عبداللطيف المكي: نختلف مع الغنوشي حول أسلوبه برئاسة "النهضة"

15 اغسطس 2016
الغنوشي منحاز إلى رؤية دافع عنها (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد خافياً على أحد أن الخلافات تشقّ حركة النهضة، بما يعطي انطباعاً بأن وحدتها الداخلية مهددة. في هذا السياق، حاورت "العربي الجديد" وزير الصحة السابق في عهد الترويكا، عضو مجلس الشورى حالياً بعد خروجه من المكتب التنفيذي، عبد اللطيف المكي.

* هل هناك محاور وصراع أجنحة داخل حركة النهضة؟
ليس هناك شق مؤيد لراشد الغنوشي أو شق مختلف معه، بل هناك إشكال قائم حول كيفية تسيير الحركة داخلياً، أو ما نطلق عليه تسمية الرؤية القيادية، التي قُدّمت في شأنها أطروحتان رئيسيتان، وحسم المؤتمر الأمر لصالح إحداهما. وفي نهاية فعاليات المؤتمر العاشر (مايو/أيار الماضي) وعد رئيس الحركة بالإصلاح، بعد أن تلقى رسالة في هذا الشأن، غير أنه لم يتجسد هذا الوعد حتى الآن، وربما سيتجسد مستقبلاً. المؤكد أنه تم الاتفاق على بعث لجنة للإصلاحات إلا أنها لم تتشكّل بعد. هناك مواقف مختلفة تجاه موضوعات مطروحة داخل الحركة، نحن بصدد مناقشتها بأكثر ما يمكن من درجات الهدوء. بالتالي لا انشقاقات في الحركة، بل إن الأمر يحصل في إطار من الأخوة والتضامن لوحدة الحركة.

* هل تقرّ بوجود قضايا خلافية؟
طبعاً هناك رؤى خلافية، وهو أمر طبيعي جداً، إذ إن كل حزب عصري فيه ديمقراطية داخلية، وهو نقيض الحزب الستاليني الذي يشبه الجميع بعضهم البعض، ويخضعون لسلطة القائد. توجد رؤى مختلفة حول ملفات هامة، مثل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن ذلك لم يخرج عن إطار الاختلاف حول رؤى نحن قادرون على الوصول فيها إلى اتفاقات.

* لكنك وجهت دعوة للغنوشي، حين طلبت منه الكفّ عن الميل باتجاه طرف، من دون الأخذ بعين الاعتبار آراء الطرف الآخر ومطالبه؟ ولماذا كل هذا الإلحاح؟
نعم، أعتقد بأن على الرئيس الإصغاء للجميع، وهو شرط مهم لإنجاح الحوار، فحياد رئيس الحركة مسألة ضرورية في هذا السياق.

* إلحاحك في هذه المسألة يُفهم على أن الغنوشي لم يلتزم بالحياد في هذه الخلافات القائمة؟
نعم ليس هناك حياد، فرئيس الحركة منحاز إلى رؤية دافع عنها خلال المؤتمر، ولا يزال يدافع عنها حتى الآن، لكنه وعد بالإصلاح. وحين نأخذ ذلك مأخذ الصدق، فالحياد الأخلاقي والمنهجي، يصبح ضرورياً لإنجاح الحوارات الداخلية. وربما يمثل هذا إحدى الصعوبات التي تواجه الحركة في هذه المرحلة، ومن أهمها أن يكون للرئيس وجهة نظر متمسك بها بقوة. رئيس الحركة يعتقد بأن القيادة يجب أن تكون رئاسية بحتة، والمطلع على شؤون النهضة يعرف أن إفراز القيادة التنفيذية يتم باقتراح من الرئيس وتزكية من مجلس الشورى، في حين أن الأفضل بحسب وجهة النظر التي أدافع عنها، هو أن يقع الانتخاب المباشر للقيادة التنفيذية للحركة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعكس خارطة الآراء والرؤى الموجودة داخل الحركة.



* هل يمكن أن يشكل الصراع على المواقع والحقائب الوزارية عاملاً من عوامل تغذية هذه الخلافات داخل الحركة؟
لا أبداً، بالنسبة لنا هذه مسؤوليات وليست تشريفات، والذي يتولى حقيبة وزارية نتضامن معه ونشفق عليه، لأنه مطالب بالمسؤولية وبالمردودية في أقصى درجاتها في ظروف صعبة تمر بها البلاد، ولن يمثل هذا البتة موضوع صراع أو تجاذب. سنختار الأفضل والأقدر على تجسيد سياسات الحركة في هذه الوزارة أو تلك بكل سلاسة وبكل مرونة ولن تكون هناك أي مشكلة. لقد شاركنا في حكومات عديدة ومتتالية، وفي كل مرة كنا نخلص إلى خيارات يرتاح إليها الجميع. تربينا على النضال، ولن يكون هناك فرق للعطاء سواء داخل الحزب أو داخل الدولة. وهذه هي الفلسفة السياسية أو الفكر السياسي الجديد الذي نبشر به، فالسلطة تعتبر مسؤولية ونضالا وليست مغنما وتشريفاً.

* هل تعتبر أن حركة النهضة نجحت في التعيينات التي قامت بها؟
كل عمل بشري يبقى ناقصاً وقابلاً للتحسين، لكن عموماً نحن راضون على ما قمنا به.

* هل يمكن القول إن حركة النهضة تواجه أزمة حوار أو أزمة على مستوى الديمقراطية داخلها، خصوصاً أنك ذكرت في حديثك أن الرئيس متمسك بوجهة نظره؟
متمسك بوجهة نظره وله ذلك، باعتبار أن الديمقراطيين الحقيقيين يجب أن يقبلوا بقانون اللعبة، فكما يحق لك التمسك والدفاع عن وجهة نظرك، يحق للرئيس كذلك أن يتمسك أيضاً بوجهة نظره.

* هل بإمكان الرئيس أن يتجاوز مجرد التمسك بوجهات النظر إلى حدّ تطبيقها من خلال استعمال صلاحياته كرئيس؟
طبعاً، طالما أن القانون يسمح له بممارسة صلاحياته، فهو يفعل ذلك في إطار القانون، باعتبار أن المؤتمر صوّت لصالحه وأعطاه كل الصلاحيات المترتبة عن ذلك. ليست هنالك أزمة ديمقراطية، لدينا آليات هي أفضل مما هو موجود في ما يخص الأحزاب، ولكننا نريد تطويرها. على الإنسان دائماً أن يتجاوز ذاته، وألا تتملكه حالة من الرضى التام.




* تتحدث عن نفسك أنت أم أن الأمر ينسحب على كافة عناصر الحركة؟
أتحدث عن الجميع، فداخل حركة النهضة دائماً توجد مثل هذه الإشكالات، ولكن الجديد الآن هو أن الرأي العام، بفضل الثورة (2010)، أصبح يسمع بما يجري داخل الحركة. وليست هذه المرة الأولى التي يحصل فيها نقاش حول رؤية القيادة في الحركة، لكن الذي يميز المرحلة الحالية هو أن البلاد حصلت بها نقلة، وانتقلت معها حركة النهضة من حزب غير معترف به، يعمل وسط ظروف خاصة، إلى حزب معترف به في ظل ثورة وحرية وديمقراطية. كما تضاعفت مهام الحركة التي أصبحت شريكاً في إدارة الشأن الوطني، سواء كان في الحكومة أو في المعارضة، وهو ما يقتضي تبنّي منظومة قيادية فيها قدر من اللامركزية، وفيها قدر من التفويض، وفيها أيضاً نوع ما من الشراكة في القيادة المركزية للناس التي تفرزها القواعد.

* كلامك يحمل الكثير من المثالية؟
لا ليس هذا، نحن بشر ولكننا اعتدنا على أن يترفّع الإنسان عن كل ما هو شخصي وعن كل ما هو غنيمة، فنحن أناس مناضلون واختلافنا لا يجب أن تتسرّب إليه الأبعاد الشخصية ولا المكاسب. هذا ربما الذي نطالب به نحن كي تصبح الأحزاب مخلصة للأفكار، مخلصة للبرامج وليس مجرد صراعات من أجل المواقع الحزبية أو المواقع الحكومية.

* هل بالإمكان القول إن ما سمي بالصراع بين الحزبي والدعوي داخل حركتكم، قد اختفى نهائياً أم لا؟
لم ينشأ صراع حول هذه المسألة، بل كان ثمة تفكير عميق حول مدى قدرة تنظيم واحد أن يحتوي على مهام عدة، تختلف في الطبيعة وفي أساليب العمل. وهذا التساؤل ازداد قوة بعد الثورة لأنه أصبحت هناك فرصة لتمدد العمل المجتمعي في أحجامه ونوعياته إلى جانب تمدد العمل السياسي فبقي هذا السؤال مطروحاً، بشكل مكثف، إلى أن انتهينا إلى أنه لا يمكن أن تجمع الحركة بين المهمتين من الناحية الواقعية. ذلك لأن للعمل السياسي أساليبه ورهاناته الخاصة، والعمل المجتمعي له كذلك أساليبه وطبيعته ورهاناته، فقررنا أن يكون هنالك تخصص، هذا من الناحية المنهجية والواقعية. كما أن قانون البلاد لا يسمح لحزب بأن يمارس العمل الجمعياتي أو الخيري أو الدعوي أو غير ذلك. والتزاماً بهذه الرؤية الحركية، وبقوانين البلاد، توجّهنا نحو التخصص. لكن القلق سيبقى قائماً، فالقلق هو الذي يصنع الأسئلة والأجوبة هي التي تهدئ قلقاً معيّناً وتخلق قلقاً جديداً.

* هل باتت الحركة تواجه مشكلة بين "التشبيب" والشيخوخة؟
نحن أكثر حزب يحتوي على أعلى نسبة من الشباب المنخرطين، إذ نجد شباباً في المكتب التنفيذي، ومن بين الكتّاب العامين، غير أنه يُفترض أن توجد سياسات من شأنها أن تزيد في دعم دور الشباب داخل الحزب ثم داخل البلاد. وهو الأمر الذي يجعل الكوادر الحزبية تجمع بين التشبيب والكفاءة والقدرة القيادية. لكن ما يجب الاعتراف به أن نسبة الشباب الناشط في المجتمع المدني أو المنخرط في الأحزاب الأخرى تعتبر نسبة ضعيفة، إذ هناك معضلة على مستوى مدى انخراط الشباب في الشأن العام، وبالتالي فكل الأحزاب ومن بينها النهضة يجب أن تعمل على مزيد استقطاب الشباب وضخه في قنوات العمل السياسي والجمعياتي والحكومي، في إطار الجمع بين الكفاءة والاقتدار القيادي، كما خفضنا العمر المسموح به لرئاسة الحركة من 40 إلى 35 سنة.