مقترح "تخفيف التصعيد" بسورية: مناطق روسية عازلة برسم التدويل

02 مايو 2017
نازح سوري في قرية عين عيسى(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن أجندة اجتماعات "أستانة 4" الخاصة بسورية، المقرر أن تبدأ رسمياً غداً الأربعاء وتستمر حتى بعد غد الخميس، بمشاركة من وفدي النظام والفصائل المعارضة، بمشاركة قطرية - سعودية - أردنية، بالإضافة إلى الرعاة الروس والإيرانيين والأتراك، ستكون مختلفة وأكثر عُمقاً في التفاصيل من النُسخ الثلاث الماضية، وذلك في معزل عن النتائج التي قد تتمخض عنها الاجتماعات، وسط توقعات متناقضة حول مآل هذا المسار الذي تحاول روسيا إحداث انفراجة فيه لبرهنة نجاعة مساعيها ورؤيتها في سورية، قبل نقل أوراق التفاوض الرسمية، لمدينة جنيف السويسرية لاحقاً.
ويتعزز هذا الاعتقاد بعد تقديم روسيا مقترحاً شفهياً "حول إنشاء مناطق تخفيف التصعيد على أراضي الجمهورية العربية السورية"، يتضمن إنشاء أربع مناطق تخفيف للتصعيد في محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سورية، يتوقع أن تطرح نسخة مكتوبة منه خلال الاجتماعات، فيما أفادت "الجزيرة"، أمس، نقلاً عن مصادر المعارضة السورية، بأن تركيا طلبت إضافة منطقة خامسة للمقترح الروسي. مناطق يخشى كثيرون في سورية وخارجها أن تصبح يوماً ما عنواناً لتقسيم فعلي أو ضمني أو رسمي في سورية، بحجة الحفاظ على الأمر الواقع. كما تأتي اجتماعات "أستانة 4" التي تشهد، اليوم الثلاثاء، لقاءات على مستوى الخبراء، في ظروف مختلفة عن النسخ الثلاث الماضية، فهي الأولى بعد الضربة العسكرية الأميركية للنظام السوري في مطار الشعيرات بريف حمص، يوم السابع من شهر إبريل/نيسان الماضي.
كما أنها تأتي بالتزامن مع القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود. وقد حرص أردوغان على استباق اللقاء، الذي سيكون الملف السوري على رأس جدول مباحثاته، بتكرار مواقف بلاده الثابتة تجاه الوضع في سورية، بما في ذلك تأكيده أن تركيا لن تُغلق أبوابها "في وجه السوريين طالما ظلوا مستهدفين بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتقليدية، لأننا لو أغلقناها أمامهم سنكون من جملة الظالمين، فالرضا بالظلم ظلم".
يضاف إلى ذلك، فإن الجولة الجديدة من مباحثات أستانة تترافق مع الحديث عن ضم أطراف إقليمية جديدة إلى فئة الضامنين لاتفاقيات نهاية العام 2016، التي لم تُحترم ولو ليوم واحد من قبل راعيين رسميين لاتفاق وقف إطلاق النار، أي روسيا وإيران، الأمر الذي دفع المعارضة السورية إلى مقاطعة "أستانة 3" احتجاجاً على عدم احترام وقف إطلاق النار واستمرار سياسة التهجير المتعمد للسوريين.



مقترح بتفاصيل ناقصة
ويتوقع أن تكون نقاطٌ ساخنة كثيرة على طاولة بحث مسار أستانة، الذي يُركز أساساً منذ أوجدته موسكو في مجالها الحيوي بكازاخستان، على الجانب العسكري - الميداني، وتفعيل ثم تثبيت اتفاقية وقف الأعمال القتالية بين النظام والمعارضة وتشعباتها التنفيذية، والاتفاق على محاربة المجموعات التي تُدرج على أنها "إرهابية".
وفي السياق، برز، أمس الإثنين، مقترح جديد قدمته موسكو "شفيهاً" لفصائل المعارضة، ومن المتوقع أن تكون قد أبلغت مضمونه للنظام الضامنة له. ويتحدث المقترح عن إنشاء مناطق لـ"تخفيف التصعيد"، هي أقرب ما تكون إلى مناطق عازلة، على الجبهات الساخنة بين النظام والمعارضة في إدلب وريف حمص الشمالي وغوطة دمشق الشرقية ومحافظة درعا، على أن يطبق لثلاثة أشهر قابلة للتجديد. مصدرٌ عسكري سوري رفيع المستوى، كان حضر الاجتماعات التحضيرية للفصائل العسكرية المعارضة في أنقرة، خلال الأيام القليلة الماضية، أبلغ "العربي الجديد"، أمس الإثنين، بأن "المقترح الروسي يتم بحثه بين مكونات الوفد العسكري الذي يمثل فصائل الثورة، لكنه مقترح تنقصه بالمحصلة الكثير من التفاصيل التنفيذية". وأضاف "يتحدثون عن مناطق فاصلة منزوعة السلاح على جبهات القتال في إدلب وشمالي حمص وغوطة دمشق الشرقية وبعض مناطق درعا، على أن يُعهد إلى قوات محايدة إدارة هذه المناطق، لكنهم لا يقولون من هي هذه القوات، وفي أي القرى والبلدات تحديداً ستطبق المناطق الفاصلة، وما مصيرها ومن يديرها؟". وكشف المسؤول العسكري السوري المعارض عن أن "موقف الوفد العسكري الآن، هو التعاطي بحذر مع مقترحات كهذه، حتى يتم الإجابة عن تساؤلات كثيرة"، مؤكداً أن "الاقتراح يشمل إقامة أربع مناطق آمنة أو عازلة بين الفصائل وقوات النظام في إدلب وريف حمص الشمالي وغوطة دمشق الشرقية ودرعا".
وأضاف المسؤول العسكري في المعارضة السورية أن الورقة الروسية تتحدث عن تحسين الوضع الإنساني في مناطق المعارضة السورية، لكنه أشار إلى أن "موسكو في السابق تعهدت بالضغط على النظام لفك الحصار في بعض المناطق، وعدم استخدام سلاح تجويع المدنيين لإرضاخهم، لكنها نفسها ساعدت النظام في استخدام هذا السلاح في مناطق الوعر وريف دمشق وغيرها".
وكان عضو وفد المعارضة العسكري في اجتماعات أستانة، العقيد فاتح حسون، قال لوكالة "نوفوستي" الروسية، إن المقترح الروسي لم يحدد "الدول التي ستشارك في تلك القوات التي سيتم نشرها على خطوط التماسّ بين طرفي الصراع في سورية"، في حين ذكرت وكالة "سبونتيك" الروسية، أن المقترح الروسي لإنشاء 4 مناطق "تخفيف التصعيد" في سورية، يتضمن "تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين ممثلي الدول الضامنة لوضع خرائط لحدود هذه المناطق واتخاذ التدابير الضرورية لطرد مقاتلي تنظيمي جبهة النصرة وداعش من هذه المناطق"، التي يحدد المقترح أن تُقام في "إدلب وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية وجنوب سورية".


وتتحدث الورقة الروسية، بحسب "سبونتيك" عن "إرسال وحدات عسكرية للدول الضامنة للاتفاق من أجل الإشراف على نظام وقف إطلاق النار"، وتتضمن كذلك "إنشاء خطوط فاصلة على حدود المناطق الأربع، ووضع حواجز لتأمين المساعدات الإنسانية"، و"إقامة خطوط فاصلة على حدود المناطق الأربع، ووضع حواجز مرور للمدنيين من دون سلاح، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتلبية الاحتياجات التجارية وغيرها مما يحتاجه المواطنون السوريون، علاوة على تأمين مراكز المراقبة لرصد الالتزام بنظام وقف القتال". 
كما ينص الاقتراح الروسي على ضرورة "خلق الدول الضامنة الظروف الملائمة لتأمين عودة النازحين في الداخل السوري، واستعادة منشآت البنية التحتية، وإعادة إمدادات المياه، وغيرها من المستلزمات الحياتية للسكان" في المناطق الأربع المذكورة، بينما تسعى موسكو الآن لتكوين "لجنة عمل مشتركة على مستوى الممثلين المفوضين للدولة الضامنة" للحصول على موافقاتها، قبل تحديد خرائط هذه المناطق.
من جهته، أشار يحيى العريضي، الذي كان شارك ضمن وفد المعارضة السورية إلى اجتماعات أستانة 1 و2، واعتذر لـ"أسباب شخصية" عن حضور الاجتماعات المقبلة، إلى أن اقتراح موسكو إنشاء مناطق "فاصلة أو عازلة" تم طرحه شفهياً، وعُرض خلال اجتماعات الفصائل العسكرية في أنقرة، الأسبوع الماضي. متوقعاً، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أن يتم التوسع في بحث المقترح خلال اجتماعات "أستانة 4". وأرجع العريضي انفتاح المعارضة وتعاطيها بإيجابية مع الدعوة لحضور "أستانة 4" على عكس الاجتماع الأخير في "أستانة 3" الذي قاطعته، إلى أن وفد المعارضة العسكري يُدرك الأبعاد السلبية لمقاطعة هذا الاجتماع، وغيره من اللقاءات المماثلة، التي تسعى لإيجاد حلٍ سياسي يُرسي السلام في البلاد، خصوصاً أن مقاطعة المعارضة التي تدرك زيف الادعاءات الروسية، سيُفسر على أنها لا تتعاطي بإيجابية مع الجهود الدولية لإيجاد حلٍ سياسي في سورية.

تمسّك روسي بمسار أستانة
واعتبر العريضي أن "موسكو تبحث عن نجاحٍ لأستانة من خلال سعيها لوقف إطلاق النار كي لا ينهار هذا المسار الذي خلقته، وتريد أن تبرهن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي قدرتها على الحفاظ عليه، والخروج منه بنتائج إيجابية تمهد الطريق لمفاوضات جنيف". وفيما وصل وفد النظام السوري برئاسة بشار الجعفري إلى أستانة للمشاركة في المفاوضات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أمس الإثنين، إن طهران لديها خلافات مع أنقرة بشأن سورية، لكنها لن توقف محادثات أستانة على خلفية هذه الخلافات، وإنما تصر على مواصلتها.
ولفت قاسمي إلى أن اجتماع أستانة تمخض عن التعاون الثلاثي بين طهران وموسكو وأنقرة، وذلك بناء على القواسم المشتركة التي تجمع بين هذه الدول الثلاث. وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنه لا يمكن التغاضي عن دور تركيا في سورية، مضيفاً أن حضور تركيا في هذا الاجتماع، وإلى جانب إيران وروسيا، من شأنه أن يحظى بأهمية. من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الكازاخستانية أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، يدعم الجهود التي تبذلها أستانة من أجل الوصول إلى مصالحة في سورية. وأشارت إلى أن غوتيرس عبّر عن موقفه خلال اجتماع مع وزير الخارجية الكازاخستاني في نيويورك.