درعا الشرقي، وهي ناحتة والمليحة الشرقية، إضافة إلى بلدة صما الهنيدات، المعبر الواصل بين السويداء ودرعا، وهو ما مكّنها تقريباً من الفصل بين محافظتي درعا والسويداء، حيث تعتبر بلدة صما الهنيدات المعبر الرئيسي بين المحافظتين، ومنها تدخل البضائع والمواد الغذائية، ويدخل منها المدنيون في بعض الأحيان. وتقول المصادر الإعلامية التابعة للنظام إن الأخير استقدم تعزيزات ضخمة إلى محيط مدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، لفتح محور عسكري باتجاه معبر نصيب الحدودي مع الأردن.

ويسعى النظام حالياً للتوجه إلى منطقة الصوامع، شرقي درعا، للسيطرة على بلدة أم المياذن وبالتالي الوصول إلى نصيب، إضافة إلى السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي، جنوبي درعا البلد، كخطوة لقطع طريق الإمداد بين ريفي درعا الشرقي والغربي.

كما تتعمد قوات النظام ضرب الأهداف المدنية والمراكز الحيوية بغية الضغط على القاعدة الشعبية لفصائل المعارضة، ودفع المدنيين للتمرد على الفصائل. وقال مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح، في تصريحات، إن "هناك تعمداً واضحاً للاستهداف المباشر لطواقم الدفاع المدني وسياراته"، مشيراً إلى "مقتل ثلاثة من أعضاء المنظمة في بصر الحرير والحراك أثناء قيامهم بعمليات إسعاف للجرحى".

وقدّر الصالح أعداد النازحين بأكثر من 65 ألفاً، وكانت تقارير دولية ذكرت أن "قرابة 45 ألف سوري نزحوا من قراهم ومدنهم، لكن استمرار القصف حالياً أدى إلى موجة جديدة من النزوح نحو الجنوب والغرب من مدن المسيفرة والجيزة وبصرى الشام والقرى القريبة منها، وهو ما رفع عدد النازحين".

وحسب مصادر محلية، فإن "قوات النظام وبعد إغلاقها الطرق في وجه النازحين نحو مناطق سيطرتها، قررت فتح معبرين رئيسيين نحو مناطقها، الأول هو معبر أبو كاسر الواقع قرب منطقة داعل، والثاني معبر كفرشمس في الريف الشمالي الغربي أمام النازحين، حيث أقامت قوات النظام 3 مراكز إيواء للنازحين في بلدات إزرع وجباب وقرفا".


وعلى الصعيد السياسي، أكد رئيس هيئة التفاوض السورية، نصر الحريري، أمس الخميس، أنه "لا يوجد أي تفاوض رسمي أو غير رسمي مباشر أو غير مباشر مع الروس أو غيرهم بشأن الجنوب، وأهل الأرض هم أصحاب القرار".

ووصف الحريري خلال مؤتمر عقده في الرياض ما يجري في درعا بـ "الصفقة الخبيثة" متسائلاً عن صمت واشنطن إزاء ما يحدث، مضيفاً "تحافظ واشنطن على المناطق التي تريدها في سورية فقط". وأكد الحريري ان ميليشيات إيرانية تقاتل مع "بقايا قوات النظام"، كاشفاً عن وجود أسرى من حزب الله لدى فصائل الجيش الحر.

من جهته، قال المنسق العسكري في "الجبهة الجنوبية" أبو توفيق الديري، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد أي تواصل حالياً مع الروس، وأي تواصل ممكن سيكون عبر الأردن المعني مباشرة بما يجري في جنوب سورية، ونحن ننتظر المشاورات الأردنية الروسية المحتمل أن تجري خلال الأيام القريبة المقبلة".

ورأى الديري أن "أي تسوية يجب أن تبدأ بوقف العدوان الحالي، والعودة إلى مسار جنيف وفق القرارات الدولية ذات الصلة. لكن مع الأسف كانت هناك ازدواجية في الموقف الروسي، وبينما كانوا يؤكدون للأوروبيين حرصهم المزعوم على التسوية والحل السياسي، كانوا يدعمون في الوقت نفسه النظام للتوسع والتمدد على حساب المعارضة، محاولين أيضاً إجراء تسويات على طريقة النظام عبر ما يسمى (المصالحة)، والتي تعني العودة لحضن النظام، وذلك بهدف استعادة المناطق قرية إثر قرية".

وأضاف الديري أنه "بعدما فشلت سياسة المصالحات التي اتبعها النظام وروسيا، انتقلوا إلى الحلّ العسكري وفق ما نراه اليوم". وقال إن "أي تسوية يجب أن تتضمن 3 عناصر: وقف إطلاق النار، والعودة لاتفاق خفض التصعيد، واستئناف مسار جنيف بحثاً عن حلّ شامل". ورأى أن "هناك مشاورات بين الأميركيين والروس ولا نعرف نتائجها، وقد تثمر عن شيء ما في المرحلة المقبلة". وكان سفير روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، قد أعلن، يوم الأربعاء الماضي، أن "العمليات العسكرية جنوب غربي سورية لا يمكن إيقافها إلا بعد دحر الجماعات الإرهابية في المنطقة".