جدولة سحب القوات الأجنبية: فصل من الصراع الإيراني الأميركي في العراق

03 مارس 2018
يستهدف القرار القوات الأميركية على وجه الخصوص (فرانس برس)
+ الخط -
قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات التشريعية في العراق المقرر إجراؤها في الثاني عشر من مايو/أيار المقبل، تتصاعد حدة المواجهة بين أحزاب وكتل برلمانية وفصائل مسلحة مقربة من إيران من جهة، وبين رئيس الوزراء حيدر العبادي من جهة أخرى، في ما يتعلّق بملف الوجود العسكري الغربي في العراق وعلى رأسه الجيش الأميركي الذي يمتلك أكثر من 11 ألف عسكري بينهم نحو 6 آلاف عنصر مخصص لأغراض قتالية. ونجحت هذه الكتل البرلمانية أخيراً، في انتزاع قرار تم التصويت عليه في جلسة البرلمان مساء الخميس، يلزم رئيس الوزراء بتحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من كامل الأراضي العراقية.

ويقضي القرار الذي اعتبر نافذاً ليلة الخميس الماضي بتصويت 130 نائباً من أصل 171 حضروا الجلسة، بوضع رئيس الوزراء جدولا محددا بتواقيت زمنية معلنة لجلاء القوات الموجودة بالعراق بعد أحداث العاشر من حزيران/يونيو 2014، في إشارة إلى اجتياح تنظيم "داعش" للعراق، وتشكيل "التحالف الدولي ضد الإرهاب" بقيادة واشنطن.


وأبرز تلك القوات الأجنبية في العراق هي الجيش الأميركي بواقع يزيد عن 11 ألف عسكري موجودين في قواعد غرب وشمال ووسط البلاد، موزعين بين جنود قتاليين ومستشارين ومدربين وضباط رصد وتحليل معلومات وفنيين، يضاف لهم متعاقدو شركات أمنية ومقاولون، تليها القوات البريطانية ثم الأسترالية والبلجيكية والكندية والدنماركية والفرنسية والألمانية والإيطالية والهولندية والإسبانية والتركية، فضلاً عن دول أخرى لها تمثيل لأغراض التدريب والدعم اللوجستي فقط، مثل السويد والمجر، فيما تتواجد بضعة آلاف من قوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني إلى جانب مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق، إلاّ أنه غير واضح إن كان قرار البرلمان أول أمس يشملهم أصلاً، كون العراق ينفي وجود تلك القوات على أراضيه على خلاف القوات الغربية الأخرى.

في غضون ذلك، كشف قيادي بارز في التحالف الوطني الحاكم، وهو عضو في البرلمان، لـ"العربي الجديد"، عن "خطوة ثانية تتبع استصدار القرار البرلماني في ما يتعلّق بالقوات الأجنبية في العراق"، موضحاً أنّ "نواب كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وكتلة الفضيلة والمجلس الأعلى وبدر بدعم من فصائل الحشد الشعبي في تحالف الفتح الانتخابي، سيتجهون إلى الضغط على رئيس الحكومة لوضع جدول زمني، يستهدف خصوصاً الجيش الأميركي، قبيل انتهاء عمر الحكومة الدستوري في الثلاثين من الشهر المقبل، مستغلين الحملات الانتخابية في الترويج للأمر من باب الوطنية".

وأكّد القيادي نفسه "وجود نيّة لمساءلة العبادي برلمانياً في حال تأخّر في إعلان موقفه من مسألة الجدول الزمني"، مضيفاً أنّ "القرار البرلماني لخروج القوات الأجنبية لم يحدد جدولاً زمنياً بعينه، بل طالب الحكومة بوضع جدول من دون أن يحدد عاما أو عامين أو حتى خمسة أعوام. لكن إذا ماطلت الحكومة، ستتقدم الكتل نفسها التي صوتت على القرار الأول بقرار مماثل".


وأشار القيادي نفسه إلى أنه "بحسب حراك بعض النواب، فإن الخطوات المقبلة ستتمثل بتفعيل الدستور الذي يمنع وجود أية قوات أجنبية على الأراضي العراقية من دون موافقة البرلمان"، متوقعاً أن تشهد العلاقة بين العبادي ومجلس النواب "مزيداً من التوتر خلال الفترة المقبلة بسبب هذا الملف الشائك". ولفت إلى أنه "من غير المرجح أن تكفي فترة الشهرين المقبلين لتحديد جدول زمني من قبل حكومة العبادي، وهو ما تعيه كتل وأحزاب وفصائل مسلحة، لكنها تصرّ على الضغط على العبادي، وتحاول إظهاره كأنه مدافع عن القوات الأجنبية وخصوصاً الأميركية، وتصنفه في معسكر آخر مقابل لها، وكل ذلك في إطار الرؤية الإيرانية والتنافس الانتخابي بالتأكيد".

وفي أول تعليق للحكومة العراقية على الموضوع، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء،  سعد الحديثي، إنّ "من حقّ البرلمان المطالبة بمغادرة القوات الأجنبية، لكن الحكومة لا تزال في حاجة للمساعدة في ما يتعلّق بالأمن والعمليات اللوجستية الأخرى". موضحاً في تصريح نقلته محطات تلفزيون عراقية محلية، أن "الإرهابيين ما زالوا يشكّلون خطراً على العراق، لكن عدد هذه القوات من الممكن أن يتغيّر مع تحقيق مزيد من التقدّم نحو الاستقرار الكامل في البلاد".



بدوره، أوضح العضو في البرلمان والمقرّب من رئيس الوزراء العراقي، جاسم محمد جعفر، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن "الحكومة ممثّلة برئيس الوزراء، مع الإبقاء على القوات الضرورية التي يحتاج لها العراق في دعم قواته، لذلك فإنه من حيث المبدأ، سيكون هناك برنامج كامل لانسحاب القوات الأجنبية من العراق، بجدول زمني وتنسيق بين بغداد وهذه القوات"، مضيفاً "لن تكون هناك قواعد أجنبية مستقلة لهذه القوات داخل العراق، وموضوع إلزام الحكومة بانسحاب القوات الأجنبية تقدّره الحاجة والمصلحة بالدرجة الأولى، وهو ما تحدده الحكومة نفسها".


وفي السياق، أكد عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون" محمد الصيهود، أنّ "الحكومة العراقية لا تمتلك أية مبررات لإبقاء القوات الأجنبية في العراق"، موضحاً أنّ رئيس الوزراء حيدر العبادي "ملزم أمام البرلمان بوضع جدول زمني لخروج هذه القوات". وأشار الصيهود في تصريح صحافي إلى أن "الاستعانة بمستشارين أجانب لخدمة القوات المسلحة العراقية لا يبرر إبقاء أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي"، مبيناً أنّ "قرار البرلمان بخروج القوات الأجنبية لا يستثني أية دولة".

وكان البرلمان العراقي قد صوّت الخميس الماضي على قرار يطالب الحكومة بوضع جدول زمني لخروج القوات الأجنبية، وهو ما اعتبر من قبل سياسيين بأنه استجابة للضغوط الإيرانية.

وأكّد السياسي العراقي عماد الجبوري، في هذا الإطار، أن القوى التي دفعت باتجاه إصدار هذا القرار "انطلقت من سببين، الأول تحقيق دعاية انتخابية مباشرة، والثاني إرضاء الإرادة الإيرانية التي تمتلك القدرة على التحكّم بقرارات عراقية مصيرية لارتباط أحزاب وقوى ومليشيات عراقية بها".

وأوضح الجبوري في حديث لـ "العربي الجديد" أنّ "قرار إخراج القوات الأجنبية جاء متناغماً مع رغبات فصائل مليشيا الحشد الشعبي التي طالبت في أكثر من مناسبة بخروج القوات الأجنبية"، مشيراً إلى "وجود خشية لدى فصائل الحشد من احتمال ضعف دورها خلال المرحلة المقبلة بعد انتفاء الحاجة إليها نتيجة لانتهاء الحرب على تنظيم داعش الإرهابي". وأكّد أنّ هذه الفصائل تعتقد أنّ قوّتها تكمن في خروج القوات الأجنبية لتحقيق نصر سياسي ينفعها في الانتخابات المقبلة التي قرّرت خوضها بقائمة منفصلة أطلق عليها اسم "الفتح" برئاسة النائب هادي العامري.

إلى ذلك، حذّر المرجع الديني العراقي، محمد تقي المدرسي، من وجود محاولات لإضعاف مليشيا "الحشد الشعبي"، موضحاً في بيان أن "هذه المحاولات تمهّد لعودة الإرهاب". وأضاف أنّ "قوى الظلام وذوي الأطماع التي دعمت التكفير ما تزال نشطة وتتربص بنا"، داعياً إلى الوقوف بوجه الأصوات التي تدعو إلى "إضعاف دور المقاومة الوطنية" المتمثلة بـ "الحشد الجهادي"، كونها تعلم "مدى دور الحشد في تطهير العراق من رجس الإرهاب"، بحسب قوله.

وتصاعدت حدة المواقف البرلمانية العراقية تجاه الحكومة والوجود الأجنبي على خلفية تصريحات لمسؤولين أميركيين أكّدوا فيها أن وجودهم في العراق طويل الأمد. وقال نائب وزير الدفاع الأميركي، ديفيد تراشيتنبرغ، في وقت سابق، إن بلاده "لا تحتاج إلى إذن في حال قررت البقاء في العراق أو سورية"، مؤكداً أنّ التفويض الذي حصت عليه الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 "يتيح لها مكافحة الجماعات الإرهابية، ويسمح للقوات الأميركية البقاء في الشرق الاوسط نحو عشرين عاماً لمحاربة التشدًد".


ولفت تراشيتنبرغ إلى أنّ انسحاب القوات الأميركية قبل الأوان "قد يؤدي إلى تجديد قدرات الجماعات الإرهابية، لأنه سيخفف الضغط عنها، وهذا ما قد يبرر الوجود الأميركي في العراق وسورية إلى أجل غير مسمى".

وبحسب المحلل السياسي، علي مراد، فإن "الضغوط التي تمارس على الحكومة العراقية من أجل إخراج القوات الأجنبية من العراق، يمكن أن تضعف أسهم العبادي في الانتخابات، لكنها قد لا تؤدي إلى إصدار قرار فعلي للتخلي عن الدعم العسكري الأجنبي بسهولة"، مؤكداً في حديث لـ "العربي الجديد" أن العراق "دولة منضوية ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ودخول القوات الأجنبية للبلاد تمّ على أساس عضويتها في التحالف الدولي". وأوضح مراد أنّ "إثارة مسألة السقف الزمني لوجود القوات الأجنبية في هذا الوقت، تشير بوضوح إلى وجود صراع إرادات أميركي إيراني على الأراضي العراقية".