معارك محيط دمشق... خلط للأوراق قبل المحادثات السياسية

09 ابريل 2016
اشتباكات بين "داعش" والجيش الحر (عمار البوشي/الأناضول)
+ الخط -
تدور معارك كرّ وفرّ شرق العاصمة السورية دمشق، وصفها ناشطون بـ"الضارية"، منذ عدة أيام بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة، وبين قوات النظام السوري من جهة أخرى، لم يبقَ الجيش السوري الحر بعيداً عنها إثر مهاجمة التنظيم لبعض مقراته بالقرب من مدينة الضمير التي تقع ضمن منطقة جغرافية وعرة، تتخللها الجبال والتلال، شرق دمشق بنحو 40 كيلومتراً، وتُعدّ عقدة وصل مهمة لوسط سورية بجنوبها.
يتزامن ما يجري في شرق العاصمة مع ما يجري في جنوبها، إذ تقدّم تنظيم "داعش" في مخيم اليرموك المحاصر منذ أعوام على حساب "جبهة النصرة"، في تحرّك وصفه مراقبون بـ"المفاجئ"، قُتل فيه عدد من مقاتلي التنظيم والجبهة، وأُغلق على إثره الطريق الواصل بيت بلدة يلدا ومخيم اليرموك.
تأتي هذه التحركات العسكرية قبل أيام معدودة من انطلاق جولة ثالثة من محادثات جنيف بين المعارضة السورية والنظام، ويرى مراقبون أن الأخير يحاول الاستثمار في "الإرهاب" لتحسين موقعه التفاوضي من خلال اتّباع سياسة "حد الهاوية" مع المجتمع الدولي لإملاء شروطه عليه.
واستعاد الجيش السوري الحر يوم الخميس الماضي، طريق دمشق-بغداد الذي سيطر عليه التنظيم ليوم واحد عقب تقدّمه المفاجئ باتجاه مدينة الضمير ومطارها العسكري. كما نجح الجيش الحر، وفق ناشطين، بقطع طريق إمدادات تنظيم "داعش" عن مطار الضمير العسكري والفوج 16، بعد استهداف رتل عسكري له، أسفر عن تدمير آليات عسكرية، وقتل 15 عنصراً من التنظيم.
وذكرت مصادر أن تنظيم "داعش" نقل عدداً كبيراً من عناصره الذين كانوا في مدينة تدمر وبلدة القريتين إلى مراكزه في سلسلة القلمون الشرقي، في محاولة منه للاقتراب من تخوم العاصمة دمشق، ونقل الصراع إلى مستويات جديدة، خصوصاً أن التنظيم بدأ يتلقى ضربات موجعة في شمال سورية وجنوبها، حيث اندحر في عدة أماكن في ريف حلب الشمالي، وفي ريف درعا.


ويوضح قائد "لواء مغاوير القلمون" التابع لـ"قوات الشهيد أحمد العبدو" في الجبهة الجنوبية، أبو البراء، أن تنظيم "داعش" وإثر انسحابه من تدمر والقريتين اتجه إلى القلمون الشرقي وأطراف الغوطة، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن النظام قام بالانسحاب من القطع العسكرية المتفرقة، وسحب كل قواته إلى مطاري الضمير والسين، تاركاً المجال لتنظيم "داعش" بالوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر في القلمون الشرقي، حيث قام التنظيم بضرب نقطة للجيش الحر بجبال الرحيبة الشرقية. ويلفت إلى أن هناك اشتباكات مباشرة على رقعة واسعة بين "داعش" والجيش الحر بمشاركة الكثير من الفصائل منها "قوات أحمد العبدو"، و"فيلق الرحمن"، و"جيش أسود الشرقية"، مشيراً إلى أن هذه الرقعة تمتد من الحماد السوري شرقاً إلى مثلث البطمة إلى مدينة الضمير جنوباً، حيث تمت استعادة الكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم منها محور مطوطة، وفكة النجار، ومحروثة، ومكحول وسد ريشة، ومزرعة القطري.
ويرى مراقبون أن إيران، ونظام بشار الأسد، ليسا بعيدين عن تحرك التنظيم قبيل أيام من بدء الجولة الثالثة من محادثات جنيف المقررة في 13 الحالي، إذ يتم تحريك جموع التنظيم باتجاه مناطق حساسة لاستجرار مزيد التعاطف مع النظام لإشراكه بما يسمى "الحلف ضد الإرهاب"، والتفاهم بين القوى الدولية على صيغة حل سياسي لصالحه.
وفي هذا الصدد، يرى المعارض والمحلل السياسي السوري صلاح بدر الدين، أن ما سماه "النظام الأسدي" وإيران والحكومة العراقية "ليسوا بعيدين عن إنتاج تنظيم داعش والجماعات المتشددة في سورية وتسويقها لأسباب باتت معروفة للسوريين". ويشير بدر الدين في حديث مع "العربي الجديد" إلى ما حصل في تدمر أخيراً "من تعاون وتنسيق بين النظام وأعوانه من جهة، وبين تنظيم داعش من الجهة الأخرى، إضافة إلى عشرات الشواهد حصلت في حلب وريفها والغوطة وجنوب سورية". ويعتبر أن "النظام وبدعم مباشر من موسكو وطهران، وسكوت مريب من واشنطن، سيمضي في نهجه هذا لتحقيق ما يريد سياسياً في المحادثات".
من جهته، يرى المحلل العسكري المقدّم المنشق عن النظام محمد سامر الصالح، أن لمنطقة الضمير "أهمية استثنائية" في الصراع، فهي "خاصرة دمشق الشرقية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "في منطقة الضمير وسلسلة جبال القلمون الشرقية مستودعات كبيرة لصواريخ دفاع جوي استراتيجية، فضلاً عن المطار العسكري الذي يُعدّ من المطارات الهامة في سورية، وهناك وحدات عسكرية أخرى تابعة لقوات النظام".
ويعرب عن اعتقاده بأن ما يجري شرق دمشق "عملية استدراج لتنظيم الدولة الاسلامية من قبل قوى غربية، ليصبح في مواجهة مباشرة مع جيش الإسلام، وهو القوة الضاربة في غوطة دمشق الشرقية"، مشيراً إلى أن ذلك "جزء من حل مفروض لإشراك المعارضة مع النظام في مواجهة تمدّد التنظيم في الجغرافية السورية". ولا يستبعد أن يكون تحريك جبهة مخيم اليرموك من قبل تنظيم "داعش" مرتبطا "بشكل مباشر، أو غير مباشر" بالتطورات العسكرية في منطقة الضمير، مضيفاً: "أعتقد أن الأحداث العسكرية في جنوب دمشق مرتبطة بما يجري شرقها".
أما العقيد المنشق عن النظام عامر بكران، فيرى أنه لا توجد غايات عسكرية واضحة لدى تنظيم "داعش" من تحركه المفاجئ بالقرب من دمشق قبيل أيام من جولة ثالثة من محدثات جنيف، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "ما يجري مجرد ألاعيب سياسية من قبل النظام وحليفيه (روسيا وإيران) للإيحاء للمجتمع الدولي أن التنظيم يقترب من العاصمة، وأن النظام وحده القادر على مواجهته". ويشير في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الأسد يهدد العالم بالفوضى في حال أصر على إبعاده وأركان حكمه من السلطة، معتبراً أن "الإرهاب" هو "آخر أوراق الأسد السياسية للحيلولة دون سقوطه".

المساهمون