استمع إلى الملخص
- أشار أستاذ القانون الدستوري مبروك الحريزي إلى تجاوزات قانونية، معتبرًا أن الانتخابات تجري في ظل انقلاب سياسي، مما يضعف شرعيتها ويضع المرشحين في موقف غير متكافئ.
- أكد المدير التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ" طلال الفرشيشي أن الانتخابات تفتقر إلى الأمان القانوني والحياد، مع تمييز لصالح الرئيس قيس سعيّد، مما يعكر صفو العملية الانتخابية.
تدخل تونس، اليوم السبت، مرحلة الصمت الانتخابي للانتخابات الرئاسية التي تجرى غداً الأحد، بعد ثلاثة أسابيع من حملات انتخابية باهتة بدأت في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، وتواصلت معها الانتقادات لعثرات المسار الانتخابي وانحرافاته. ويمنع القانون الدعاية والنشاطات الانتخابية بدءاً من اليوم السبت وحتى انتهاء عمليات التصويت، داخل تونس وخارجها، لاختيار رئيس البلاد، والتي تنتهي بإغلاق آخر مكتب اقتراع مساء غد الأحد.
وانطلقت عملية التصويت، أمس الجمعة، للتونسيين المقيمين في الخارج، وينافس الرئيس قيس سعيّد في هذه انتخابات تونس مرشحان اثنان فقط، كانت الهيئة العليا للانتخابات أعلنت عن قبول ملفي ترشحهما، وهما الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي والمرشح العياشي زمال المعتقل وقد صدرت بحقه أحكام مختلفة بالسجن تجاوزت 12 عاماً، من دون اعتبار مواصلة محاكمته في العديد من القضايا غالبيتها بسبب شبهات تزوير التزكيات للانتخابات.
تجاوزات وانحرافات بانتخابات تونس
وعلى الرغم من الانتقادات العديدة للمسار الانتخابي، تؤكد هيئة الانتخابات في تونس بتصريحات مختلفة لأعضائها أن المسار الانتخابي سليم، واحترم الدستور والقانون الانتخابي، وأن الهيئة المستقلة حريصة على تطبيق القانون على الجميع بكل حياد. كما تشدد الهيئة على أنها قامت بجميع الإجراءات والاستعدادات لضمان نزاهة العملية الانتخابية في تونس بمختلف مراحلها.
واعتبر أستاذ القانون الدستوري مبروك الحريزي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المسار الانتخابي الرئاسي شابته العديد من التجاوزات والإخلالات والانحرافات القانونية التي هزت شرعية العملية الانتخابية ونزاهتها". وقال إن "أول الإخلالات أن هذا المسار الانتخابي هو جزء من مسار الانقلاب (انقلاب سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021)، ولا يمكن أن نتحدث عن انتخابات تحت انقلاب، فالأصل بُني على باطل منذ البداية، وبالتالي المناخ الانتخابي بمكوناته ومؤسساته غير ديمقراطي، فهناك شك وتشكيك في هيئة الانتخابات المعيّنة للإشراف على المسار ولا تتوفر فيها الضمانات من قبل المرشح المنتهية ولايته".
مبروك الحريزي: التزكيات تحولت إلى فخّ للمرشحين
أبرز الانتهاكات الانتخابية لقيس سعيّد
وعدّد الحريزي الإخلالات التي حصلت قائلاً إنه "جرى تعمّد عدم تعديل القانون الانتخابي على ضوء دستور 2022 في الآجال المعقولة وبصفة مبكرة لضمان نزاهة الانتخابات، ولم تُعد النصوص الترتيبية قبل الفترة الانتخابية حتى يكون جميع المرشحين على قدم المساواة، وبعد ذلك النص الترتيبي للهيئة الذي أُضيفت فيه شروط غير دستورية ولم ترد في القانون الانتخابي بهدف التضييق على المرشحين، وأدت إلى منح وزارة الداخلية سلطة قبول المرشحين أو رفضهم عبر بطاقة السوابق العدلية عدد 3". وتابع: "وُضعت تعقيدات تتعلق بالتزكيات هدفها التعجيز في جمع التزكيات اللازمة وليس ضمان صحتها، فتحولت إلى فخّ للمرشحين، ثم عدم الالتزام بالنصوص التصحيحية، وكذلك عدم الشفافية أو المساواة بين المرشحين في التزكيات".
طلال الفرشيشي: هيئة الانتخابات هي من تعكّر صفو الانتخابات، من خلال غياب معيار الحياد بخدمة طرف على حساب باقي الأطراف
وشدّد الحريزي على "أن أبرز الإخلالات التي حصلت إنكار حكم المحكمة الإدارية بإعادة ثلاثة مرشحين إلى السباق، وهم عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي، والتمرد عليها، ثم منع المجتمع المدني من مراقبة الانتخابات على أسس غير قانونية بطلب من السلطة التنفيذية، وانتهاج سياسة إرباك لباقي المرشحين المنافسين ومسألة تمويل الحملة الانتخابية". وأكد أن "هناك إخلالات بالجملة واضحة للعيان من قبل الرئيس المنتهية ولايته على مستوى الخطاب الذي يدعو إلى الكراهية والتعصب والتقاتل، وكذلك تمويل الحملة حيث لم تتدخل الهيئة ولم تتحرك".
وشدّد أستاذ القانون على أن من أبرز الإخلالات "تعديل قانون الانتخابات لفائدة السلطة أسبوعاً قبل يوم الاقتراع، وهو مخالف لكل المعايير والمواثيق"، مبرزاً أن "هناك توافقاً على أن هذه الانتخابات تغيب عنها الشرعية والنزاهة وتؤسس لوضع سيئ جداً". وأشار إلى أن "كل التجاوزات والإخلالات نظرياً تخدم المرشح الموجود في السلطة، ولكن للأسف ستجعل شرعيته مهتزة بعد الانتخابات وهي تضعفه ولا تخدمه".
من جهته، أكد المدير التنفيذي لمنظمة أنا يقظ الرقابية طلال الفرشيشي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إننا تجاوزنا مرحلة الإخلالات في مسار الانتخابات الرئاسية، بل أصبحنا نتحدث عن انتخابات تخلو من الأمان القانوني والقضائي بالنسبة لجميع الأطراف". وأضاف: "باعتبارنا منظمة تُعنى بالشأن العام بعد حرماننا من قبل هيئة الانتخابات من مراقبة العملية الانتخابية، لاحظنا أن الدولة تجنّدت بكل مواردها ومؤسساتها لضرب العملية الانتخابية ومنع المرشحين من الترشح وحتى من قُبِل ترشحه (زمال) حُرم من القيام بالحملة الانتخابية".
وبيّن الفرشيشي أن "الزمن القضائي يسير في اتجاهين، مسار يخدم رئيس الجمهورية حيث يُسلّٓط على رقاب كل من ينتقد الرئيس، مرشحين كانوا أو جمعيات أو مواطنين، في المقابل، من هم مع السلطة ومن يدعمها والسلطة نفسها ممثلة في المرشح قيس سعيّد، لا يُتعامل معهم بنفس الطريقة".
وأفاد بأن "الجمعيات الرقابية اليوم يجرى تتبعها بعد منعها من مراقبة الانتخابات على غرار "أنا يقظ" و"مراقبون"، وهناك إعلاميون تجرى هرسلتهم (التحرش والتنكيل بهم قضائياً وسياسياً) بسبب محاولتهم نقل الحقائق، بينما هناك وسائل إعلام أخرى دُجّنت لخدمة مرشح واحد وهو رئيس الجمهورية أو للقيام بحملة مضادة ضد البقية، وهذا مناخ غير آمن وغير مطمئن".
وأضاف الفرشيشي أن "الهيئة التي يفترض أن توفر المناخ الملائم هي من تعكّر صفو العملية الانتخابية، من خلال غياب معيار الحياد بخدمة طرف على حساب باقي الأطراف، بل إنها أصبحت طرفاً في الخلاف من خلال اتهام منظمات أو رفع قضايا بمرشحين منافسين أو عبر هرسلتهم، بينما نراها صامتة ولا تتحرك أمام مخالفات المرشح قيس سعيّد، ما يعكر ويمس بالمسار الانتخابي". وبرأيه، فإن "المسار الانتخابي اليوم ملغوم وكل من يشارك فيه سواء كان مرشحا أو مراقبا أو ملاحظا، يمكن أن يجد نفسه محل تتبعات وأبحاث أمنية".