خلافات انتداب المستشارين وتعيين المتخرجين على طاولة السيسي

25 ديسمبر 2018
القضاة المنتدبون يمثلون النسبة الأعظم من عدد المنتدبين(إسلام صفوت/Getty)
+ الخط -



عاد الملف القضائي إلى الواجهة في مصر، إثر لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الأحد الماضي، برؤساء عدد من الهيئات القضائية، على رأسها مجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى. وهو لقاء غير مألوف من ناحية التوقيت والأطراف المشاركة فيه، إذ كان معتاداً في السابق أن يلتقي السيسي رؤساء الهيئات القضائية، كل على حدة، بمناسبة تغيير رئاسة الهيئات ببلوغ الرؤساء السابقين سن التقاعد واختيار رؤساء جدد، في نهاية يونيو/حزيران من كل عام.

في هذا السياق، أفادت مصادر قضائية، من هيئتين مختلفتين، بأنه "تمّ تحديد اللقاء منذ مطلع الشهر الحالي لرغبة السيسي في الاستماع إلى رؤية القضاء لحل مشكلة قانون تنظيم انتداب القضاة، الذي تسابق الحكومة الزمن لإصداره قبل منتصف شهر يناير/كانون الثاني المقبل، تنفيذاً للإلزام الدستوري الذي يحظر استمرار انتداب القضاة ونقلهم للعمل في الجهات الحكومية بعد مرور 5 سنوات على إصدار دستور 2014".

وأضافت المصادر أن "مجلس الدولة، باعتباره الهيئة التي يمثل أعضاؤها أكثر من 80 في المائة من إجمالي القضاة المنتدبين كمستشارين بالجهات الحكومية، يحاول الالتفاف على النص الدستوري، فيكتفي البرلمان بإصدار القانون قبل منتصف الشهر المقبل، تأسيساً على قراءة حرفية وتفسير جديد للمادة الدستورية، ثم يصدر القانون متضمناً منح الحكومة أجلاً طويلاً للاستعداد لتنفيذه، مما يعني تأجيل تطبيق الحظر سنوات عدة، بحجة عدم قابلية هذا النص الدستوري للتطبيق حالياً، بسبب الزعم باحتياج الجهات الحكومية لخدمات القضاة المنتدبين لترتيب أوضاعها القانونية. الأمر الذي يثير مشكلة بين مجلس الدولة من جهة ووزارة العدل من جهة أخرى".

من ناحيته، يدفع الوزير المقرب من دائرة السيسي الخاصة المستشار حسام عبد الرحيم، بقوة في اتجاه إصدار القانون بصيغة يراها تحقق الفائدة المرجوة من استمرار انتداب القضاة في الأماكن الحساسة، كرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ووزارة العدل ومجلس النواب وبعض الهيئات الاستثمارية والرقابية، تحت تعريف واسع ومرن في مشروع القانون لعبارة "إدارة شؤون العدالة" المذكورة في النص الدستوري كاستثناء يسمح بانتداب بعض القضاة فقط.

ويرى الوزير أن "إصدار القانون سيحقق الهدف الرئيس من إصرار دائرة السيسي على تمريره، وهو تخفيض الإنفاق العام على فئات المستشارين الحكوميين المنتمين للهيئات القضائية، استمراراً لعدم رضا السيسي، بل وغضبه أحياناً، من تفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية، وحصول مئات القضاة على مبالغ مالية تفوق رواتب أعلى المسؤولين الحكوميين بالجيش أو الشرطة نتيجة مزاوجتهم بين رواتب القضاء ورواتب عملهم بالسلطة التنفيذية، فضلاً عن إصدارهم أحكاماً وفتاوى تمنع تطبيق نظام الحد الأقصى للأجور عليهم".



وسبق لـ"العربي الجديد" أن نشرت تقريراً عن هذه القضية في مايو/أيار الماضي، كشفت فيه أن القضاة المنتدبين في الوزارات ودواوين المصالح الحكومية العادية يمثلون النسبة الأعظم من إجمالي عدد المنتدبين، وبصدور القانون المرتقب سيتم إلغاء انتدابهم جميعاً، مما سيتسبب في توفير مئات الملايين من الجنيهات كل عام، لكن هذا الأمر في المقابل لا يروق للقضاة، لأنهم إذا اكتفوا برواتبهم التي يحصلون عليها من عملهم القضائي فسوف يؤدي هذا إلى هزة كبيرة في مداخيلهم السنوية.

والمعروف أن أقدم نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ونواب رئيس مجلس الدولة لا يحصلون على أكثر من 60 في المائة من الحد الأقصى للأجور المحدد بالقانون وهو 42 ألف جنيه (2343 دولاراً)، أي حوالي 26 ألف جنيه (1450 دولاراً) شهرياً، في حين كان الانتداب يضمن لمعظم القضاة المنتدبين في وظيفة حكومية واحدة ما يتجاوز ضعف هذا المبلغ شهرياً. مع العلم بأن حوالي 20 في المائة من قضاة مجلس الدولة تحديداً، منتدبون في أكثر من وظيفة حكومية إلى جانب عملهم القضائي.

وأوضحت مصادر أخرى بوزارة العدل أن "السيسي استمع لوجهات النظر القانونية والموضوعية المتناقضة حول هذه القضية، ووعد القضاة بحسم موقف الحكومة سريعاً"، مشيرة إلى أن "مشروع القانون الذي أعدته الحكومة متداول حالياً في البرلمان، بعدما أبدى مجلس الدولة خلال مراجعته له ملاحظات عديدة وأثار شبهات بعدم دستوريته".

وذكرت المصادر أن "لقاء السيسي مع رؤساء الهيئات القضائية تطرّق أيضاً إلى مشكلة أخرى تتمثل في الإجراءات الجديدة لتدريب الخريجين الجدد المختارين للالتحاق بالسلك القضائي، والتي بدأت بإلحاق المختارين لهيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة بالأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب التي أنشأها النظام لتفريخ جيل جديد من العناصر الإدارية الموالية له، تمهيدا لزجّها في الجهاز الإداري للدولة والأجهزة السيادية والرقابية، وذلك لحين تنفيذ مشروع جديد باسم أكاديمية القضاة".

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في 14 الشهر الحالي أن "من بين أسباب تأخر قبول الدفعات الجديدة المختارة للعمل بالنيابة العامة ومجلس الدولة، أن بعض كبار القضاة بمجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة معترضون على إجبارهما على تدريب القضاة الشبان بالبرامج والدورات الجديدة، واشتراط التحاقهم بأكاديمية تأهيل الشباب، إذ يتخوّف بعض القضاة في المجلسين من الآثار السلبية لما قد يخلفه هذا الاتجاه الجديد، ليس فقط على المحصلة القانونية للقضاة الجدد ومدى قدرتهم على استيعاب القضايا المعروضة وإدراك مفاهيم العدالة، بل أيضا على علاقتهم بزملائهم الأقدم والأكثر خبرة، وانضمامهم للحقل القضائي، محمّلين بأفكار وانتماءات تتناقض مع السمات المفترض تمتع القضاة بها، كالحياد والنزاهة والابتعاد عن السلطة التنفيذية".