مسار تحرّك الفريق السعودي بالتفصيل... دلائل تدعم فرضية اختطاف خاشقجي أو تصفيته
وأعلنت وزارة الخارجية التركية اليوم أن التحقيق في اختفاء خاشقجي يأخذ مجراه، مؤكدة أن "مبنى القنصلية السعودية سيخضع للتفتيش في إطار التحقيق".
وبانتظار نتائج التحقيق الرسمية، فإنه يبدو أن عدداً من المعطيات بات يشكل الركيزة التي يستند إليها المحققون الأتراك، وأهمها ما التقطته كاميرات المراقبة أمام مقر القنصلية السعودية، والتي رصدت آخر صورة لخاشقجي قبل اختفائه، وكذلك كاميرات المراقبة على الطرق السريعة، والتي يجري عبرها تقفي أثر إحدى السيارات التابعة للموكب "الدبلوماسي" السعودي الغامض، والذي يحمل فريقاً خاصاً مؤلفاً من 15 شخصا، كانوا وصلوا إسطنبول في اليوم ذاته الذي اختفى فيه خاشقجي، وزاروا قنصلية بلادهم لمدة ساعتين ثم غادروها.
وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة "صباح" التركية، المقربة من الحكومة، في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، تفاصيل إضافية عن حادثة اختفاء خاشقجي، مرجحة وفق مصادر أمنية مقتله بعد تبديل خطة اختطافه، عقب ملاحقة قوى الأمن التركية للموضوع. لكن ذلك لا يلغي فرضية اختطافه، ولو بشكل أقل، وفق المصدر نفسه.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس "جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا" توران قشلاقجي، أنه شاهد تسجيلات فيديو عند الشرطة التركية، تثبت مقتل خاشقجي، دون إيراد تفاصيل. ويتوقع أن تعلن أنقرة نتائج التحقيق خلال يومين.
مسار تحرك فريق مهمة الاختطاف أم التصفية؟
ونقلت صحيفة "صباح"، انه بحسب المعلومات المتوفرة لديها، وصلت يوم اختفاء خاشقجي طائرتان "غولف ستريم" لإسطنبول، الأولى وصلت قبل دخوله بساعات، وتحمل الرقم HZKS2 وتحديداً عند الساعة 3:13 فجراً، والثانية بعد دخول خاشقجي القنصلية، وتحمل الرقم HZKS1 ووصلت الساعة 17:15. وهاتان الطائرتان VIP تعودان لشركة "سكاي برايم"، التي تتخذ من الرياض مقراً لها.
وأضافت الصحيفة أنه بحسب سجل المسافرين، فإن الطائرة الأولى أقلت تسعة ركاب، والثانية ستة ركاب، وبلغ عدد أفراد الطاقم سبعة. والطائرة الثانية أقلعت مرة أخرى عند الساعة 18:20، وذهبت لمصر، لتعود إلى الرياض في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الحالي. فيما الطائرة الأولى تحركت يوم اختفاء خاشقجي الساعة 22:46 باتجاه دبي، ومن هناك إلى الرياض.
ونقلت الصحيفة عن فريق التحقيق الخاص تقييمه أن فريق الاختطاف المخطط مؤلف من 15 شخصاً، وبعدما تسربت حادثة الاختفاء للرأي العام، وبدء تحقيق قوى الأمن، ربما غيّر خططه من الاختطاف إلى قتل خاشقجي، وهو احتمال عالٍ جداً.
وأضافت أن الفريق الذي جاء بالطائرة الأولى استقر في فندقٍ قرب القنصلية، فيما كان مقرراً للفريق الثاني أن ينزل في فندق آخر أيضاً قرب القنصلية، لكنه لم يدخله، حيث توجه من المطار للقنصلية ومنها للمطار فوراً، في حين يجري تفتيش جميع كاميرات المراقبة في الفندق وجواره، حيث كانت الحجوزات في الفندقين قد تمّت للخامس من الشهر الحالي.
إجازة مستعجلة للموظفين الأتراك
وبيّنت الصحيفة أن قوى الأمن تفتش وتدقق في كل المركبات التي خرجت من القنصلية بعد اختفاء خاشقجي، وترصد حركة اللوحات التي تحملها، مبينة أن بعض السيارات التي تحمل لوحات دبلوماسية ذهبت لمسافة 200 مترٍ من القنصلية، وهي مقر إقامة القنصل محمد العتيبي. وبحسب ما توصلت التحقيقات من معلومات، فإن العتيبي أجبر في الثاني من الشهر الحالي، جميع الموظفين الأتراك في مقر القنصلية على الإجازة بشكل عاجل ومستعجل، في وقت يتم تدقيق كامل كاميرات المراقبة في المطار، في كل جزء منه، من المواقف والمباني، والجوازات.
سيارة مظللة إلى مقرّ العتيبي
وأكدت الصحيفة أنه بعد اختفاء خاشقجي في القنصلية بساعتين ونصف، خرجت ست سيارات متعاقبة، كانت فيها 15 مسؤولاً سعودياً، بينهم أعضاء في الاستخبارات، وكانت هناك سيارة مرسيديس فيتو (فان) مظللة النوافذ، ذهبت إلى مقر إقامة العتيبي التي تبعد 200 متر عن مقر القنصلية، وبقيت السيارة هنا لمدة أربع ساعات، وتعتقد الشرطة أن خاشقجي نقل بهذه السيارة، فيما تقف الجهات المعنية في احتمال آخر بأن خاشقجي اختطف من قبل الاستخبارات السعودية وبمساعدة من عملاء استخبارات أجهزة أخرى، بإخراجه من القنصلية وخطفه، ولذا فإن الطرقات التي سلكتها المركبات يتم التحقق منها أولا بأول، فضلاً عن الأنظمة التي تسجل لوحات السيارات، حيث يعتقد أن خاشقجي نقل بإحدى الطائرتين اللتين وصلتا إلى إسطنبول يوم حادثة الاختفاء.
وفي تفاصيل تتقاطع مع معطيات الصحيفة التركية بخصوص عنصر "السيارة المظللة"، كانت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية قد ذكرت أن (الفان) هو واحد من ست سيارات يقول المحققون إنها تعود لموكب فريق أمني سعودي خاص، ويعتقدون أنه يقف وراء تصفية الصحافي السعودي المعارض لحكم محمد بن سلمان.
ويقول المحققون كذلك، بحسب "ذا غارديان"، إن الموكب خرج من القنصلية بعد ساعتين من دخول خاشقجي إليها. وأظهرت كاميرات المراقبة انه تمّ وضع صناديق داخل "الفان الأسود"، الذي حمل كما سيارات الموكب الأخرى، أرقاماً دبلوماسية. وبعد مغادرة القنصلية، استدارت ثلاث سيارات من الموكب يميناً، فيما أكملت ثلاث سيارات أخرى على الطريق الرئيسية، بحسب ما سجلت كاميرات المراقبة.
الصورة الأخيرة لخاشقجي أمام القنصلية
وفي سياق متصل ويتقاطع مع ما نشرته الصحيفة التركية، نشرت "واشنطن بوست" اليوم صورة التقطتها إحدى الكاميرات المنصوبة على مدخل القنصلية السعودية في إسطنبول، والتي تملك السلطات التركية صلاحية الاطلاع عليها. هذه الصورة تعتبر الأخيرة لجمال خاشقجي، وهي توثق لحظة دخوله إلى مقر القنصلية، يوم الثلاثاء الماضي، الواقع في تاريخ الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، في تمام الساعة الواحدة ظهراً و14 دقيقة و36 ثانية، مرتدياً بنطالاً رمادياً وسترة سوداء. ويصرّ السعوديون على أن خاشقجي غادر القنصلية من مدخل خلفي، وأن الكاميرات داخل القنصلية لم تكن تعمل في ذلك اليوم.
ولفتت صحيفة "واشنطن بوست"، إلى أن خطيبة خاشقجي، خديجة جنغيز، اطلعت على الصورة وسُئلت عنها في معرض استدعائها للمرة الأولى من قبل السلطات التركية للادلاء بإفادتها. وقالت الصحيفة إن ست كاميرات مراقبة على الأقل منصوبة أمام مدخل القنصلية السعودية الخارجي، بعضها تديره الشرطة التركية.
وبحسب الصحيفة، فإن أربع كاميرات على الأقل موجهة على مرأب السيارات التابع للقنصلية، وعلى المدخل الخلفي، وأخرى باتجاه الطريق المحاذية للمدخل الخلفي. وبحسب شركة أمنية مولجة أمن المنطقة، فإن التسجيلات أصبحت في يد الاستخبارات التركية.
كانت الزيارة الثانية للقنصلية
وقالت خديجة، في المقابلة مع الصحيفة الأميركية إن "الشرطة التركية أخذت بعض ملابس الصحافي السعودي لإجراء فحوص "دي أن آي"، وأنها أجرت معها استجوابين إثنين.
وروت خديجة أن والدها وافق على زواجها من خاشقجي الشهر الماضي، وأن الأخير اشترى شقة في إسطنبول لهما، كانا قد أتما تأثيثها، كما روت قصة تعارفهما، وذلك في معرض ردها على كل من يشكك في ارتباطهما، ويتهمها بالضلوع في حملة لتشويه صورة المملكة. وعرضت صور "سيلفي" معه خلال الصيف الماضي، مضيفةً "أنا موجودة فعلاً، وأنا خطيبته".
وأوضحت خديجة، أن خاشقجي كان متوجساً من زيارة قنصلية بلاده قبل زيارته الأولى لها في الأسبوع الذي سبق اختفاءه (خاشقجي زار القنصلية مرتين، واختفى خلال الزيارة الثانية). وقال حينها، بحسب ما أفادت نقلًا عنه، "لعل من الأفضل ألا أذهب"، مضيفة أنه "كان قلقاً من حصول شيء ما، لكنه بدل رأيه".
وروت كذلك أنه عند الساعة الرابعة من بعد ظهر ذلك اليوم، انتابها القلق بسبب عدم مغادرة خاشقجي القنصلية حتى ذلك الوقت، فاطلعت على توقيت إغلاق القنصلية على الإنترنت، لتجد أنه الساعة الثالثة والنصف. عند ذلك، اتصلت بصديقة لها، وهي "في حالة هستيرية"، وسألت حارس القنصلية عن خطيبها، فأجابها أنه "لم يعد هناك أحد في الداخل"، ما دفعها للإبلاغ حول اختفائه إلى الشرطة.
Twitter Post
|
وأعربت خطيبة خاشقجي عن إحباطها من قلة المعلومات التي حصلت عليها إلى حد الآن من سلطات بلادها، مشددة على "انتظارها للمعلومات الشافية من سلطات بلادها حول ما حصل فعلاً".
الرواية النهائية خلال يومين
وإزاء هذه المعطيات، أفاد توران قشلاقجي، في تسجيل صوتي وزعه على الإعلاميين العرب والأتراك في تركيا، بأنه "كان متواجداً عند الشرطة التركية، أمس، وشاهد فيديو لجمال خاشقجي والأفراد الذين جاؤوا من الخارج، إذ إن كل التفاصيل موجودة لدى الحكومة التركية". وأضاف "أظن خلال يومين سيتبين كل شيء، فكل شيء واضح، لا أستطيع قول أكثر، وخلال يومين أو ثلاثة أيام، سيبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل التفاصيل، والحكومة أعطت رؤساء تحرير بعض وسائل الإعلام التركية المشاهد، وسيتم نشرها حال إعلان أردوغان نتائج التحقيق لما حصل لخاشقجي"، مؤكداً مقتله.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد انتقد، أمس الإثنين، التصريحات التي تخرج من مسؤولي القنصلية السعودية في إسطنبول، قائلاً إنه "ليس بوسع القنصلية السعودية أن تنقذ نفسها بالقول إن خاشقجي غادر المبنى". وأضاف أردوغان، خلال مؤتمر صحافي، أن "على مسؤولي القنصلية السعودية إثبات أن خاشقجي غادر المبنى"، مشدداً على أن "علينا التوصل إلى نتيجة من خلال هذا التحقيق في أسرع وقت ممكن".
وأوضح أن الادعاء يبحث في سجلات وصول ومغادرة مواطنين سعوديين من مطار إسطنبول. وأشار الرئيس التركي إلى أن "هناك مسؤولية سياسية وإنسانية لمتابعة قضية الصحافي السعودي خاشقجي عن كثب"، مشيراً في هذا الصدد، إلى أن "مسؤولي الأمن والاستخبارات يبحثون قضية الصحافي السعودي.