"انتقام" الاحتلال من "البيئة الحاضنة" للفدائيين: تكرار لـ"عقوبات" فاشلة

10 مارس 2016
الاحتلال ينتقم من عائلات الشهداء لوقف الانتفاضة (Getty)
+ الخط -
في وقت يحذر معلقون كبار من آثارها العكسية، قررت الحكومة الإسرائيلية فرض عدد من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين، في مسعى لوضع حد لموجة عمليات المقاومة التي تتواصل، والتي بات يطلق عليها "انتفاضة القدس".

ومن المفارقة أن اقتراح مزيد من العقوبات الجماعية أصبح مجالاً للتنافس بين قادة المعارضة، بشقيها اليساري واليميني، والأحزاب والحركات المشاركة في الائتلاف الحاكم، الذي يقوده بنيامين نتنياهو. 

فعقب سلسلة عمليات الطعن وإطلاق النار، التي نفذها، أخيراً، مقاومون فلسطينيون في القدس ويافا وغيرهما، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن، في اجتماعه الليلة قبل الماضية، تشديد الحصار والخنق على مناطق واسعة في الضفة الغربية، إلى جانب إغلاق وسائل الإعلام الفلسطينية، التي تتهمها إسرائيل بالتحريض على المقاومة، إلى جانب سحب تصاريح العمل من كل الأفراد الذين ينتمون لعوائل منفذي عمليات المقاومة، ومنعهم من دخول إسرائيل. 

فحسب القرارات الأخيرة، سيتم مواصلة مخطط تقطيع أوصال الضفة الغربية، بحيث سيتم استكمال عزل منطقة الخليل عن منطقة بيت لحم، ومنطقة القدس عن بقية أرجاء الضفة الغربية. 

اقرأ أيضاً: مواجهات واعتقالات في القدس المحتلة والضفة

وقد قررت الحكومة استكمال بناء جدار الفصل العنصري عند حاجز "ترقوميا"، شمال الخليل، إلى جانب إغلاق الجدار الذي يحيط بالقدس بشكل محكم، لتقليص قدرة الفلسطينيين على دخول المدينة عبر سلوك الطرق الجبلية الوعرة. 

وقد قررت الحكومة، أيضاً، فرض قيود مشددة على تحركات الفلسطينيين داخل القدس، سيما في منطقة "باب العمود"، أحد الأبواب الرئيسة للمسجد الأقصى، ومنع المقدسيين من التواجد أمام هذا الباب. 

واللافت أن قادة المعارضة اليسارية، تحديداً، قد "تباهوا" بقرار الحكومة الإسرائيلية تقطيع أوصال الضفة الغربية، على اعتبار أنهم أول من دعا إلى اتخاذ هذه الخطوة. 

فقد أشاد زعيم المعسكر الصهيوني، إسحاق هيرتزوغ، بالقرار، على اعتبار أنه يمثل تبنياً صريحاً لدعوته التي تقوم على تقليص الاحتكاك بين التجمعات السكانية الفلسطينية والمستوطنات اليهودية.

ولا يشمل قرار إلغاء تصاريح عمل أقارب منفذي العمليات من الدرجة الأولى، بل كل من ينتمي للعائلة، بغض النظر عن درجة العلاقة العائلية مع المقاومين. لكن هذه الإجراءات تعد "معتدلة"، إذا ما قورنت بالمقترحات التي يطرحها قادة في الحكومة والمعارضة، لردع الفلسطينيين على مواصلة هذا الخط من العمل المقاوم.

فقد حظيت دعوة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي منبديليت، بطرد عائلات منفذي عمليات المقاومة من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، بدعم عدد من قادة المعارضة، وعلى رأسهم قادة حزب "ييش عتيد"، الذي يرأسه وزير المالية السابق، يئير لبيد، والذي يمثل الوسط. 

وعلى الرغم من أنه حتى وزيرة القضاء اليمينية المتطرفة، إياليت شاكيد، التي تنتمي لحزب "البيت اليهودي"، قد أقرت، في مقابلة بثتها معها قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى، الجمعة الماضي، أن طرد عائلات منفذي عمليات المقاومة يتعارض مع القانون الدولي، على اعتبار أنه لا يمكن تحميلهم عبء أعمال لم ينفذوها؛ فإن هذه الدعوات تكتسب المزيد من الزخم. 

اقرأ أيضاً: الاحتلال يقتحم منزل الشهيد فؤاد التميمي ويمهد لهدمه

ففي مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الثانية، الليلة الماضية، قال وزير الاستيطان والزراعة، أوري أرئيل: "إنه يمكن طرد عائلات منفذي العمليات داخل الضفة الغربية، بحيث إن كانت العائلة تقطن في جنوب الضفة الغربية، بالإمكان طردها إلى شمال الضفة، والعكس صحيح"

لكن بعض الوزراء لا يبدون أيّ حساسية إزاء تعارض هذه الإجراءات المقترحة مع القانون الدولي. فقد نقلت الإذاعة العبرية، صباح اليوم الخميس، عن وزير الاستخبارات والمواصلات يسرائيل كاتس: "المعيار الوحيد الذي يجب أن يحكم إسرائيل هو مقتضيات الأمن القومي، وليس نصوص القانون الدولي"

وقد تحول التنظير للعقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين إلى مادة للمزايدة السياسية بين ممثلي الائتلاف الحاكم وبين نخب اليمين المعارضة. فوزير الخارجية السابق وزعيم حزب "يسرائيل بيتنا" لا يكتفي بالتشديد على مطالبته بفرض حكم الإعدام على كل من يثبت أنه نفذ أو حاول أن ينفذ عملاً مقاوماً، بل يطالب بطرد الفلسطينيين الذين "يحرضون على العنف" من الضفة الغربية إلى قطاع غزة. 

ونظراً لأنه يسعى للعودة للحياة السياسة مجدداً، والتنافس على رئاسة الوزراء، فقد دعا وزير الداخلية السابق الليكودي، جدعون ساعر، في مقابلة أجرتها معه، اليوم، إذاعة الجيش الإسرائيلي، إلى عزل التجمعات السكانية الفلسطينية، والتوسع في تدمير بيوت منفذي العمليات، عبر تقليص الإجراءات القانونية التي تستغرق قبل تنفيذ أوامر هدم المنازل، إلى جانب تعبيره عن الحماس لطرد العائلات لقطاع غزة. 

وتأتي هذه الإجراءات في ظل تحذير نخب إسرائيلية وازنة من أن العقوبات الجماعية ستفضي فقط إلى زيادة حدة عمليات المقاومة، وتدهور الأوضاع الأمنية الإسرائيلية. 

فقد حذر رون خولدائي، رئيس بلدية تل أبيب، من خطورة الإجراءات التي تقدم عليها الحكومة، والدعوات الصادرة عن الساسة، مشدداً على أنه يتوجب على المجتمع الإسرائيلي التعايش مع هذا النمط من عمليات المقاومة، لأنه لا يوجد ثمة حل أمني لها. 

وفي مقابلة أجرتها معه الليلة قبل الماضية، قال خولدائي، وهو جنرال في الاحتياط، إن الإجراءات الأمنية الأشد والعقوبات الجماعية الأوسع ليس بوسعها مواجهة هذه الانتفاضة. 

وفي السياق ذاته، قال المعلق بن كاسبيت: "الذين يدعون لطرد عائلات منفذي عمليات المقاومة نسوا عبر الماضي التي تدلل على أن هذا النوع من العقوبات لم يسفر إلا عن نتائج عكسية"

وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف" أمس، نوه كاسبيت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، "طرد في مطلع الانتفاضة الأولى قادة ونشطاء حركة "حماس" إلى جنوب لبنان، وماذا حدث بعد: هل تراجع مستوى العمليات، أم أن الأمر عزز فقط من قوة حماس؟".

اقرأ أيضاً: الاحتلال أصدر أحكاماً بحق 27 طفلا فلسطينيا الشهر الماضي

المساهمون