أهالي الرقة يرفضون مجلس "سورية الديمقراطية": ليست غنيمة حرب

20 ابريل 2017
تريد قوات "سورية الديمقراطية" توسيع مناطق سيطرتها (Getty)
+ الخط -
تحاول قوات "سورية الديمقراطية" فرض واقع جديد في محافظة الرقة بعد الإعلان، يوم الثلاثاء، عن تشكيل مجلس مدني، يكرّس هيمنة هذه القوات، التي تشكّل الوحدات الكردية عمادها، على المحافظة التي تخلو من وجود كردي ما خلا بعض القرى في شمالها. وجوبهت محاولات "سورية الديمقراطية" برفض كبير من فعاليات الرقة المدنية والأهلية، معتبرة ما يجري "مهزلة"، ومؤكدة أنّ أبناء الرقة وليس غيرهم من يحدد مصيرها بعد طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها. وتقلل فعاليات الرقة من أهمية المجلس الجديد كونه "غير شرعي"، فيما أكد قيادي سوري كردي أن الفيصل في الأمر السكان الموجودون في الرقة.
وأعلنت قوات "سورية الديمقراطية" والتي تُعرف اختصاراً بـ "قسد"، يوم الثلاثاء، عن تشكيل مجلس الرقة المدني برئاسة عربية كردية، إذ تم اختيار محمود البرسان، وهو ينتمي إلى إحدى القبائل العربية في الرقة، وليلى مصطفى (كردية) للرئاسة المشتركة إلى جانب ثلاثة نواب. وأصدر المجلس قرارات فور تشكيله تدعو إلى إعادة المهجّرين إلى المحافظة، وتطوير النظام الأمني والدفاعي فيها، وإعادة بناء المجلس بعد السيطرة على كامل المحافظة من تنظيم "داعش"، وإعطاء الدور الريادي للمرأة والشباب، وتنظيم المجتمع وفق نظام المجالس، وتفعيل جميع المؤسسات والهيئات التي تعطلت أو ألحق بها الضرر نتيجة الحرب على جميع الأصعدة التعليمية والخدمية والصحية.



ولم تتأخر فعاليات محافظة الرقة، المدنية والأهلية، في الرد على ما سمّته بـ "مهزلة تشكيل ما سمّي (مجلس الرقّة المدنيّ)، لإدارة شؤون المحافظة بعد الاستيلاء عليها من تنظيم الدولة الإسلاميّة". وأكدت رفضها "كلّ ما قامت به قسد". واعتبرته في بيانٍ أصدرته "احتلالاً جديداً". وأضافت "لا نرى فيه إلا استبدالاً لرايات التطرّف الديني السوداء برايات التطرّف القومي الصفراء"، وفق البيان.
وأشارت الفعاليات إلى "أن تهجير أبناء الرقّة نتيجة قهر النظام وإرهاب داعش لا يبيح لمليشيا (قسد) القيام بهذه الخطوة مستغلّة دعم قوّات التحالف الدولي، وسذاجة من يدّعون تمثيل مكوّنات المحافظة، وحاجة المدنيين للتخلّص من ظلام داعش ومعاناة العيش تحت رايته"، كما ورد في البيان. وأوضحت الفعاليات أن محافظة الرقّة "لأبنائها وأهلها، وليست فراغاً يُملأ، أو سبيّة أو غنيمة حرب". وشددت على رفضها للمجلس الذي تمّ تشكيله من قبل قوات "سورية الديمقراطية"، معتبره إياه "غير شرعيّ". وأضافت "يمثّل قوّة احتلال جديدة انتهكت بممارسات موثّقة حقوق مختلف مكوّنات المحافظة لإنجاح مشروعها الانفصاليّ".
واتهمت "سورية الديمقراطية" بالقيام بالتهجير القسريّ لقرى كاملة لـ "تمرير مشاريعها للتغيير الديمغرافي". وقالت إن "قسد قصفت المدنيين الآمنين، وشرّدت واعتقلت وسجنت وقتلت من دون أيّ مراعاة لحماية المدنيين أو تقيّد بمعاهدات حقوق الإنسان، والقانون الإنسانيّ الدوليّ"، وفق البيان.
من جهته، أكد رئيس المكتب السياسي في لواء "ثوار الرقة" التابع للمعارضة السورية المسلحة، محمود الهادي، في حديث مع "العربي الجديد" أنه لا علاقة لـ "ثوار الرقة" بالمجلس الذي شكلته قوات "سورية الديمقراطية"، مضيفاً أنه "لا يمثل أبناء الرقة"، وفق قوله.
واعتبر الهادي هذا المجلس "غير شرعي". ورأى أنه "مطعون بتمثيله، وهو يضم أشخاصاً ليسوا من الرقة". وأشار إلى أن بعض الجهات "تحاول أن تخدع العالم بأن أهل الرقة متعاونون مع قوات سورية الديمقراطية"، وفق قوله. وتُتهم الوحدات الكردية بمحاولة توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية بتوجهها إلى محافظة الرقة ومحاربة تنظيم "داعش" من أجل السيطرة على هذه المحافظة الغنية بالنفط، وتملك ثروة زراعية هائلة بسبب مرور نهر الفرات فيها. كما تتهم هذه الوحدات بمحاولة تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية، مستغلة حلفها مع الجانب الأميركي، وكونها باتت ذراعاً برية للتحالف الدولي لمحاربة "داعش".
في المقابل، قلّل القيادي السوري الكردي، الدار خليل، من أهمية رفض فعاليات مدنية للمجلس الذي شكلته "سورية الديمقراطية". وقال خليل، في حديث مع "العربي الجديد" إن "ما يهمنا رأي السكان الموجودين في الرقة". وأشار خليل إلى أن كون الرقة عربية "ليس محط خلاف". وأضاف "المعالجة لا تتم من منطلق كردي وعربي"، مشيراً إلى أن المنطقة تحت سيطرة تنظيم الدولة "ونريد القيام بواجبنا الوطني السوري لنحرر المدينة وأهلها". كما قال إن "سورية الديمقراطية" لا تميّز بين الناس. وأضاف "لا نقيّمهم حسب انتمائهم القومي، والمذهبي". ونفى خليل إقصاء أحد عن المجلس. واعتبر أنه "بعد التحرير يمكنهم إجراء انتخاباتهم والقيام بما يجب"، في إشارة منه إلى رافضي المجلس.
ومن الواضح أن "سورية الديمقراطية"، التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، تحاول فرض واقع جديد في مجمل محافظة الرقة التي يشكّل العرب غالبية سكانها، مستفيدة من تحالفها مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في شرق سورية.
وتخلو الرقة من أي وجود للمكون الكردي باستثناء بعض القرى في محيط تل أبيض التي تقع إلى شمال الرقة وتتبع لها إدارياً وتسيطر عليها الوحدات الكردية. وتقطن في محافظة الرقة عشائر عربية معروفة، وعريقة تحاول كل الأطراف استمالتها من أجل تمرير مشاريعها. وتستفيد "قسد" من اضطرار أغلب مثقفي وناشطي المحافظة للهجرة عقب سيطرة تنظيم "داعش" عليها في بداية عام 2014.
وبدأت "سورية الديمقراطية" في أواخر العام الفائت عملية عسكرية حملت اسم "غضب الفرات" لطرد تنظيم "داعش" من محافظة الرقة. وحققت تقدماً في أرياف الرقة الشمالية، والغربية، والشرقية. لكنها اصطدمت أخيراً بعقبة كبيرة أمام مدينة الطبقة كبرى مدن المحافظة بعد الرقة مركزها.
وتعد محافظة الرقة رابع المحافظات السورية الأربع عشرة من حيث المساحة بعد محافظات حمص ودير الزور والحسكة. وتبلغ مساحتها نحو 20 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل أكثر من 10 في المائة من مساحة سورية. وتمتد محافظة الرقة على مساحة أكثر من 150 كيلومتراً من الغرب للشرق، وعلى مساحة 200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، حيث تصل حدودها إلى قلب بادية الشام. وتضم المحافظة مدناً وبلداتٍ كبرى عدة، أبرزها مدينة الرقة مركز المحافظة، ومدينة الطبقة التي تقع إلى الغرب من الرقة بنحو 50 كيلومتراً، وهي شديدة الأهمية كونها تضم سد الفرات الذي يحتجز بحيرة طولها يصل إلى 80 كيلومتراً وعرضها في بعض المواقع أكثر من 5 كيلومترات. كما تتبع مدينة تل أبيض إلى الرقة. وتقع إلى شمالها بنحو مائة كيلومتر، وهي على الحدود السورية التركية، وتسيطر عليها مليشيا الوحدات الكردية منذ منتصف عام 2015، إثر انتزاع السيطرة عليها من تنظيم "داعش" بدعم من طيران التحالف الدولي، ما دفع عدداً كبيراً من سكانها للنزوح، أو الهجرة.