زيارة روحاني للكويت: كسر محدود للجليد

15 فبراير 2017
تتمتع الكويت بثقة الطرفين الإيراني والخليجي (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

ما أن أُعلن نبأ زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى الكويت، اليوم الأربعاء، للقاء أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح، لبحث "سبل تطوير العلاقات وحل الأمور العالقة بين البلدين"، حتى ازدهرت بورصة التكهنات بسياقات الزيارة ومآلاتها، وهي الأولى للرئيس الإيراني إلى الكويت منذ توليه المنصب. كما سيزور روحاني سلطنة عمان. وتعود آخر زيارة للرئيس الإيراني لعمان إلى مارس/آذار 2014، فيما زار سلطان عمان، قابوس طهران في أغسطس/آب 2013.

‏وتأتي زيارة روحاني للكويت في أعقاب زيارة قام بها وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، أوائل العام الحالي إلى طهران، وتسليم روحاني رسالة من أمير الكويت، كان مجلس دول التعاون الخليجي كلفه تقديمَها، لبحث التوصل إلى "اتفاق سلام" و"تسويات دائمة" مع إيران في كافة مناطق الصراع في المنطقة، وإنهاء حالة القطيعة السياسية بين بعض بلدان الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية والبحرين، مع إيران في أعقاب الهجوم على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، في يناير/كانون الثاني 2016، احتجاجاً على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي المعارض، والمتهم بالإرهاب في السعودية، نمر النمر.

ما تأكد حتى اللحظة، عن زيارة روحاني، أنها تأتي في سياق محاولة تحسين العلاقات الإيرانية – الخليجية، إضافة إلى أن الزيارة ستشهد توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية وتجارية بين الكويت وطهران، إذ يصطحب الرئيس الإيراني معه وفداً اقتصادياً رفيع المستوى من رجال الأعمال وأقطاب القطاع الخاص في إيران. ومن المنتظر أن يناقش أمير الكويت وروحاني أثناء الزيارة فحوى "الوساطة" الكويتية – الخليجية مع إيران، في محاولة مد الجسور بين إيران وبلدان الخليج، والوصول لتسويات ممكنة في مناطق الصراع، والتي تخوض فيها مليشيات عسكرية معارك بالوكالة عن إيران. وقال نائب مدير مكتب الرئيس الإيراني، حامد أبو طالبي، في تغريدة على "تويتر" أمس الثلاثاء، إن "مبادرة روحاني الإقليمية لقبول دعوة زعيمي عمان والكويت هي مؤشر على الحاجة لإقامة صداقات إسلامية واستعادة العلاقات الإقليمية". وأضاف "هذه المبادرة الإقليمية هي فرصة يتعين على أصدقائنا في المنطقة أن يستغلوها، لأنها لن تتكرر. استغلوا الفرصة الطيبة".


‏وبحسب مراقبين فإن الكويت تتمتع بثقة الطرفين الإيراني والخليجي كوسيط لحل النزاعات، إذ يثق الإيرانيون بها بسبب العلاقة الكبيرة بين رجال الحكومة الكويتية الحاليين والنظام الإيراني أثناء التنسيق للغزو الأميركي للعراق. كما أن وجود الأقلية الشيعية في البلاد، التي تتمتع بتمثيل برلماني وسياسي كبير داخل مؤسسة الحكم الكويتية، يزيد من ثقة طهران بالكويت. أما من الناحية الخليجية فإن الكويت تعتبر مشاركاً رئيسياً في التحالف الدولي لإعادة الشرعية في اليمن، بالإضافة إلى استضافتها مفاوضات الحكومة اليمنية مع الانقلابيين طوال السنة الماضية.

‏وتقول مصادر في وزارة الخارجية الكويتية، لـ"العربي الجديد"، إن أمير الكويت سيبحث مع روحاني والوفد المرافق مسألة تمرد قادة المليشيات التابعة إلى "الحشد الشعبي"، وعلى رأسها "النجباء"، في مناطق جنوب العراق على قرار الحكومة المركزية في بغداد، وتهديداتها المتواصلة بشأن مسألة خور عبدالله، التي أثارها نواب يتبعون إلى تيار رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، الذي تمتع بعلاقات كبيرة مع إيران. كما سيبحث أمير الكويت مسألة حقل الدرة البحري، الذي تتنازع عليه ثلاث دول، هي الكويت وإيران والسعودية، وسبق للكويت والسعودية أن وقعتا اتفاق ترسيم نهائي للحقل، لكن الجانب الإيراني بدأ في طرح مشروع الحفر في الحقل على الشركات الغربية بعد رفع العقوبات الاقتصادية، من دون استشارة الكويت. ويولي الشيخ صباح الأحمد الصباح أهمية كبرى لمسألتين في السياسة الخارجية الكويتية، هما عدم الانجراف في صراع خارجي مع دولة إقليمية كبرى، وحل مشكلة الحدود وآبار النفط الحدودية وترسيمها بشكل عاجل، لضمان عدم تكرار سيناريو الغزو العراقي للبلاد في العام 1990، وهو الأمر الذي دفع الكويت لأن تتحول إلى دولة راعية للسلام في منطقة الخليج العربي، وقائدة للحوار بين أطراف النزاع في اليمن والعراق على وجه التحديد. وانتهج البرلمان الكويتي، الذي تسيطر عليه غالبية شبه إسلامية، نفس السياسة التي اتبعها أمير البلاد، إذ قرر، برئاسة رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، تحويل أي جلسة تخص القضايا الخارجية، وعلى رأسها جلسة خور عبدالله إلى جلسة سرية، وذلك لتجنيب الخارجية الكويتية الحرج.

‏وتمتلك الكويت تاريخاً طويلاً ومعقداً مع إيران، منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وحتى تولي الخميني مقاليد الحكم بعد ثورة 1979. وبدأت أولى شرارات التصادم بإيران باكراً، عندما ساندت أسرة آل صباح، حاكم الأحواز، الشيخ خزعل، ضد الاحتلال الإيراني للمنطقة أوائل القرن العشرين. وبقيت العلاقات السياسية متوترة بين البلدين، على الرغم من اعتراف إيران المباشر باستقلال الكويت، مع ازدهار كبير في العلاقات التجارية، بفعل وجود آلاف التجار الإيرانيين المقيمين في الكويت والإطلالات المباشرة للموانئ الإيرانية على سواحل الكويت، لكن الأمور تحولت تحولاً دراماتيكياً عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

وعلى الرغم من كون وزير الخارجية الكويتي آنذاك، وأمير البلاد الحالي، الشيخ صباح الأحمد الصباح، أول مسؤول خليجي رفيع المستوى يزور إيران بعد الإطاحة بالشاه، ويلتقي الخميني، إلا أن العلاقة توترت بسبب وقوف الكويت إلى جانب نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، في حربه ضد إيران، الخطوة التي دفعت الكويت ثمنها غالياً، إذ تعرضت، ولسنوات، لهجمات دامية تقف خلفها إيران والموالون لها، طوال عقد الثمانينات. وقامت الخلايا الإيرانية في الكويت، بالتعاون مع حزب الدعوة العراقي، بمحاولة اغتيال أمير البلاد، الشيخ جابر الأحمد الصباح في العام 1985، واختطاف الطائرات المدنية وقتل من فيها وتفجير المقاهي الشعبية ومصافي النفط في البلاد. ‏وشهدت العلاقات بين البلدين تحولاً كبيراً في المواقف بعد الغزو العراقي للكويت في 1990، إذ أعلنت إيران وقوفها إلى الكويت، وطالبت صدام حسين آنذاك بالانسحاب غير المشروط من الأراضي الكويتية. وتوجت هذه العلاقات رسمياً بزيارة للرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، إلى الكويت في 2006، بعد تولي الشيخ صباح الأحمد الصباح مقاليد الحكم في البلاد. كما زار أمير الكويت الجمهورية الإيرانية في العام 2014، والتقى بالمرشد الأعلى، علي خامئني في طهران.