كذبة إسرائيلية مُحكمة بشأن موعد لم يولد للقاء مفاوضات غزة في الدوحة

25 يوليو 2024
أهالي الأسرى في تل أبيب يشاهدون بثاً لخطاب نتنياهو بالكونغرس، 24 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

مراوغة من نتنياهو لامتصاص غضب عائلات المحتجزين الإسرائيليين بغزة

ينتظر الوسطاء منذ أكثر من أسبوعين الرد الإسرائيلي على مقترح صفقة

إسرائيل تصر من جديد على إجراء فحوصات للعائدين إلى شمال غزة

تتداول وسائل إعلام، منها عبرية وأجنبية، منذ مساء أمس الأربعاء، تقارير بشأن إرجاء زيارة وفد التفاوض الإسرائيلي للدوحة من إجل اتمام الصفقة مع حركة حماس، التي أوحى مكتب رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون، مساء الأحد الماضي، وكأنها قائمة ومتّفق عليها مع الوسطاء، ليتبيّن اليوم الخميس، أن الحقيقية مغايرة، بحسب ما نقله تقرير إسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين لم يسمّهم، وآخرين من دول وسيطة، وأنه لم يكن أي اتفاق على موعد لعقد لقاء في الدوحة.

وبمعنى آخر، أعلن مكتب نتنياهو إجراء زيارة وهمية، وهناك من فسّرها بأنها مراوغة منه لامتصاص غضب عائلات المحتجزين الإسرائيليين عشية إقلاعه إلى الولايات المتحدة، فيما ينتظر الوسطاء منذ أكثر من أسبوعين الرد الإسرائيلي على مقترح الصفقة.

كيف بدأت كذبة نتنياهو والمسؤولين؟

أعلن مكتب نتنياهو يوم الأحد الماضي، أن رئيس الوزراء عقد جلسة مناقشات في ذات اليوم، حول قضية المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، بمشاركة فريق المفاوضات الإسرائيلي وعدد من كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، أوعز في نهايته إرسال فريق مفاوضات يوم الخميس (اليوم)، لمواصلة التفاوض. وفي حين لم يذكر البيان إلى أين سيُرسل الفريق، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين إسرائيليين مطّلعين، أنه سيتوجه إلى العاصمة القطرية الدوحة.

وعقدت جلسة المناقشات، على خلفية التصعيد الذي شهده يوم الأحد، من قبل عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة والغضب العارم، معتبرين أن سفر نتنياهو إلى واشنطن يعطّل التقدم في المفاوضات. وصدر البيان، ودُعِّم بإحاطة من قبل مسؤول أمني لم تسمّه وسائل الإعلام العبرية، ادّعى أنه سيتوجه إلى قطر اليوم الخميس برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنيع. وترك البيان إلى جانب الإحاطة، وأقوال أدلى بها نتنياهو خلال لقائه في واشنطن في اليوم التالي عائلات محتجزين إسرائيليين، انطباعاً لديهم ولدى آخرين بأن هناك تحركات قد تفضي إلى شيء ما أخيراً، فيما تعاطى آخرون بحذر شديد مع التطورات، في ضوء إفشال نتنياهو التجارب السابقة.

في غضون ذلك، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الخميس، بأنها توجّهت مساء أمس (بتوقيت القدس المحتلة) إلى جهات مختلفة مرتبطة بالمفاوضات، وقال مسؤول سياسي من أبرز الشخصيات المرافقة لنتنياهو في واشنطن، لم تسمِّه الصحيفة، إن "أحد أهداف لقاء رئيس الحكومة نتنياهو مع الرئيس الأميركي جو بايدن، التقدّم في مقترح الصفقة لتحرير المختطفين. وسيبحث الزعيمان المقترح وكيف يمكن التقدّم به. لذلك، سيتوجه الوفد الإسرائيلي إلى المحادثات بعد لقاء الزعيمين اليوم الخميس".

الوسطاء لم يبلّغوا بأي لقاء

بحسب الصحافي رونين بيرغمان، المختص بشؤون الأمن القومي في ذات الصحيفة، فإنه "يجب قراءة الصيغتين (البيان والتصريحات) مرة ثانية، وحتى مرة ثالثة، حتى ندرك مدى التذاكي. ظاهرياً، قيل بوضوح إن وفد المفاوضات الإسرائيلي بشأن عودة المختطفين كان من المفترض أن يغادر إلى قطر اليوم، ولكن لأن هناك قضايا جوهرية في هذا الشأن، ستُناقَش في لقاء بايدن ونتنياهو. وبسبب تأجيله لمدة يومين، تأخرت أيضاً مغادرة الوفد إلى قطر. هكذا فهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية كلام المصدر السياسي نفسه، وسرعان ما رددته: تأجيل مغادرة الوفد المفاوض إلى الدوحة". وأوضح الكاتب أن هذا "يبدو منطقياً، لكنه غير صحيح، وذلك أن زيارة الوفد لقطر لم تُحدَّد إلى اليوم، ولا لأي يوم آخر، وبالتالي لم يكن بالإمكان تأجيلها، لأنها غير قائمة أساساً".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار من الدول الوسيطة لم تسمّهم، أنه لا علم لديهم بأي لقاء كان من المفترض أن يُعقد بالدوحة لاستكمال المفاوضات، وحتى لم يتبلغوا طلباً من قبل إسرائيل لعقد لقاء كهذا، ولم يمنحوا موافقتهم على أية محادثات اليوم الخميس.

وبحسب مصادر الصحيفة، التي تفند أصلاً إمكانية عقد اللقاء الذي أعلنه مكتب نتنياهو، وحقيقة تراجع إسرائيل عن تفاهمات سابقة بشأن الصفقة، فقد قالت المصادر: "حتى الآن، لم يُحدَّد موعد لمغادرة الوفد لاستئناف المحادثات، وذلك لأنه في الاجتماع الأخير، يوم الأربعاء، قبل أسبوعين، عُقد في الدوحة اجتماع رفيع المستوى، بمشاركة رئيس وزراء قطر ورئيس الموساد ورؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وكبار المسؤولين الأمنيين المصريين ورئيس وكالة المخابرات المركزية... وفاجأ الإسرائيليون المجتمعين، بطرح مطالب جديدة، بعضها بخلاف ما كانت إسرائيل قد وافقت عليه في المقترح الذي نقلته هي، ونشره بايدن".

وأعلن الوفد الإسرائيلي أن إسرائيل تصر من جديد على إجراء فحوصات أمنية للعائدين إلى شمال قطاع غزة، ما يعني تراجعها عن استعدادها للانسحاب من محور نيتساريم أو أجزاء منه. وكانت هناك مطالب أخرى بحسب الصحيفة العبرية، منها نقل مناقشة قضايا معينة، من الأيام التالية لبدء وقف إطلاق النار، ومناقشتها فقط في إطار المفاوضات في المرحلتين الثانية والثالثة، أي إغلاق الطريق عليها حتى قبل أن تبدأ. وتعني هذه الطلبات أيضاً عرقلة المفاوضات وتقليل احتمالات التوصل إلى صفقة.

وأشارت الصحيفة إلى وجود مسؤولين إسرائيليين يعتقدون أن هذا هو أسلوب نتنياهو في إدارة المفاوضات من أجل إفشالها، فيما يرى آخرون أن حركة حماس كانت في وضع أفضل عند تقديم المقترح السابق، بينما تقع تحت ضغط أكبر اليوم، وبالتالي هذه فرصة للضغط عليها أكثر. بالمقابل، إن أي تأخير من جهة الاحتلال قد يكلّفه المزيد من حياة أسراه.

كذلك لفتت إلى أن قطر طالبت إسرائيل بأن عليها في المرة المقبلة التي ترد فيها على مقترح الصفقة وما يدور في المفاوضات، الإجابة عن جميع النقاط، بما في ذلك مدى اتساع مفاوضات المرحلة الثانية وطول مدتها، وبالتالي مدة وقف إطلاق النار، وكذلك حول القضايا الجديدة التي أثارتها إسرائيل، "وطالما لم ترد إسرائيل التي توجد الكرة في ملعبها، فلا معنى للمفاوضات"، وفق ما ورد في الصحيفة العبرية.

وأشار الصحافي رونين بيرغمان، لإحدى روايات المؤسسة الأمنية الاسرائيلية، إلى أنه كانت هناك نية كاملة في الإعلان الذي أصدره مكتب نتنياهو، وبدعم من أعضاء من فريق التفاوض، لإرسال وفد لاستئناف المحادثات في الدوحة اليوم. ولفت في ذات الوقت إلى أن إسرائيل لم تُبلغ أياً من الأطراف المشاركة في المفاوضات، ولا حتى قطر، باعتبارها الدولة المضيفة، رغم أن ترتيب لقاء من هذا النوع يتطلب تواصلاً بين جميع الأطراف المعنية وموافقتها.

وزعم مسؤولون إسرائيليون، لم تسمّهم الصحيفة: "كنا ننوي الانتهاء من إعداد الرد الإسرائيلي مساء الأحد وإرساله (للوسطاء) ومن ثم نتصل بالدوحة وندعو أنفسنا إلى اجتماع الخميس".

تقليل الضغط

خلاصة الأمر، بحسب ما نشرته "يديعوت"، أن نتنياهو وعد بأن يغادر الوفد المفاوض إلى قطر اليوم الخميس، لكن المقترح الإسرائيلي لم يكتمل على الإطلاق، ولم يعرف الوسطاء أصلاً باللقاء.

وقال مسؤول كبير في إحدى الدول الوسيطة، لم تسمِّه الصحيفة، إن "نتنياهو أراد أن يخفف عن نفسه ضغوط أهالي المختطفين والجمهور في إسرائيل، بأن المفاوضات لن تتأخر بسبب زيارته لواشنطن، ولذلك نشر الخبر، وبدعم غريب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، نُشرت قصة وكأن المحادثات ستُستأنف الخميس في الدوحة. نحن وجميع المشاركين في المفاوضات ننتظر منذ أسبوعين رداً إسرائيلياً، على سلسلة نقاط، وهو رد لم يصل بعد، وحتى عندما يصل ليس من الواضح متى وكيف وأين ستُستأنف المفاوضات".