حملة السيسي على الأزهر: فتاوى مطلوبة و5 معارضين بالمشيخة

10 فبراير 2017
تشنّ بعض صحف النظام حملة ضد شيخ الأزهر (الأناضول)
+ الخط -
تتقاطع إشارات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لبدء حملة تطهير جديدة ضد المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السياسية والدينية الأخرى داخل أجهزة الدولة، مع الهجوم الإعلامي، الذي بدأته بعض الصحف الموالية للنظام، ضد شيخ الأزهر، أحمد الطيب وأعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، لإصرارهم على عدم تنفيذ مقترح السيسي باشتراط توثيق الطلاق بين الزوجين لتفعيله وعدم الاكتفاء بالطلاق الشفهي.

وللمرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن إبعاد المنتمين إلى التيارات المعارضة عن أجهزة الدولة، قال، في الندوة التثقيفية للجيش أمام حشد من الضباط والإعلاميين أمس الخميس، إنه لا يجوز استمرار أي شخص داخل مؤسسات الدولة، وهو ينتمي إلى أي جماعة أو تيار سياسي أو ديني غير النظام المصري الحاكم، وخصوصاً داخل الجيش والشرطة. وأكد السيسي، في مداخلة قصيرة له بعد كلمة للداعية الحبيب علي الجفري، إنه رفض من قبل (يقصد خلال توليه وزارة الدفاع في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي) التحاق الشباب المنتمين إلى أي تيار سياسي (غير وطني) بالجيش المصري والشرطة، وأنه يجب تعميم هذه التجربة على جميع مؤسسات وأجهزة الدولة، حتى لا يكون لأي شخص انتماء إلّا للدولة المصرية. وأضاف "أي شخص ينتمي إلى أي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية... ولو اكتشفنا شخص من هذا النوع هنبعده (سنبعده)، ليس فقط من الجيش والشرطة بل من الدولة المصرية ككل... لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته".

ويفتح السيسي بذلك الباب لتجديد الحملات المكثفة التي شهدتها الأجهزة الحكومية والقضائية المصرية، بين عامي 2013 و2015، لعزل وإبعاد الموظفين والمسؤولين المنتمين إلى "الإخوان"، وبعض الأحزاب السياسية المعارضة للنظام، مثل "مصر القوية" والجماعات السلفية المتشددة، والتي قادها جهاز الأمن الوطني، ونتج عنها سجن عدد كبير من الموظفين الحكوميين بتهمة الانتماء إلى تنظيمات محظورة، وفصل عدد غير محدد من الموظفين، ونحو 50 من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية، بالإضافة إلى إحالة العشرات من ضباط الجيش إلى محاكمات عسكرية بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم، وإحالة العشرات من ضباط وأمناء الشرطة إلى الاحتياط. وتأتي إشارة السيسي لتبدد رسمياً جميع الشائعات، التي تتداولها الأوساط السياسية المصرية، عن وجود بوادر للتقارب مع المعارضة أو التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين أو رفع الضغط السياسي والأمني والقضائي عن أعضائها. كما تبدد هذه الإشارة أحاديث سابقة للسيسي عن ضرورة بناء الدولة المصرية بسواعد جميع أبنائها، بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية.

ويرى مراقبون أن هذا التصعيد الرسمي هو الثمرة الأولى للتقارب الاستثنائي بين السيسي والرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، والاتفاق بينهما على ضرورة المضي قدماً في محاربة الإسلام السياسي، إلى الحد الذي تبحث معه إدارة ترامب إدراج "الإخوان"، الخصم اللدود للسيسي، على قائمة الإرهاب الأميركية، وهي الخطوة التي تؤكد مصادر دبلوماسية مصرية أنها الهدف الأول للسيسي حالياً، وأنه سيفعل "أي شيء" لإقناع ترامب بها. لكن إشارة السيسي لحملة التطهير تتزامن، على الصعيد المحلي، مع أزمة هي الأصعب بينه وبين المؤسسة الدينية الرسمية الإسلامية الوحيدة في مصر، وهي الأزهر، بسبب ما يراه السيسي والمحيطون به من أن الأزهر، وشيخه أحمد الطيب، الذي لم يحضر ندوة الأمس، قصدوا أن يتحدوا السيسي علناً بإعلان موقفهم الرافض لمقترحه، اشتراط التوثيق لتفعيل الطلاق وعدم الاكتفاء بالطلاق الشفهي على النحو المعمول به حالياً في مصر، وتعترف به قوانين الأحوال الشخصية. وتتطابق إشارة "التطهير" مع كتابات صحافية، نشرتها الصحف المصرية الكبرى الموالية للسيسي أمس، تشكك في ولاء أعضاء هيئة كبار العلماء للنظام الحالي، بل وتحاول تصويرهم وكأنهم خالفوا آراء سابقة لهم نكاية في السيسي، بالإضافة إلى إثارة الشبهات حول انتماء بعضهم لجماعة "الإخوان" أو موالاتها فكرياً.

وبحسب مصادر حكومية مطلعة، فإن جهازي الأمن الوطني والاستخبارات العامة يثيران باستمرار، في تقاريرهما عن أداء مشيخة الأزهر، شبهات انتماء خمس شخصيات بعينها إلى المعسكر المعارض للنظام، هم وكيل المشيخة ورئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر، عباس شومان، وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس مجمع اللغة العربية، حسن الشافعي، وعضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، نصر فريد واصل، وعضو هيئة كبار العلماء والإمام السابق للجمعية الشرعية، محمد مختار المهدي، بالإضافة إلى عضو كبار العلماء، الدكتور محمد عمارة. وتقول المصادر إن السيسي لا يستقي معلوماته عن هيئة كبار العلماء، وما يحدث داخل مشيخة الأزهر، من أجهزته الأمنية فقط، بل أيضاً من مفتي الجمهورية السابق، علي جمعة المقرب منه، ووزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، الذي كان أحد المقربين لشيخ الأزهر قبل تعيينه وزيراً وقبل محاولاته تمرير بعض المشروعات بالمخالفة لهيئة كبار العلماء ولشيخ الأزهر نفسه، مثل مشروع الخطبة الموحدة، ووضع قيود إدارية على الخطباء والواعظين لا علاقة لمؤسسة الأزهر بها. وتؤكد المصادر أن التقارير التي تصل السيسي عن أداء الأزهر لا تذكر أن الشخصيات المناوئة له تنتمي بالضرورة لجماعة "الإخوان"، بل تصفهم بأن لهم آراء شخصية مناوئة للسيسي، ولا يمكن السيطرة عليهم، مع الإشارة لعلاقات محتملة لبعضهم بـ"الإخوان"، كالشافعي الذي كان عضواً في الجمعية التأسيسية لدستور 2012، والمهدي المتحفظ على أموال جمعيته حتى الآن بدعوى تمويلها للجماعة. كما تتهم هذه التقارير شيخ الأزهر بأنه لا يساعد الأجهزة السيادية في حملتها للتخلص من "الإخوان" والموالين لهم داخل الأزهر.

وعلى الرغم من أن الطيب وافق عام 2014 على تغيير أعضاء مكتبه الفني، الذي كان يرأسه الشيخ حسن الشافعي، كما صمت على الإطاحة بعشرات الموظفين والشيوخ الذين تم تعيينهم أو تم انتدابهم للعمل بالمشيخة، لأسباب مثل معارضتهم للإطاحة بالرئيس المعزول، محمد مرسي، إلّا أن السيسي لا يكتفي بما قدمه له الطيب من خدمات، كما لا يكتفي بظهوره خلفه في بيانه الشهير لعزل مرسي في 3 يوليو/تموز 2013. وتكشف المصادر أن الصدام الرئيسي المباشر بين السيسي وشيخ الأزهر حدث في مايو/أيار 2015، خلال اجتماع خاص بينهما لمناقشة أفكار السيسي لتدشين المشروع الذي وصفه بـ"تجديد الخطاب الديني"، إذ طلب السيسي من الطيب، بشكل ودي، إصدار فتاوى لتكفير كل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجماعة "أنصار بيت المقدس" (ولاية سيناء لاحقاً) وجماعة الإخوان المسلمين، أو إصدار فتوى عامة بتكفير أي شخص أو جماعة تقوم بعمليات إرهابية. إلّا أن طلب السيسي قوبل برفض مباشر وفوري من الطيب، الذي أكد أنه لا يستطيع كعالم أزهري تكفير أي شخص نطق بالشهادتين، وأن نهج الأزهر ينبذ التكفير في حد ذاته، أياً كان مصدره، وأنه ليس من المتصور أن يقدم الأزهر على أمر ينهى عنه.

ثم جدد السيسي طلبه لشيخ الأزهر، خلال اجتماع حضره معهما عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، فاعترض الطيب مرة أخرى. وبعد أيام أصدر بياناً يهاجم فيه التنظيمات التكفيرية، لكن من دون أن ينزلق إلى تكفيرها، حفاظاً على التراث الوسطي للأزهر. وتؤكد المصادر أن السيسي لم يكن ليتورع عن إقالة شيخ الأزهر لولا النص التشريعي الذي يمنع إقالته، ولعلمه بما يتمتع به الطيب من شعبية جارفة، ليس في صفوف العلماء والفقهاء الأزهريين، بل في أوساط الجمعيات الشرعية والطرق الصوفية، التي تضم ملايين المصريين. ويبدو أن فكرة قوننة اشتراط توثيق الطلاق تحولت في ذهن السيسي من مجرد فكرة إلى مشروع لفرض رؤيته وكلمته على الأزهر، بعد الصفعتين اللتين تلقاهما من هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، إذ يكشف مصدر برلماني واسع الاطلاع أن رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، طلب من بعض الأكاديميين المتخصصين في القانون تصوراً لمشروع قانون يلتف على الرأي الذي أعلنه الأزهر، ويوقع عقوبة مشددة على الزوج الذي يتأخر في توثيق عقد طلاقه، ويشترط التوثيق لإنتاج آثار الطلاق مع إمكانية الرجوع عن الطلاق قبل التوثيق. ويضيف المصدر "هناك ورش عمل تنعقد على مدار الساعة بين أكاديميين مقربين لرئيس مجلس النواب، بتعليمات من الدائرة المخابراتية-الرقابية الخاصة بالسيسي، لصياغة مشروع بهذا المعنى، بمعزل عن الإجراءات التي تتخذها اللجنة الدينية في مجلس النواب أيضاً، لوضع مشروع لتنظيم الطلاق"، مشيراً إلى أن المشروع الذي سيتم تمريره في النهاية هو الذي يعده المقربون من عبد العال، كما حدث في مشاريع قوانين سابقة، أبرزها مشروع الجمعيات الأهلية الذي لم يصدر حتى الآن رغم موافقة البرلمان عليه.

المساهمون