دخلت الفصائل السياسية التونسية بعد الثورة (2010) معترك الحراك الانتخابي وسباقاً متفاوت السرعة لافتكاك مساحة في المشهد السياسي بهدف بلوغ الحكم. ونجحت "الجبهة الشعبية" اليسارية في فرض موقعها في منزلة القطب المعارض الأول من دون منازع، بعد فشل بقية قوى اليسار الأخرى المتشتتة، ولكن من دون أن تقدم جميعها بدائل واقعية للحكم والتغيير. وفرض "ائتلاف الجبهة الشعبية" بأحزابه الـ11، مكانته كقوة برلمانية معارضة بعد تمكنه من توحيد صفوفه في الانتخابات التشريعية الماضية، وأصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية وفي توازنات القوى. غير أن خطاب المعارضة الذي أصبح لوناً مميزاً لقيادات الجبهة دفع خصومه إلى مطالبته ببدائل عن برامج للأحزاب الحاكمة، إذ إن الرأي العام اعتبر أن "قوى اليسار كالباحثين عن الحكم من دون بدائل".
وانتقد رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حوار أجراه أخيراً على قناة ''الحوار التونسي"، عدم امتلاك المعارضة لبدائل، مشيراً الى أن "حكومته لم تتلقّ أي اقتراحات من الأحزاب المعارضة"، مضيفاً أنه "يجب على المعارضة أن تكون مسؤولة، لأن البلاد تعيش وضعاً صعباً". وأشار في نفس السياق إلى "ضرورة الابتعاد عن التجاذبات السياسية التي لا تخدم البلاد".
من جهته، اعتبر القيادي في "الجبهة الشعبية"، رئيس لجنة الموازنة والمالية في البرلمان التونسي، المنجي الرحوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "ما يقال حول عدم انفتاح الجبهة وعدم امتلاكها لبدائل اقتصادية محض مغالطات"، مشيراً إلى أن "الطرح الاقتصادي والاجتماعي لقوى اليسار مخالف لأحزاب الحكم التي تغص برامجها بوعود اجتماعية، ولكن لا مكان لها في واقع التنفيذ". وبيّن أن "نتائج الانتخابات لا تخوّل لنا الحكم، نظراً للغالبية السائدة ذات الطرح اليميني، كما أن المشاركة في الحكم ليست مطروحةً نظراً للاختلاف في الرؤى والتصورات".
وأضاف الرحوي أن "الجبهة لا تطرح اليوم فكراً مناقضاً للواقع أو بديلاً هلامياً وخيالياً، بل تنطلق من الواقع، فليس لدينا مشكلة مع اقتصاد السوق، وليس في الجبهة الشعبيّة من يتبنّى مفهوم الاقتصاد الاشتراكي والشيوعي، ولم نطرح إعادة تنظيم قائم على الشفافية والانكماش، بل إن برنامجنا الاقتصادي والاجتماعي يختلف عن برامج أحزاب اليمين في دور الدولة ومسؤوليتها، لأننا نرى أن الدولة لاعب أساسي وقوة تعديل في الاستثمار في وقت تدفع الأحزاب اليمينية إلى التخلي لفائدة القطاع الخاص".
وأوضح "لسنا ضد تطوير الاستثمار الخاص ولكننا منحازون للمطالب الاجتماعية عند القوى اليسارية، المتمثلة في مقاومة الفقر والبطالة والتهميش"، مشيراً إلى أن "الجبهة الشعبية متأصلة في الطرح الاجتماعي وتحافظ على أرضيتها، ولكنها طورت من برامجها ووسائل عملها المستقبلية". ورأى مراقبون أن "الرحوي من أبرز المؤثرين في تغيير الخط السياسي لعمل الجبهة الشعبية، وكان من أبرز منتقدي المتحدث باسم الائتلاف، حمى الهمامي، زعيم حزب العمال. فاقتراب الرحوي الشديد من النهج الإصلاحي مكّنه من الاقتراب من سلطة الحكم".
اقــرأ أيضاً
وتتلخّص خلافات الرحوي مع الهمامي، بالإشكاليات العميقة لليسار التونسي ككل، والمتمثلة أساساً في التنظيم المؤسساتي للأحزاب اليسارية، فلا وجود لفصيل يساري متناسق، بسبب تعدّد التيارات والمذاهب وصراع الزعامات والخطوط، وصلت فيما بينها إلى حدّ الصراع والتنافر، في ازدواجية الخطاب السياسي لليسار وضبابيته. وجنح الوزير السابق في حكومة الوحدة الوطنية عبيد البريكي، إلى تشكيل توليفة يسارية أطلق عليها تسمية "اليسار الكبير"، وقدّمها كعائلة لتجميع شتات اليسار التونسي الذي ضمّ نقابيين وكوادر ونخبا من أبناء اليسار، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" ضرورة أن "يقدّم اليسار طرحاً جدياً للحكم وأن تولد قوة يسارية ذات أبعاد اجتماعية وتضامنية، قادرة على أن تكون الحزب البديل وحزب التداول على الحكم، باعتباره قادراً على تقديم مشروع بناء، يستجيب لتطلعات المواطن التونسي ومستقبله".
ولا يختلف اثنان حول نضالات اليسار التونسي منذ الاستعمار الفرنسي وخلال حقبة الاستبداد وبعد الثورة، غير أن الأداء السياسي والممارسة الحزبية لقوى اليسار ظلّت دون المأمول رغم السعي المتواصل لتقديم أطروحات وبرامج للحكم من دون بدائل سياسية واقعية وحلول اقتصادية تستجيب لإشكاليات المجتمع التونسي.
وإن كانت قوى اليسار التونسي منذ نشأتها منغمسة في المراجعات الفكرية بين معارك النضال ضد الاستبداد وفي سعيها المحموم كبقية القوى السياسية التونسية، طمعاً في بلوغ الحكم واعتلاء دكته بهدف إحداث التغيير المجتمعي المنشود، فإن خيارات قيادات اليسار حكمت على غالبية الفصائل اليسارية التونسية بالبقاء في سدة المعارضة، بل غلبت أشكال تحرّكها السياسي والميداني بأنماط طلابية. وانتقدت أحزاب اليسار علاقة الحكومة بصندوق النقد الدولي والدول المانحة، التي أغرقت البلاد في المديونية وفرضت إصلاحات هيكلية تمسّ من الدعم والمؤسسات العمومية، فيما عُدّ ضرباً للسيادة الوطنية. غير أن طرح اليسار التونسي لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد، غير قائم على طرح واقعي بل جنح إلى حلول ثورية صعبة التحقيق والمنال، أو مجهولة بسبب عجزه عن وضع خطة اتصالية توضح هذا التطور في رؤاه في الحكم ولتسيير البلد".
اقــرأ أيضاً
وانتقد رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حوار أجراه أخيراً على قناة ''الحوار التونسي"، عدم امتلاك المعارضة لبدائل، مشيراً الى أن "حكومته لم تتلقّ أي اقتراحات من الأحزاب المعارضة"، مضيفاً أنه "يجب على المعارضة أن تكون مسؤولة، لأن البلاد تعيش وضعاً صعباً". وأشار في نفس السياق إلى "ضرورة الابتعاد عن التجاذبات السياسية التي لا تخدم البلاد".
وأضاف الرحوي أن "الجبهة لا تطرح اليوم فكراً مناقضاً للواقع أو بديلاً هلامياً وخيالياً، بل تنطلق من الواقع، فليس لدينا مشكلة مع اقتصاد السوق، وليس في الجبهة الشعبيّة من يتبنّى مفهوم الاقتصاد الاشتراكي والشيوعي، ولم نطرح إعادة تنظيم قائم على الشفافية والانكماش، بل إن برنامجنا الاقتصادي والاجتماعي يختلف عن برامج أحزاب اليمين في دور الدولة ومسؤوليتها، لأننا نرى أن الدولة لاعب أساسي وقوة تعديل في الاستثمار في وقت تدفع الأحزاب اليمينية إلى التخلي لفائدة القطاع الخاص".
وأوضح "لسنا ضد تطوير الاستثمار الخاص ولكننا منحازون للمطالب الاجتماعية عند القوى اليسارية، المتمثلة في مقاومة الفقر والبطالة والتهميش"، مشيراً إلى أن "الجبهة الشعبية متأصلة في الطرح الاجتماعي وتحافظ على أرضيتها، ولكنها طورت من برامجها ووسائل عملها المستقبلية". ورأى مراقبون أن "الرحوي من أبرز المؤثرين في تغيير الخط السياسي لعمل الجبهة الشعبية، وكان من أبرز منتقدي المتحدث باسم الائتلاف، حمى الهمامي، زعيم حزب العمال. فاقتراب الرحوي الشديد من النهج الإصلاحي مكّنه من الاقتراب من سلطة الحكم".
وتتلخّص خلافات الرحوي مع الهمامي، بالإشكاليات العميقة لليسار التونسي ككل، والمتمثلة أساساً في التنظيم المؤسساتي للأحزاب اليسارية، فلا وجود لفصيل يساري متناسق، بسبب تعدّد التيارات والمذاهب وصراع الزعامات والخطوط، وصلت فيما بينها إلى حدّ الصراع والتنافر، في ازدواجية الخطاب السياسي لليسار وضبابيته. وجنح الوزير السابق في حكومة الوحدة الوطنية عبيد البريكي، إلى تشكيل توليفة يسارية أطلق عليها تسمية "اليسار الكبير"، وقدّمها كعائلة لتجميع شتات اليسار التونسي الذي ضمّ نقابيين وكوادر ونخبا من أبناء اليسار، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" ضرورة أن "يقدّم اليسار طرحاً جدياً للحكم وأن تولد قوة يسارية ذات أبعاد اجتماعية وتضامنية، قادرة على أن تكون الحزب البديل وحزب التداول على الحكم، باعتباره قادراً على تقديم مشروع بناء، يستجيب لتطلعات المواطن التونسي ومستقبله".
وإن كانت قوى اليسار التونسي منذ نشأتها منغمسة في المراجعات الفكرية بين معارك النضال ضد الاستبداد وفي سعيها المحموم كبقية القوى السياسية التونسية، طمعاً في بلوغ الحكم واعتلاء دكته بهدف إحداث التغيير المجتمعي المنشود، فإن خيارات قيادات اليسار حكمت على غالبية الفصائل اليسارية التونسية بالبقاء في سدة المعارضة، بل غلبت أشكال تحرّكها السياسي والميداني بأنماط طلابية. وانتقدت أحزاب اليسار علاقة الحكومة بصندوق النقد الدولي والدول المانحة، التي أغرقت البلاد في المديونية وفرضت إصلاحات هيكلية تمسّ من الدعم والمؤسسات العمومية، فيما عُدّ ضرباً للسيادة الوطنية. غير أن طرح اليسار التونسي لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد، غير قائم على طرح واقعي بل جنح إلى حلول ثورية صعبة التحقيق والمنال، أو مجهولة بسبب عجزه عن وضع خطة اتصالية توضح هذا التطور في رؤاه في الحكم ولتسيير البلد".