مصر: خلاف حكومي قضائي حول مشروع "بيع" الجنسية

30 اغسطس 2016
مجلس الدولة ينظر بمشاريع القوانين قبل إرسالها للبرلمان (الأناضول)
+ الخط -
فجّر مشروع تعديل قانون الجنسية المصرية، الذي يسمح بمنح الجنسية للأجنبي مقابل دفعه مبلغاً مالياً ضمن وديعة لمدة خمس سنوات، خلافاً بين الحكومة المصرية وقسم التشريع في مجلس الدولة المصري، المعترض على بعض الأسس التي يقوم عليها المشروع الجديد من الناحية الدستورية. وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" عن أن هناك اتجاهاً في قسم التشريع لرفض المشروع الجديد، باعتباره يمنح وزير الداخلية سلطة مطلقة في تحديد المبلغ المالي المطلوب إيداعه، ما يعتبر مخالفة دستورية، وتفريطاً في إلزام الدستور للمشرّع بتحديد شروط اكتساب الجنسية. ويلزم الدستور الحكومة بعرض مشاريع القوانين على قسم التشريع في مجلس الدولة، بوصفه أحد أعمدة السلطة القضائية في مصر، قبل إرسالها إلى مجلس النواب.

وأوضحت المصادر أن القضاة المعنيين يرفضون "المادة الجديدة رقم 4 مكرر في القانون"، والتي تجيز أن يصدر وزير الداخلية قرار منح الجنسية المصرية للأجانب المقيمين في البلاد، وتخوّل وزارة الداخلية تحديد شروط وقواعد تقديم طلب التجنيس بعد موافقة مجلس الوزراء عليها. وأضافت أن القضاة يعتبرون أن هذه الصيغة مخالفة للمادة 6 من الدستور التي تنص على أن "الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه، ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية".

ويرى القضاة المعارضون أن المشروع الجديد يجب أن يتضمن بشكل واضح وصريح المبلغ المالي المطلوب من فئة "الأجانب ذوو الإقامة بوديعة"، دفعه أو إيداعه لمدة 5 سنوات، ليكونوا بعد ذلك مؤهلين للمطالبة بالحصول على الجنسية المصرية. ويؤكدون أن "الدستور يتطلب تحديد شروط اكتساب الجنسية بشكل واضح في القانون"، مشددين على ضرورة "أن تسن السلطة التشريعية هذه الشروط بنفسها، وليس أن تتركها لتقدير وزير الداخلية المعبر عن السلطة التنفيذية".


ويتخوف المعارضون من أن تحدد وزارة الداخلية مبالغ مالية ضئيلة ومتواضعة تسمح لأي أجنبي غير جاد بالمطالبة بالجنسية المصرية، ويوصون بأن يكون المبلغ المطلوب بالعملة الأجنبية لمواجهة الانخفاض الشديد والمستمر في قيمة الجنيه المصري حالياً. كما يتحفظ هؤلاء على فتح الباب أمام المواطنين من أي جنسية أجنبية لإيداع المبلغ والمطالبة بالجنسية بما يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي، ويسمح بتغلغل جنسيات غير مرحب بها في المجتمع المصري كالإسرائيلية مثلاً. في هذا الصدد، يطالب بعض النواب بأن يقتصر خيار "الجنسية مقابل الوديعة" على المواطنين من الجنسيات العربية فقط.

وكانت الحكومة المصرية أعدت هذا المشروع، الذي انفردت "العربي الجديد" بنشره في 30 يوليو/تموز الماضي، تحت حجة تنشيط الاستثمارات الأجنبية في مصر، وتشجيع الأجانب على القدوم إلى هذا البلد والاستثمار فيه، مع التمتع بالضمانات والتسهيلات المقررة للمواطنين المصريين. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتم فيها تعديل قانون الجنسية بهذه الصورة، وذلك بعد نحو عامين من ظهور بعض المطالب ببيع الجنسية المصرية مقابل مبلغ مالي للعرب والأجانب من الجنسيات غير المعادية لمصر، بهدف تنشيط الاستثمارات الأجنبية.

وينص المشروع على استحداث فئة جديدة من الأجانب اسمها "الأجانب ذوو الإقامة بوديعة" ويعرّفهم بأنهم "الأجانب الذين يودعون وديعة نقدية، ويصدر بتحديد المرخص لهم بالإقامة ومدتها وقيمة الوديعة ونوع عملتها وتنظيم إيداعها واستردادها والبنوك التى يتم الإيداع بها، قرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء".

وتشير المذكرة الإيضاحية للمشروع إلى أنه "جاء انطلاقاً من السياسة التي تنتهجها الدولة فى تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشاريع الاقتصادية، وتيسيراً للأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوي بمصر، والعمل على خلق جو من الثقة والاستقرار، ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشاريعهم وتحقيقاً للاستقرار العائلي لهم".

وأكدت هذه المذكرة أنه "تقديراً من الدولة المصرية لدور الأجانب والعرب في المساهمة في تنشيط الاستثمار، ودعم الاقتصاد الوطنى، فقد اعتبرت أن إقامتهم فى مصر لمدة لا تقل عن 5 سنوات أمر يشكل نوعاً من الوفاء والانتماء إلى الدولة المصرية، ولذلك يجوز منحهم الحق في طلب (الحصول على) الجنسية المصرية".