التعديلات الأمنية في تونس: تساؤلات التوقيت والأهداف

22 يونيو 2018
سد الشغور شمل الحرس الوطني (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل تداعيات التغييرات التي شهدتها وزارة الداخلية التونسية أخيراً، خصوصاً بعدما شملت مواقع حساسة في إدارات عديدة، ليطرح حجمها وتوقيتها المتزامن مع إقالة وزير الداخلية الأسبق لطفي براهم، تساؤلات عدة لدى الرأي العام وخبراء أمنيين. 

وتأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" منذ أكثر من أسبوع، قررت لجنة الأمن والدفاع بمجلس نواب الشعب دعوة المتحدث باسم الحكومة إياد الدهماني، ووزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبي، ووزير الداخلية المقال لطفي براهم، لحضور جلسة استماع في البرلمان، يوم الإثنين المقبل، بخصوص التطورات الأخيرة الحاصلة في وزارة الداخلية والإقالات والتعيينات وأسباب إعفاء براهم من مهامه وما كشف عنه في تصريحات إعلامية إثر الإقالة.


ونفى وزير الداخلية بالنيابة، غازي الجريبي، في حوار لإذاعة "إكسبراس"، صحّة ما راج حول وجود إعفاءات وإقالات وقرارات بإحالة أمنيين على التقاعد الوجوبي. وأوضح أن الشغور شمل حوالى 250 منصباً، بين الأمن (الشرطة) والحرس (الدرك) والمصالح الأخرى. ولفت إلى أنه تم سد الشغور في 102 منصب في الإدارة العامة للأمن الوطني بالتشاور مع المدير العام للأمن الوطني.

وبيّن الجريبي أن سد الشغور شمل في مرحلة ثانية سلك الحرس الوطني، مشيراً إلى أنه قام بهذه التعيينات في إطار الصلاحيات الكاملة التي يكفلها القانون، وأن 95 في المائة من التعيينات هي بناء على مقترحات المديرين العامين الذين عملوا مع الوزير السابق لطفي براهم، وأن نسبة 5 بالمائة من التعيينات كانت باقتراح منه. وأكد أن كل ما يروج حول الإعفاءات والإقالات وإحالة أمنيين على التقاعد الوجوبي لا أساس له من الصحة وجلّ التغييرات كانت بهدف سد الشغور لا غير.

واعتبر الخبير الأمني، العميد المتقاعد من الحرس الوطني علي زرمدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التعيينات والتغييرات الأخيرة في وزارة الداخلية كانت لتكون عادية لو أنها لم تتزامن مع إقالة وزير الداخلية. ولفت إلى أن التغييرات عادة تكون بعد انتهاء الامتحانات ونهاية شهر يوليو/ تموز وأغسطس/ آب في إطار حركة النقل الصيفية والتي عادة ما تكون مسبوقة بتغييرات الأعوان ثم القيادات، في حين أن التعيينات الأخيرة بدأت بالقيادات الكبرى.

وبين زرمدين أن الوزير الجديد بالنيابة غازي الجريبي بالكاد بدأ في مهمته، وليس لديه فكرة واضحة عن وزارة الداخلية، ثم جاءت التغييرات بهذا الشكل غير المسبوق، وهو ما طرح تساؤلات عدة، مبيناً أنه قضى 35 سنة في الحرس الوطني ولم يشهد مثل هذا الكم والتوزيع في التعيينات، خصوصاً أنها مسّت إدارات حساسة ولها فاعلية كبرى في الأمن العام، كإدارة الاستعلام والأبحاث والشؤون العدلية، وبالتالي وبحكم هذه المعطيات الكثيرة، فقد أخذت حركة التعيينات هذا الصخب الإعلامي.

ووفقاً للخبير الأمني نفسه، فإنّ التعيينات الأخيرة أظهرت وزارة الداخلية وكأنها وزارة للتجاذبات، أي تطغى عليها الولاءات والانتماءات، مشيراً إلى أن الثابت أن عملية التغييرات الأخيرة لم تأتِ من وزير الداخلية بالنيابة باعتبار أنه لم يلمس المعطى الذي تعيشه وزارة الداخلية بعد، بل جاءت من قبل الحكومة وبالتالي تطرح تساؤلات عدة حول المغزى منها وأسبابها وجدوى الأشخاص الذين تم تعيينهم.

ولفت زرمدين إلى أن الانطباع لدى التونسيين أن وزارة الداخلية أصبحت محل تجاذب وسعي لبسط نفوذ ولا أحد يقرّ بمخاطر ذلك إلا عندما يغادر منصبه وموقعه، مؤكداً أنّ الإصلاحات يجب أن تخضع إلى مقاييس ومعايير واضحة تشمل الكفاءة المهنية والتكوين والتأهيل والملف الشخصي للمرشح وملاحظات الرؤساء. وشدد على أن هذه التعيينات لا يجب أن ترتبط بقرار فرد بل بتقييم جماعي يحدد من سيتم تعيينه.

في المقابل، أكد المدير السابق لوحدة الدراسات وتطوير الكفاءات للأمن الوطني بوزارة الداخلية، يسري الدالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ ما حصل أخيراً في وزارة الداخلية جاء لسد الشغور، لافتاً إلى أن 20 في المائة من التعيينات تتعلق بالحرس البحري وهي مرتبطة بفاجعة قرقنة (التي أدت إلى غرق عشرات المهاجرين غير النظاميين).

وأوضح الخبير الأمني أنه من المفروض ألا تحصل تغييرات كلما تغير الوزير أو المدير العام، لأن الكفاءات ينبغي أن تكون المقياس وأصحاب الاختصاصات يبقون في مناصبهم، مشيراً إلى أن الوزير السابق لطفي براهم عيّن مثلاً آمراً للحرس الوطني آنذاك هو شكري الرحالي، والذي كان يشغل منصب مدير إدارة الاستعلامات والأبحاث، في حين كان من المفروض احترام التسلسل والرتب الوظيفية، إذ لا يعيّن آمر للحرس الوطني في حين يوجد 5 مديرين عامين يفوقونه رتبة. وأشار إلى أنه حصلت في الأعوام الأخيرة تعيينات بحسب الولاءات وليس بحسب الرتب والخبرة. 

وقال الدالي إن الوزير بالنيابة غازي الجريبي، وهو في الأصل قاضٍ إداري، يعرف معنى سد الشغور والعمل بالنيابة، وقد بادر بسد الشغور الذي لم يتم سابقاً رغم أنه كان مرتبطاً بآجال معينة، تحديداً في ما يتعلق برؤساء المصالح والمناطق والأقاليم، نتيجة حالة عدم الاتفاق بين الوزير السابق لطفي براهم ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، إذ كلما تقدم براهم بمقترحات رفضت وبالتالي ظل الشغور موجوداً في أقاليم الشرطة في باردو (منذ الهجوم الذي استهدف متحف باردو وأودى بحياة 23 شخصاً في 18 مارس/ آذار 2015)، وفي بنزرت (منذ سنة ونصف)، فضلاً عن تكرار الأمر نفسه في إدارات أخرى، خصوصاً في الحرس الوطني.

وبحسب الدالي، كان جلياً أنّ الوزير السابق لطفي براهم لم يكن متفقاً كثيراً مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وهو ما أثر على سير العمل وانعكس على أخذ قرار في التعيينات والصلاحيات. ولفت إلى أن نفي براهم لوجود توترات كبيرة بينه وبين رئيس الحكومة جاء لحسابات سياسية ولإثبات كونه رجل دولة، خصوصاً أن تعيينه في منصب آخر وارد جداً. 

من جهته، قال الكاتب العام المساعد للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، رياض الرزقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الحركة الأخيرة من التعيينات جاءت في جزء هام منها لسد الشغور الذي كان يشكل عائقاً كبيراً في عدد من الإدارات. ولفت إلى أن التعيينات يجب أن تعتمد مبدأ الكفاءة، لأن السؤال الذي يجب أن يطرح لماذا أقيل شخص ما وعين آخر؟ وهل تم ذلك لمجرد التعيين أم لأنه موالٍ لجهة سياسية ما؟ لأنه في الحالة الأخيرة ستكون للأمر تداعيات وخيمة على سير العمل.
ووفقاً للرزقي ستكون هناك تعديلات جديدة في غضون أيام في سلك الشرطة والأمن الوطني، لكن الأهم أن يتم اعتماد مبدأ الكفاءة، وهو ما سبق أن طالبت به النقابات الأمنية.

 

دلالات