بات الترقب، مع الكثير من الشك والقلق، سيد الموقف لدى فلسطينيي قطاع غزة، الذين ينتظرون تطبيق التفاهمات التي عقدتها حركة "حماس" في القاهرة، أكان مع المسؤولين المصريين، أم مع القيادي الأمني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، التي جرت برعاية مصرية أخيراً، والتي تنص في غالبيتها، وفق التسريبات، على قضايا خدمية للسكان المحاصرين في القطاع.
وفي الأيام الثلاثة الماضية، دخلت كميات من السولار المصري إلى قطاع غزة، بشكل رسمي عبر معبر رفح البري، لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة. ورغم ذلك لم يتحسن جدول الكهرباء، وبقي بحدود تغذية لا تزيد عن الأربع ساعات يومياً في أحسن الأحوال، وذلك نتيجة تزامن تشغيل المحطة مع تقليصات إسرائيلية في كمية الكهرباء بطلب من السلطة الفلسطينية التي قررت فجأة وقف دفع ثمن الكهرباء للإسرائيليين. لكن فتح معبر رفح للسولار دون المواطنين العالقين على جانبي الحدود في غزة ومصر وفي العالم الخارجي، لم يكن مريحاً للفلسطينيين، الذين ينتظرون تحول التفاهمات إلى أشياء ملموسة على أرض الواقع، بعد 11 عاماً من الحصار والعزلة التي أرهقت مليوني فلسطيني.
ولا يزال اتفاق "حماس" ودحلان غير معلن، إلا ما يسربه بعض المقربين من الأخير عبر وسائل إعلام تابعة له، أو مقربة منه، في الوقت الذي تلتزم فيه "حماس" الصمت. ووفق قراءات مقربين منها، فإنها لا تريد التبشير بشيء من التفاهمات خشية ألا يراه الفلسطينيون على أرض الواقع، ويعودون بخيبة "كخيبات سابقة مماثلة". وباتت كلمات، مثل الانفراجة والتبشير بقرب تحسن الأوضاع في غزة، تقلق السكان أكثر من أي وقت مضى، إذ إنهم سمعوا الكثير من مثل هذا الكلام في السنوات الماضية، لكنهم سرعان ما أصيبوا بخيبات أمل نتيجة تعثر الوصول إلى تطبيق هذه الوعود على أرض الواقع. ووفق مصادر متعددة، تحدثت إليها "العربي الجديد"، فإنّ القيادي المفصول من "فتح"، سمير المشهراوي، أحد المقربين جداً من دحلان، سيصل إلى غزة في وقت قريب جداً، على أنّ يقيم في منزله الذي يجري ترتيبه حالياً لاستقباله، وقد تكون الزيارة مقدمة لزيارة دحلان. وتشير المصادر إلى أنّ المشهراوي سيعمل وفق التفاهمات على البدء في ترطيب الأجواء الداخلية لمتابعة ملف المصالحات الاجتماعية، ودفع الدية لضحايا الانقسام من طرفيه، "حماس" و"فتح"، والمواطنين العاديين، بعد تأخر سنوات، وقد رصد لهذا الملف نحو 40 مليون دولار أميركي. ولا يعرف ممول هذا الملف حالياً، لكن التسريبات تشير إلى أنّ دحلان تعهد بأنّ تدفع الإمارات هذا المبلغ، وستشكل لجنة من "فتح - تيار دحلان" و"حماس"، ومن يقبل من الفصائل والمؤسسات المجتمعية الأخرى للإشراف على هذا الملف الشائك.
ورغم أنّ ملف المصالحة المجتمعية وجد صعوبات جمة في أوقات سابقة، إلا أنه من المتوقع أنّ يسير هذه المرة بشكل أفضل، إذ إنّ معظم ضحايا الانقسام من أبناء "فتح" هم عناصر سابقون في فرق دحلان الأمنية، التي شكلها عقب فوز "حماس" بالانتخابات، وهو ما سيسهل عليهم الحصول على تعويضات، مقابل طيّ الملف وإنهاء الخلافات الداخلية. وكل ما سبق يطرح تساؤلات عن الثمن الذي دفعته "حماس" مقابل ذلك. ويقول مقربون منها، لـ"العربي الجديد"، إنها لم تدفع أي أثمان سياسية، لكنها ستمنح عناصر دحلان حرية العمل كما هو حاصل منذ مدة، مقابل هذه التفاهمات. لكنّ هناك من خارج دائرة "حماس"، مقربون من دحلان بالتحديد، يقولون إنّ هناك تفاهمات سياسية ستتبع التفاهمات المعيشية، ومنها تفعيل المجلس التشريعي وإدارة جديدة لقطاع غزة، على أنّ يكون الأمن الداخلي لعناصر "حماس"، وأمن المعابر الحدودية مع الأراضي المحتلة والتواصل مع الإسرائيليين من اختصاص عناصر تابعة لدحلان. أما معبر رفح، فينتظر أنّ تتشكل لأجله لجنة مشتركة من الجانبين. وفي كل الأحوال، ورغم محاولة البعض إظهار التفاهمات بأنها مريحة إلى الحد الأعلى، إلا أن هناك مخاوف كبيرة تجاهها، منها ذهاب السلطة الفلسطينية في رام الله بعيداً في معاقبة غزة، وقطع رواتب نحو 70 ألف موظف في القطاع يتلقون رواتبهم منها، ووقف التحويلات الطبية وتحويلات العلاج في الخارج، وجوازات السفر والمعاملات البنكية وغيرها. وفي ظل السواد القاتم الذي يحياه الفلسطينيون، فإنّ الاحتراب الإقليمي والخلاف العربي - العربي المتصاعد يقلقهم أكثر من أي وقت مضى، ففلسطين نفسها، وحركة "حماس" على وجه التحديد، باتت عرضة لحرب إعلامية ودعوات لوضعها على قوائم الإرهاب الأممية، من قبل أطراف لها صلة بدحلان وممولة لنشاطاته في المنطقة العربية.