نهاية التحالف الأميركي الباكستاني: إسلام آباد تخشى عملاً مسلحاً

06 يناير 2018
من تظاهرات ضد ترامب في لاهور (عارف علي/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو الأزمة الأميركية ـ الباكستانية سائرة في اتجاه تصاعدي بلغ ذروته يوم الخميس بقرار واشنطن تعليق المساعدات الأمنية بقيمة مئات ملايين الدولارات تقدمها منذ عقود لباكستان، بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية، مطالبة "بتحرك حازم" ضد فصائل "طالبان" المتمركزة في باكستان. صحيح أن الأزمة في فصولها الأخيرة فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغريداته التي اتهم فيها إسلام آباد بـ"إيواء الإرهابيين"، إلا أن المشكلة الحقيقية بين البلدين بدأت مع وصول ترامب بالفعل إلى الرئاسة، وفي جعبته اتهام واضح لهذا البلد في ما يتعلق بـ"احتضان جهات تستهدف أميركا"، في إشارة إلى فصائل طالبان ــ باكستان وأطراف متحالفة معها تتخذ من هذا البلد مقراً لها، وهو ما تنفيه باكستان من جهتها، وتنظر في المقابل بريبة كبيرة إلى تفضيل ترامب الحلف مع الهند على حساب باكستان. ولم تعط المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت تقديراً بالأرقام للمبالغ التي سيتم تجميدها، إلا أنها أوضحت أنها تضاف إلى مساعدة عسكرية بقيمة 255 مليون دولار كانت أوقفتها سابقاً "إلى حين اتخاذ الحكومة الباكستانية إجراءات حاسمة ضد (حركة) طالبان الأفغانية وشبكة حقاني".

وتوالت ردود الفعل في باكستان إزاء تغريدة ترامب التي جاء فيها أن "الولايات المتحدة وبحماقة أعطت باكستان أكثر من 33 مليار دولار من المساعدات في السنوات الـ15 الأخيرة، في حين لم يعطونا سوى أكاذيب وخداع معتقدين أن قادتنا أغبياء. إنهم يقدمون ملاذاً آمناً للإرهابيين الذين نتعقبهم في أفغانستان. انتهى الأمر!". ووصلت التحذيرات الباكستانية إلى حد التخوف من إقدام أميركا على أي عمل مسلح داخل الأراضي الباكستانية. كما أعرب مسؤولون، منهم وزيرا الدفاع والخارجية، عن خيبة أملهم من عدم الاعتراف بما قدمته باكستان من التضحيات في سبيل مكافحة الإرهاب والتعاون مع الولايات المتحدة في الحرب في أفغانستان.


لكن الجيش الباكستاني تلقى الأمر بروية وحاول أن يمسك العصى من الوسط. فمن جانب هو أشاد بكل ردود الفعل الباكستانية حيال تصريحات ترامب، المتهمة لأميركا بالخيانة ورئيسها بالغباء، ولكنه في الوقت نفسه جدد عزمه على التعاون مع واشنطن، معتبراً إياها حليفاً استراتيجياً مهماً، وأن التعاون معها يصب في مصلحة الجميع، لأن التوتر في العلاقات معها سيضر في الدرجة الأولى بالمصالحة الأفغانية، ثم بأمن المنطقة، بحسب تصريحات الناطق باسم الجيش اللواء أصف غفورالكثير.

ردود فعل منسقة
وقد حركت تغريدات ترامب، منذ يوم الإثنين، الساحة الباكستانية بشكل واسع رغم تصريحات وزير الخارجية خواجه محمد أصف، التي حاول فيها التقليل من أهمية كلام ترامب الذي ترجم إلى قرار تنفيذي بوقف المساعدات لباكستان. وسبق لوزير الخارجية أن قال "لن نأخذ تصريحات الرئيس الأميركي على محمل الجد، لأنه رجل يقول ما يحلو له، وتصريحاته لا تعكس رأي صناع القرار في أميركا". كما تساءل الرجل حول ما فعلته أميركا في أفغانستان، بعدما فشلت هناك، على حد تعبيره. واستنفرت إسلام آباد قواها رسمياً باجتماعات مكثفة للحكومة ولمجلس الأمن الوطن والبرلمان الاتحادي. شعبياً سيرت منظمات دينية وسياسية، وعلى رأسها مجلس الدفاع عن باكستان الذي يضم أحزاباً دينية وسياسية، في العاصمة إسلام أباد وفي المدن الرئيسية، تظاهرات للتنديد بالموقف الأميركي. كذلك طلبت بعض الأحزاب من الحكومة  إعادة النظر بعلاقاتها مع أميركا. بهذا الخصوص، قال زعيم حركة الإنصاف عمران خان، إن "ما ندفعه اليوم هو نتيجة السياسة الهشة لحكوماتنا في الماضي. نحن لم نخض إلا حرب أميركا، وهذه هي النتيجة، فبعد أن دفعنا كل تلك الأثمان الباهظة والخسارة في الأرواح والمال، ها هي الولايات المتحدة تعبث بنا وتصف مواقفنا بالازدواجية والنفاق، وهي في الحقيقة تسخر منا. من هنا أدعو إلى إعادة النظر بسياساتنا الخارجية". كما قال رئيس الوزراء الباكستاني المقال نواز شريف، إن الولايات المتحدة الأميركية التي تصف الموقف الباكستاني بالازدواجية "تدري جيداً ما لعبته باكستان من الدور الأهم في قمع الإرهاب".


وكان وزير الدفاع الباكستاني خرم دستكير خان من الذين تلقوا تصريحات الرئيس الأميركي وموقف واشنطن عموما بنبرة غاضبة جداً، واصفاً تصريحات ترامب بـ"المستعجلة"، معرباً أيضاً عن خشيته من قيام الولايات المتحدة بأي عمل مسلح داخل الأراضي الباكستانية.
وما يحدث في أفغانستان له تأثير كبير على باكستان  وكان واحداً من أسباب التدهور في العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، وهو المشار إليه في تغريدات الرئيس الأميركي. لذا لا تخلو تصريحات أي مسؤول باكستاني من كلام أفغاني لدى التعقيب على الموقف الأميركي. بهذا الخصوص، يلفت وزير الدفاع الباكستاني إلى أن باكستان مستعدة للتعاون مع أميركا وأفغانستان بشأن القضية الأفغانية، "ولكنها إذا أرادت أن تخوض باكستان حرب أفغانستان بدلاً من أميركا، وإذا أرادت واشنطن نقل الحرب من هناك إلى هنا، فهذا أمر مرفوض تماماً، وليدرك الجميع موقف باكستان".


وكما أشار إليه وزيرا الدفاع والخارجية، فإن باكستان لديها الكثيرمن الأوراق. لم يتحدث الوزيران عن تلك الخيارات ولكنهما أشارا إليها في إطار التعاون الحالي مع أميركا. غير أن محللين وساسة تحدثوا عن تلك الخيارات بصراحة، وهي ما جمعتها قناة "الدنيا" في الثالث من الشهر الجاري، وقالت إن باكستان لديها أربع أوراق يمكن أن تلعبها ضد أميركا في أي وقت. وذكرت أن بين إسلام آباد وواشنطن أربع معاهدات بموجبها تقدم إسلام آباد المعلومات الاستخباراتية لواشنطن، وتنقل القوات الأميركية الاحتياجات اللوجستية عبر الأراضي الباكستانية إلى أفغانستان. كما يمكن للقوات الأميركية، بموجب تلك المعاهدات، استخدام الأجواء الباكستانية والحدود البحرية. وأشارت القناة إلى أن باكستان يمكنها إنهاء تلك المعاهدات الأربع مع الولايات المتحدة إذا ما لجأت إلى التصعيد أكثر.

الهند والصين حاضرتان

وفي خضم ردود الفعل الشعبية والسياسية كانت الهند والصين حاضرتان. فالأولى متهمة بالتحريض لتخريب العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، وهو ما أوضحه وزير الدفاع الباكستاني خرم دستكير في أكثر من تصريح أخيراً. أما الصين، فلأنها تقاربت مع باكستان، وهو أمر لم تتحمله واشنطن، وهو ما لمّح إليه أيضاً وزير الدفاع الباكستاني نفسه.
وبينما كانت الصين أول المنتقدين لاتهام ترامب لباكستان بإيواء المسلحين، إذ أوضحت الخارجية الصينية أن باكستان بذلت جهوداً كبيرة في محاربة الإرهاب، رحبت كل من أفغانستان والهند بتصريحات الرئيس الأميركي على قاعدة أن "موقف ترامب الأخير يشير إلى أن قادة الدول أدركوا أحقية موقف أفغانستان"، على حد تعبير الناطق باسم الرئاسة الأفغانية شاه حسين مرتضوي.