تظهر الظروف المتلاحقة أن الوضع لم يكن مواتياً لتدشين حلفاء الإمارات مرحلة جديدة من التصعيد لإسقاط الحكومة الشرعية وإكمال الانقلاب المدعوم من التحالف السعودي الإماراتي. الأمر الذي كان أبرز ما جاء به إعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، عن إلغاء فعالية جماهيرية تصعيدية في ذكرى ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1963. وجاءت الخطوة بالتزامن مع حراك سياسي في العاصمة السعودية الرياض، التي توافد إليها أعضاء في مجلس النواب اليمني وطالبتها الحكومة بوقف تصعيد حلفاء أبوظبي في عدن.
وكان "الانتقالي"، وفي تطورٍ معاكس لما كانت عليه لهجة البيانات الصادرة عنه خلال الأسبوعين الأخيرين، قد أعلن عن عدم إقامة أي فعالية مركزية في ذكرى ثورة أكتوبر، وفيما أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، في عدن، أن "الاستعدادات للمهرجان الجماهيري الذي كان من المقرر أن يقام في المدينة، بدأت منذ أيام، برر المجلس بدوره، القرار المفاجئ بأنه نظراً للأوضاع المعيشية والإنسانية الصعبة التي يشهدها الجنوب ويعانيها أبناؤه، في كل المحافظات، نتيجة الانهيار الاقتصادي الكبير وانهيار العملة المحلية".
وجاء الإعلان بعد يوم على الأقل، من عودة رئيس "الانتقالي" محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، وقيادات بارزة، منها محافظ حضرموت السابق، رئيس "الجمعية العمومية" للمجلس، أحمد بن بريك، إلى عدن، قادمين من أبوظبي، وذلك للمشاركة وإدارة فعاليات التصعيد، التي كان من المقرر أن تُقام بالتزامن مع ذكرى الثورة، واستكمالاً للخطوات التصعيدية التي بدأت مطلع الشهر الحالي، بصدور بيان يعلن "التمرد" ضمنياً على الشرعية ويدعو للسيطرة على المؤسسات الحكومية.
وفي الوقت الذي حبست فيه عدن أنفاسها في انتظار 14 من أكتوبر، بعد التحركات العسكرية التي شرعت فيها القوات الموالية لأبوظبي والانفصاليين منذ أيام، بما فيها استحداث مواقع عسكرية في عدن، ونشر آليات، جاء الإعلان نتيجة لمستجدات غير معلنة بين أبوظبي والرياض، إذ تحدثت تسريبات لمصادر قريبة من الحكومة اليمنية عن أنها طلبت من نظيرتها السعودية اتخاذ موقفٍ إزاء تحركات الانفصاليين المدعومين من الإمارات، وهددت باللجوء إلى خطوات من شأنها أن ترفع غطاء "الشرعية" عن التدخل السعودي الإماراتي، على غرار الرسالة التي وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي بإدانة التحركات الإماراتية العسكرية في سقطرى خلال مايو/ أيار الماضي.
وشهدت الرياض أخيراً، حراكاً سياسياً مرتبطاً بالجانب اليمني، إذ أكدت مصادر قريبة من البرلمان لـ"العربي الجديد"، "توافد العديد من الأعضاء المؤيدين للشرعية إلى الرياض، جرت دعوتهم للتحضيرات من أجل عقد جلسة لأعضاء البرلمان اليمني المؤيدين للشرعية قد لا تستضيفها الرياض بالضرورة، بقدر ما يتم التحضير فيها، وإذا ما انعقدت، فإنها ستكون الأولى من نوعها منذ بدء التدخل العسكري للتحالف في مارس/ آذار 2015، بعدما كان البرلمان ورقة معطلة (قام الحوثيون بحله مطلع 2015)، ثم عاد كورقة في أيدي الجماعة وحليفها السابق علي عبدالله صالح".
وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها دعوة أعضاء البرلمان اليمني المؤيدين للشرعية إلى السعودية، إذ فشلت تحضيرات من هذا النوع، أكثر من مرة، لأسباب، أبرزها تعذر توافر النصاب القانوني لعقد جلسات برلمانية والمتمثل بنصف الأعضاء، إلا أن عشرة أعضاء على الأقل تمكنوا من الإفلات من مناطق الحوثيين في الأشهر الأخيرة. وهو ما يرفع فرص عقد جلسة جديدة، وإذا ما تمت، فإن المتوقع أن يجري خلالها انتخاب قيادة جديدة للبرلمان، بسبب وجود رئيس المجلس الحالي يحيى الراعي في العاصمة صنعاء. علماً أن البرلمان بالإضافة إلى الانقسام الحالي بين صنعاء وعواصم خارج البلاد، فإنه الأطول عمراً، إذ كان من المقرر انتخاب برلمان جديد في عام 2009، غير أن الأوضاع دفعت الأطراف السياسية لتمديد فترته نظراً للظروف التي تمر بها البلاد.
إلى ذلك، وصل إلى الرياض الأسبوع الماضي، رئيس الحكومة السابق خالد محفوظ بحاح، المعروف بقربه من أبوظبي، وسط أنباء عن ضغوط تدفع إلى تعديل أو تغيير في الحكومة الشرعية، كخطوة قد تؤدي إلى احتواء غضب حلفاء الإمارات جنوباً أو إشراك "المجلس الانتقالي" في الحكومة، على نحوٍ لا يبتعد عن كونه نتيجة لانتقادات متزايدة واجهتها الحكومة الشرعية خلال الأزمة الأخيرة. وكان مسؤولون في الشرعية قد ذهبوا إلى أن التصعيد الأخير يستهدف الحكومة، كخطوة لتمكين الانفصاليين وحلفاء أبوظبي عموماً، بعدما أظهرت الحكومة الشرعية خلال الأشهر الماضية مواقف رافضة للممارسات الإماراتية.