فصول إماراتية لضرب الحكومة اليمنية: خسائر للطرفين ومكاسب للحوثيين

25 ديسمبر 2018
ساهمت السياسة الإماراتية في انتشار الفوضى بعدن(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتوقف محاولات التحالف العربي، تحديداً الإمارات، على مدار الأعوام الماضية، الهادفة إلى إضعاف الشرعية اليمنية، قبل أن ترتد سياسات أبوظبي سلباً على الطرفين فضلاً عن إفساح المجال أمام تدخلات دولية أكبر في اليمن إلى جانب تقوية الحوثيين ومن خلفهم إيران.
وتصاعدت محاولات الإمارات تباعاً على مدار السنوات الماضية، لكنها بلغت ذروتها خلال عامي 2017 و2018.
ترافق تحرير عدن في يوليو/تموز 2015 مع إنشاء أبوظبي مليشيات وجماعات خارج إطار الشرعية تحت ذريعة مواجهة الحوثيين، لكن سرعان ما تبين أن الهدف الأساس منها محاربة قادة الشرعية والتحكم بالملفات العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية. وصل الأمر بالإمارات إلى حد الضغط، في نهاية 2015، لإقالة قائد مقاومة عدن، محافظها السابق، وزير الشباب والرياضة الحالي، نايف البكري، ومنعته بشكل نهائي من العودة إلى عدن على غرار ما حدث لكثر من منتقديها، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين. كما أجبرت الإمارات، الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي عاد لأول مرة إلى عدن في سبتمبر/أيلول 2015 أي بعد أسابيع من تحريرها بعد أن خرج منها إثر تقدم الحوثيين باتجاهها في مارس/آذار من العام نفسه، على مغادرة العاصمة المؤقتة مجدداً. وأُجبر هادي أكثر من مرة على المغادرة بعد ذلك في 2016 و2017، كما مُنع نهاية أغسطس/آب من العام 2017 من العودة إلى عدن، ثم منع في يناير/كانون الثاني من العام 2018 قبل أن يزورها في يونيو/حزيران 2018. واستمرت ممارسات الإمارات ضد هادي، ما أدى إلى توسّع الهوة بين الشرعية والتحالف، حتى ذكرت الكثير من المصادر أن هادي، كان أغلب الوقت تحت ما يشبه الإقامة الجبرية، برغبة إماراتية وتنفيذ سعودي. واعتبرت أوساط سياسية يمنية ما يجري إهانة للسيادة اليمنية والدولة ومراكزها ومناصبها المهمة والحساسة، وإضعافا للشرعية والتحالف في آن معاً.



الصراع الذي بدأته الإمارات مع الشرعية وأطرافها، بلغ ذروته، عبر منع الحكومة من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتكوين مليشيات وجماعات خارج إطار الشرعية، وفي مقدمتها قوات الحزام الأمني في عدن ولحج والضالع وأبين، وقوات النخبة في شبوة وحضرموت، فيما لم تنجح محاولاتها في المهرة وتعز ومأرب. كما دعمت تشكيلات مسلحة أخرى موازية لـ"الحزام الأمني" والقوات التي تدار مباشرة من المجلس الانتقالي، إضافة إلى تشكيل ودعم قوات حراس الجمهورية، التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
كما دعمت قوى وتكتلات أخرى مثل المجلس الانتقالي، وأقرباء صالح، وجزء من حزب المؤتمر، إلى جانب قيادة حزب الرابطة، وحاولت استخدام بعض حلفاء إيران في جنوب اليمن، كالرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد، وآخرين لكنها فشلت وفق مصادر مقربة من الطرفين. كما لجأت إلى تبني سياسة تصفيات ممنهجة طاولت رجال دين بارزين وشخصيات تنتمي لأحزاب إسلامية، يتقدمهم حزب "الإصلاح" فرع "الإخوان المسلمين" في اليمن. ويضاف إلى كل ذلك عدم تنفيذ الوعود في إعادة الإعمار رغم مرور ثلاث سنوات على تحرير أغلب مدن ومحافظات اليمن.

وترافقت محاولات أبوظبي لإضعاف الشرعية في الشق الأمني مع تأسيس كيان سياسي خاضع لها يناسب مصالحها ومشاريعها. وفي إطار هذا التوجه، حاولت أبوظبي تقديم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسته في 2017 كبديل عن الشرعية والتعامل مع رئيس المجلس الانتقالي،  محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، كرئيس لليمن، بدلاً من هادي من دون أن تنجح في هذا المسعى. وبلغ بها الأمر حد مهاجمة طائراتها قوات الحماية الرئاسية في 16 سبتمبر/أيلول 2017 لتمكين المليشيات المدعومة منها من السيطرة على بعض النقاط، والمؤسسات، في مقدمتها مطار وميناء عدن، ما عد أول محاولة انقلاب علنية تقودها ضد الشرعية.
إثر ذلك، اشتدت المواجهة بين الشرعية والإمارات، في ظل حكومة أحمد عبيد بن دغر، الذي دخل في صدام مع الإمارات، وحاولت الأخيرة دعم انقلاب ثانٍ ضد الشرعية في 28 يناير/كانون الثاني 2018، بعد رفض رئيس الحكومة حينها بن دغر، وفق المصادر، تقديم تنازلات فيما يخص الموانئ والجزر اليمنية. استخدمت الإمارات طائراتها لدعم مليشياتها، عبر مهاجمة قوات الحماية الرئاسية المكلفة بحماية القصور الرئاسية، لكن بن دغر رفض مغادرة قصر المعاشيق، وحمل الإمارات المسؤولية، طالباً من السعودية التدخل لمنع انهيار الأوضاع وتهديد وحدة تحالف دعم الشرعية. وسارعت السعودية لإيقاف المحاولة الانقلابية الثانية، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبيل بدء الانقلاب، على الرغم من أن مصادر عديدة حينها تحدثت عن أن الرياض كانت تدرك وجود مخطط انقلاب ثانٍ ضد الشرعية في عدن، لكنها أعطت الإمارات وحلفاءها مهلة 48 ساعة لحسم المعركة، غير أنهم فشلوا في المرة الأولى.
هذه الأحداث أحدثت انقساماً في الشارع الجنوبي، وبدأت معها مرحلة جديدة اعتبرت فيها الكثير من القوى الجنوبية، أن الإمارات لم تعد حليفة وتحولت إلى دولة احتلال. وخرجت تظاهرات تطالب برحيل الإمارات، وتصفها بـدولة احتلال، ومزقت صور قادة الإمارات. كما طاولت الانتقادات الدور السعودي. ومكّنت هذه التطورات من عودة حلفاء إيران إلى الظهور في عدن وحضرموت ولحج، فيما واصلت الشرعية صراعها مع الإمارات، الذي انتقل إلى جزيرة سقطرى بعد زيارة رئيس الحكومة في ذلك الحين أحمد عبيد بن دغر إلى الجزيرة عقب التحركات الإماراتية لفرض الوصاية عليها، والتي اعتبرتها الشرعية انتهاكاً للسيادة. واتهمت أطراف في الشرعية الإمارات بأنها تسعى لفصل الجزيرة عن اليمن، لاسيما أن الأوضاع زادت تأزماً عقب نشر الإمارات قواتها في الموانئ ومطار سقطرى، بعد زيارة بن دغر ومنعته من الحركة داخل سقطرى. حينها رفض رئيس الحكومة مغادرة سقطرى حتى خروج القوات الإماراتية. ورفعت الحكومة اليمنية مذكرة إلى مجلس الأمن تشكو فيها الإمارات، ما عد يومها أهم تصعيد للشرعية ضد الإمارات.
لكن وفقاً لمصادر عدة تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن الإمارات شعرت بالغضب والحرج من الشكوى اليمنية حينها، ما مهد لمرحلة جديدة عنوانها الحملات الإعلامية بين الطرفين. وبينما لعبت الإمارات على وتر الإرهاب والحديث عن أن بعض القوى المحسوبة على الشرعية تضم متشددين، فتحت الشرعية المجال أمام الصحافة الدولية، وأخرجت ملفات السجون والمعتقلات والانتهاكات الإنسانية والجرائم التي ترتكبها الإمارات في مناطق سيطرتها، ما أحرج الأخيرة ودفعها إلى محاولة تخفيف الأزمة عبر نقل الصلاحية الأمنية على السجون والمعتقلات التي تديرها مباشرة أو عبر وكلائها من المليشيات إلى الشرعية، خصوصاً بعد اتضاح حجم الانتهاكات وتزايد الانتقادات لأبوظبي من قبل المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية.
ووفق مصدر خاص مقرب من الطرفين، تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "الصراع بين الطرفين وصل إلى ذروته منذ حادثة سقطرى، وامتد بشكل خاص من يونيو/حزيران الماضي إلى منتصف أكتوبر/تشرين الأول، ودفع الطرفان أثماناً باهظة له". ولفت المصدر إلى أن الإمارات سعت إلى "إذلال وإضعاف الشرعية، من خلال إيقاف الموارد الاقتصادية والتلاعب بالعملة والاقتصاد والأسعار، وهيأت ودفعت لتنفيذ انقلاب آخر، ووصل الصراع لدرجة أن كل طرف يستعد للمواجهة الفاصلة، لكن تطورات مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وموقف السعودية المحرج (بعد انكشاف تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) أدت إلى تغيير مسار هذا الصراع، وأجبرت هذه التطورات الطرفين على تقديم تنازلات، فقدمت الشرعية رئيس الحكومة بن دغر كبش فداء (أقاله هادي من منصبه في أكتوبر/تشرين الماضي وأحاله للتحقيق وتم تعيين معين عبد الملك سعيد خلفاً له)، مقابل تقديم الإمارات المجلس الانتقالي كبش فداء، وفتح نافذة لتقارب بين الطرفين، يبدو وفقاً للكثير مؤقتا، مع التأكيد أن الأمر تأخر كثيراً".
وبرأي المصدر فإن "ما كان يجري من صراع داخل الشرعية والتحالف، كان برضى غير مباشر من الرياض، التي كانت تقف مع حليفتها أبوظبي"، الأمر الذي كان له انعكاسات سياسية ودبلوماسية عدة وحتى عسكرية.
مساعي التحالف السعودي الإماراتي في إضعاف الشرعية، وتسليط الضوء على الصراع بين الإمارات والشرعية، ساهم في تخفيف الضغط على الحوثيين، داخلياً حيث تمكنوا من تحقيق انتصارات ميدانية عسكرية في جبهات عدة ومن أهمها مدينة تعز، التي لم يسمح التحالف السعودي الإماراتي بتحريرها فيما يستعمل الحوثيون حصارها كورقة ضغط رابحة لهم.
كما أن الحوثيين تمكنوا من الحركة على المستوى الدبلوماسي وداخل المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية مستغلين خلافات الشرعية والتحالف، كما أنهم وجدوا في التطورات فرصة للتقارب مع الكثير من الناشطين لمواجهة الدور الإماراتي والصمت السعودي في المناطق المحررة.
ومثلت المحادثات الأخيرة في السويد ومخرجاتها أحد المكاسب التي حققها الحوثيون في الحديدة والدخول في شراكة مع الشرعية في التحكم بمصير المدينة التي كانت أقرب لسيطرة الشرعية.
ولا يستبعد مصدر في الحكومة الشرعية، تحدث مع "العربي الجديد" أن ينعكس مجمل التطورات على إمكانية استمرار التحالف السعودي الإماراتي والشرعية في اليمن.