مصير الهيئات الدستورية بجمهورية تونس الثانية في مهبّ المخاوف والتعطيل

06 نوفمبر 2017
يتحمل البرلمان التونسي جزءا من الفشل (فرانس برس)
+ الخط -
مرّ أكثر من ثلاث سنوات على إصدار الدستور التونسي الجديد، وضعفها من الأعوام على قيام الثورة التونسية، وما زالت البلاد تتخبط في واقع انتقالي بين جمهوريتين؛ الأولى أسقطها الشباب الثائر، والثانية ما زالت مؤسساتها الدستورية حبراً على ورق.

وتعد الهيئات الدستورية التي جاء بها دستور الجمهورية الثانية صمام أمان ضدّ العودة إلى الاستبداد، وضمانة لتكريس الفصل بين السلطات الثلاث، ودرعا لحماية الحقوق والحريات الفردية والعامة.

ونص الدستور على ضرورة إحداث خمس هيئات دستورية لإنهاء الوضع الانتقالي، ذكرت في الباب السادس منه، وهي "هيئة الانتخابات" و"هيئة الاتصال السمعي البصري" و"هيئة حقوق الإنسان" و"هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة" و"هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد"، عجزت القيادة التونسية إلى اليوم عن إرساء أي منها، وحتى الهيئة العليا للانتخابات التي انتخبت قبل  دستور يناير/ كانون الثاني 2014، أصبحت اليوم عرجاء دون رئيس يسير دواليبها بسبب الحسابات السياسية والتجاذبات الحزبية. 

وفشل البرلمان التونسي في أربع مناسبات في عملية انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات، حيث فتح باب الترشح لرئاسة الهيئة في مناسبتين، ويتجه اليوم إلى فتح الباب مرة ثالثة في مسار أصبح يصفه المتابعون بالمهزلة.

وعلق أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، على عدم حصول أي مترشح على ثقة البرلمان بأن نواب الشعب سحبوا ثقتهم بطريقة غير مباشرة من جميع المترشحين.

وقال أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن القيادة السياسية الحالية تخشى من إرساء الهيئات الدستورية المستقلة عن السلطة، كما تخشى من سلطة مضادة رادعة لأي تجاوز تقترفه السلطات الأخرى، وهو ما يفسر محاولات استهدافها وتكبيلها عبر بنود وأحكام أو تعطيل عملها بعدم توفير الإمكانات والموارد، حتى تبقى رهينة السلطة التنفيذية المركزية.   

ويتحمل البرلمان التونسي الجانب الأكبر من المسؤولية في عدم إحداث الهيئات الدستورية، أو في إرباك تأسيسها داخل المطبخ السياسي التونسي، حيث تشارف المدة النيابية لمجلس نواب الشعب على نهايتها بمرور 4 سنوات منذ انتخابه، دون أن يتقدم في هذا الملف.

وأصدر الاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم، بيانا ندد فيه بالحسابات السياسية التي حالت دون انتخاب رئيس هيئة الانتخابات، مشيرا إلى أنّ استمرار تعطيل الهيئة بفعل المحاصصة الحزبية سيؤثّر على مصداقيّتها وشفافية ممارستها، ويعمّق أزمتها ويزيد من نفور النّاخبين من العملية الانتخابية برمّتها، ممّا يشكّل خطرا على المسار الديمقراطي وعلى الاستقرار السياسي، "لذا نحمّل المسؤولية لجميع الأطراف وندعوها إلى الإسراع بترميمها وتجديد انتخاب أعضائها وانتخاب رئيسها بعيدا عن المحاصصة".

وكان رئيس البرلمان، محمد الناصر، تعهد في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الرابعة بإحداث الهيئات الدستورية قبل نهاية الدورة، كما أعلن التزام الأحزاب والكتل النيابية بإتمام انتخاب المحكمة الدستورية قبل نهاية العام الحالي.

ويدور خلاف داخل البرلمان على ضرورة إخضاع جميع الهيئات الدستورية إلى مراقبة السلطة التشريعية باعتبارها السلطة الأولى، وإدخال إمكانية مساءلة أعضائها وسحب الثقة منهم إذا ما حادوا عن المهمة التي انتخبوا من أجلها، غير أن المعارضة تخشى من ضرب استقلالية أعضاء هذه الهيئات والمس بحيادهم بأن يتحول ولاؤهم للأغلبية البرلمانية الحاكمة، التي انتخبتهم والتي بإمكانها حجب الثقة عنهم وإعفاؤهم.

ويرى النائب النذير بن عمو، وزير العدل السابق وأستاذ القانون الدستوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مفهوم الاستقلالية لا يعني إيجاد دويلات داخل الدولة وتفكيك وحدة مؤسسات الدولة، مشيرا من جهة أخرى إلى أن اعتماد مبدأ المساءلة والإعفاء مخالف لما جاء به الدستور.

وتطالب منظمات المجتمع المدني التونسية والأجنبية السلطات التونسية بالإسراع في انتخاب وتركيز الهيئات الدستورية المستقلة، ورفع أيدي الأحزاب السياسية عن مسار أحداثها وتحمل البرلمان مسؤولية التأخير المسجل.

المساهمون